باب الفتوح.. حصن عتيق يحمي التاريخ



أحمد نوار

باب الفتوح.. واحد من ثلاثة أبواب ما زالت موجودة لأسوار القاهرة القديمة “باب النصر وباب زويلة”، بُني عام (480 هـ 1087)، على أيدي القائد جوهر الصقلي، بهدف حماية القاهرة واستكشاف الأعداء، ويقف الباب في الطرف الشمالي من شارع المعز لدين الله.

ويُقال إن تسمية الباب باسم “باب الفتوح”، يعود إلى أن الجيوش كانت تخرج منه لملاقاة الأعداء، وعند النصر وهزيمة العدو تدخل الجيوش وهي منتصرة إلى القاهرة من الباب، حتى سُمّي “باب الفتوح”، بالإضافة إلى أن الباب كان مركزاً لدخول وخروج قوافل الحجاج المصريين كل عام لزيارة مكة.
وكان الباب جزءاً من تحصينات بناها القائد الوزير بدر الجمالي الفاطمي، ليكون حصناً ودفاعاً قوياً عن المدينة من هجمات المعتدين، وكانت تُستخدم أبراج وأعمدة الباب لسكب الماء المغلي أو حرق النفط على المهاجمين، بالإضافة إلى صعود حملة الأسهم الحربية لاصطياد وقتل الأعداء، وتُغطّى البوابة بزخارف ونقوش نباتية وهندسية، ويمثّل الباب نموذجاً لفنون العمارة خلال العصر الفاطمي.
ويقع باب الفتوح في الجدار الشمالي من المدينة الفاطمية القديمة في القاهرة، والذي جدّده قائد الجيوش الأمير بدر الجمالي في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وجعله في موضعه الحالي في بداية شارع المعز لدين الله بجوار مسجد الحاكم بأمر الله، ويتكوّن باب الفتوح أو بوابة الفتح من قبب عالية منحوتة من كتلة ضخمة من الحجر، ويُعتبر البناء أدق من ناحية التصميم والشكل والضخامة من البوابة الجنوبية (باب زويلة)، حيث كان يحمي الحدود الشمالية لمدينة القاهرة الفاطمية القديمة، ويصل عرض واجهة البوابة 23 متراً، والارتفاع 22 متراً، في حين يصل عمق البوابة 25 متراً، وتأخذ البوابة شكلاً شبه دائري على غرار برجي باب زويلة في الجدار الجنوبي، ويتكوّن الجزء العلوي من أبراج البوابة من غرف دفاعية مع شقوق تسمح لحملة الأسهم باصطياد الأعداء، ويغطّي مدخل البوابة قبة ضحلة تتكوّن من مناطق واسعة للتحرّك والانتقال، وتحتفظ بوابة الفتوح بالعناصر الزخرفية الجميلة على القوس الخارجي الذي يتضمّن مجموعة متنوّعة من الزخارف النباتية والهندسية، وهو ما يمثّل مرحلة من مراحل التنمية فيما يتعلّق بزخرفة الحجر في العمارة الإسلامية في العصر الفاطمي. 
ويتكوّن الثلث الأعلى من باب الفتوح من قبب ضخمة وأبراج للدفاع عن المدينة، وتم استخدام البوابة من قِبَل قادة الحملة الفرنسية على مصر تحت حكم نابليون بونابرت (1213-1216 هـ إلى 1798-1801)، وتم تدوين ونقش أسماء القادة على أبراج باب الفتوح، كشاهد لإقامتهم في مصر واستخدامهم لتلك الحصون أثناء حملتهم.
وشهدت القاهرة خلال العهد الفاطمي محاولات عديدة من التركمان لغزوها، فضلاً عن التهديدات المستمرة من الإمبراطوريات الأخرى من الشرق، وهو ما دفع القائد بدر الجمالي لإعادة بناء أسوار المدينة، واستخدام الأرمن من شمال بلاد ما بين النهرين والسوريين في حملة بناء واسعة بعد وقت قصير من توليه السلطة لتشييد الجدران والبوابات الثلاث (الفتوح والنصر وزويلة)، وكل باب من الأبواب الثلاثة يضمّ برجين من الأبراج الضخمة، والتي تُستخدم لحمل قبة مرتفعة فوق مدخل الممر، واستخدام أقواس نصف دائرية وأقواس أفقية لمواجهة الأعداء، حيث عكست بوابات القاهرة تراث العمارة العتيقة جنباً إلى جنب مع العناصر الزخرفية الفاطمية.
ويقول د. محمود مسعود، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس: إن الدولة الفاطمية التي تعود تسميتها نسبة إلى فاطمة بنت النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) وزوجة الإمام علي بن أبي طالب (الخليفة الرابع للمسلمين)، عاشت فترات ازدهار ونفوذ وقيادة العالم الإسلامي، وزادت فتوحات الفاطميين في الشرق إلى مصر وسوريا، وسارع الفاطميون إلى العمل على توسيع نفوذهم، وتأسيس جامع وجامعة الأزهر في القاهرة لتثقيف الدعاة لنشر المذهب الشيعي في المناطق ذات الغالبية السنية.
ويقول: إن الدولة الفاطمية وصلت إلى ذروتها السياسية في ظل الخليفة المستنصر بالله، الذي استطاع السيّطرة على شبه الجزيرة العربية وبغداد، ودخل مصر وأنشأ بوابات وأسواراً لحماية الدولة الفاطمية من الأعداء، وازدهر الاقتصاد وقتها لأن مصر كانت مركزا للتجارة بين الهند وبلدان البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي حرص الفاطميون على حماية ملكهم، وكان باب الفتوح من أهم البوابات الشمالية خلال العهد الفاطمي، كونه مصمّماً بشكل هندسي عسكري، لا سيما وأن برجي البوابة التي تأخذ شكلاً دائرياً يحتويان على الشقوق التي تتيح لجنود حملة الأسهم والقوس والنشاب من اصطياد الأعداء ومواجهة المعتدين، بالإضافة إلى أن هذه الشقوق كانت تُستخدم لسكب الزيت المغلي على الأعداء.
ويضيف د. سعد جنيدي، خبير الآثار الإسلامية: أن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله استدعى القائد بدر الجمالي من الشام عام 1073 لتولي الوزارة وقيادة الجيش، للسيّطرة على الأزمات الأمنية التي تحلّ بالقاهرة، خاصة وأن الأوبئة حلّت بالسكان والمجاعة مستمرة بسبب انخفاض مستوى النيل، بالإضافة إلى مواجهة تهديدات جيوش الأعداء الذين يريدون غزو القاهرة، وتابع: استطاع الجمالي بناء أسوار لحماية المدينة من الأعداء مثل “باب الفتوح”، وأصبحت القاهرة مدينة دفاعية يحيطها أسوار قادرة على ردع السلاجقة وغيرهم.
(خدمة وكالة الصحافة العربية)

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *