نديم جرجورة
غداة انتهاء الأيام الـ18 الأولى والأساسية لـ «ثورة 25 يناير»، يُنجز السينمائي المصري يُسري نصرالله (1952) فيلماً روائياً طويلاً، يتناول بعض مجريات الأيام والثورة تلك. قبل «بعد الموقعة» (2012)، يُشارك في تحقيق فيلم جماعي إلى جانب 9 مخرجين آخرين منتمين إلى أساليب مختلفة، ومتشابهين بهموم سينمائية تنحو باتّجاه البحث الجمالي الدائم عن كل تجديد بصري ممكن. الفيلم الجماعي يحمل عنوان «18 يوم» (2011)، يتضمّن 10 أفلام قصيرة تحاور وقائع الأيام الـ18 الفاصلة بين 25 كانون الثاني (بداية الحراك الشعبي السلميّ ضد حسني مبارك) و11 شباط 2011 (تنحّي الرئيس المصري عن مسؤولياته كرئيس لـ «جمهورية مصر العربية»). «داخلي / خارجي»، الفيلم القصير لنصرالله، يغوص في تفاصيل صراع خفي بين منطقين متضاربين، يريد الأول المشاركة في التظاهرات السلمية، التي يرفضها الثاني. حكاية زوجين متناقضي الرأي بخصوص ما يجري خارج منزلهما، في مكان يوحي بهدوء قبل «الانتصار المؤقّت» للمنطق الأول، داخل مسار درامي يختزل أحد معاني العلاقات القائمة بين مصريين و «ثورة» تريد خلاصاً من ظلم وقهر وفساد.
يُسري نصرالله مواظبٌ على تحقيق أفلام مُشاغبة، سينمائياً وفكرياً وإنسانياً. لا يتردّد عن التطرّق إلى بعض المحرّم، كي ينفتح المشهد على الأسئلة كلّها. يطرح مسائل مختلفة (ثورة 25 يوليو، الحجاب، الهجرة والمنفى، التحوّلات الاجتماعية، إلخ.) مانحاً معنيين مباشرين بها فرصة بوح ذاتي حميم. يروي جزءاً من تاريخ شخصي ـ عام، كي ينقّب في الراهن عن بعض أجوبة. يتيح لشخصياتٍ / ممثلين ـ ممثلات إمكانية قول ذاتيّ أمام الكاميرا، لإدراكه أهمية التعبير عن حالة أو انفعال أو سلوك. يكشف ويفضح ويحرّض في أفلام تمتلك ميزة اشتغال سينمائي تتصاعد وتيرته نحو اكتمال (محاولة اكتمال) معنى صناعة سينمائية مرتبطة بهمّ ذاتي ـ عام.
«بعد الموقعة» مستلّ من بعض تفاصيل لحظة تُشكّل تحوّلاً جذرياً في التاريخ المصري المعاصر. 2 شباط 2011 يُعرف باسم «موقعة الجمل». يومها، ينقضّ «بلطجية» النظام القائم على متظاهرين في ميدان التحرير، وهم يمتطون أحصنة وجمالاً وبغالاً، حاملين عصياً يضربون بها من يُصادفونه. تُذكّر الموقعة بما يحصل في أزمنة العصور الوسطى. لكن الفيلم يكتفي بالاسم المُطلَق على 2 شباط، من خلال علاقة ناشئة بين عاملة في مجال الإعلانات (منّة شلبي) وخيّال من منطقة «نزلة السمّان» (باسم سمرة) يُشارك في الموقعة. عاملة تكاد لا تُدرك شيئاً مما يحدث، وخيّال يجد نفسه داخل لعبة استنزاف السلطة للمتظاهرين المنقلبين على أقدارهم من أجل خلاص مطلوب وملحّ. عاملة تغوص في واقع التحوّل بصُوَره ومعالمه كلّها، وخيّال يضيع بين فقر وسذاجة وتوهان وقناعات معلّقة. الخيوط الدرامية متشابكة، انطلاقاً من العلاقة والموقعة. المناخ مفتوح على أسئلة التواصل الفردي بمجريات الحدث، وبالعلاقات القائمة بين الناس، وبأحوال بيئة تجد نفسها متورّطة، بطريقة أو بأخرى، بالانقلاب السلميّ على «فرعون حديث». سؤال أخلاقي أساسيّ في النصّ والبنية الدراميتين: مواجهة حراك سلميّ ببطش سلطوي. لكن سؤالاً أعمق وأهمّ كامنٌ في الحراك نفسه، وفي انفعالات الناس إزاءه ومدى مشاركتهم في صنعه، وفي ثنائية «الوعي ـ اللاوعي» تجاه التغيير. هذا كلّه مرتكزٌ على واقعية حيّة، يستلّها الفيلم من يوميات أناس عاديين، ومن تبدّلات أحوال وانفعالات، ومن مسارات متشعّبة تشهدها الأيام الـ18 هذه، وما بعدها أيضاً.
السفير