نهى حوا
يدق الروائي الأميركي دايف إيغرز ناقوس الخطر لما يحدث حالياً في عالم الإنترنت، لا سيما هذا التجميع الهائل للسلطة في يد شركات التكنولوجيا، ويقول في مقابلة أجرتها معه صحيفة «تلغراف» البريطانية أخيرا، إن أكثر ما يثير غضبه ما يدعيه الناس من قلق إزاء ما تقوم به وكالة الأمن القومي الأميركية ومركز الاتصالات الحكومية البريطاني، فيما هم متواطئون بالكامل مع ما يجري، ويتجسسون على بعضهم بعضا.
وإيغرز الذي يدين شركات التكنولوجيا في سعيها الدؤوب للتحكم ببيئة عمل موظفيها، يتأسف تحديداً على أولئك الموظفين الذين يتحولون من مثاليين طوباويين إلى أشخاص يقودون الشركة إلى الانحطاط،..
وما يثير ذعره تحديدا ما يراه من محاولات لصناعة الإنترنت للحصول على بيانات الشباب في المدارس، من خلال برامج كمبيوتر مجانية توفرها الشركات على الإنترنت ويضع الطلبة بياناتهم عليها، ليجري تعقبهم من قبل تلك الكيانات الخاصة للأبد. ويشدد في العموم، على أن الجاسوسية (الإنترنتية) تنتهك خصوصيتنا. وأن الإنترنت أداة جاسوسية بامتياز
وإيغرز لمع اسمه عندما أصدر روايته الأولى «عمل مبهر لعبقري مترنح»، التي حققت أكبر نسبة مبيعات ورشحت لجائزة بوليتزر لكتاب غير خيالي، وقد تعرّف عليه العالم العربي من خلال روايته «زيتون» التي تصور حياة أميركي من أصل سوري، يتهم زوراً بالسلب والإرهاب بعد إعصار كاترينا.
رأي وتطبيق
وغضب إيغرز على تكنولوجيا الاتصالات حقيقي، ولهذا لا يسمح لنفسه بالاقتراب كثيرا من الإنترنت. ويقول إنه يقصد الخروج من منزله إذا ما أراد مشاهدة مئات الفيديوهات على يوتيوب، وإن لم يفعل ذلك، فإنه لن يتمكن من إنجاز أعماله. ويرفض إيغرز الهواتف الذكية التي بين أيدينا، شاجباً تقبل الناس لها وتساهلها مع فكرة أن يجري التجسس على بياناتهم، نظراً لتنافي هذا الأمر مع وجود مجتمع وفرد حر حسب وصفه.
لكن التزامه بجدول أعماله، اضطره إلى تمديد «واي فاي» في منزله حيث يعيش في سان فرانسيسكو، لكنه يؤكد أنه إذا ما احتاج إلى إنترنت، يذهب إلى المكتبة للاطلاع على بريده الإلكتروني.
وربما هذا الابتعاد عن الهواتف الذكية والتكنولوجيا اللاسلكية هو ما ساعده في تأليف ثلاث روايات في السنوات الثلاث الماضية. وكانت روايته الأخيرة قد اتسمت بنزعة أميركية قومية، وحنين لاستعادة ماض قد ولى، كانت أميركا تطلق خلالها برنامج مكوكها الفضائي. وهذه الرؤية التي تتعلق بالماضي قد تكون الدافع وراء نفوره من تكنولوجيا الحياة المعاصرة وفقا لصحيفة «تلغراف».
ففي روايته قبل الأخيرة «الدائرة»، يحدث كل شيء على الإنترنت. وعندما يتحدث عن نوع شركات التكنولوجيا، فإنه يصورها بطريقة مرعبة، متمسكاً بالأخلاق التي قد يكون العالم مهددا بخسارتها.
يقول على الرغم من عدم دخوله إلى «غوغل» أو «فيسبوك»: «دخلت حرم شركات غير تكنولوجية خارج كاليفورنيا لديها الأهداف نفسها، تأمين الأفضل لموظفيها». لكنه في روايته «الدائرة» ذهب بالأمر إلى أقصى مداه، مضيفاً:
«أنا لا أقول هذا عن أي من تلك الشركات، لكن يجري تأمين كل تلك الخدمات كي لا يغادرهم الموظف». ويشير إلى أنه قد يصبح لدى الشركات في النهاية آلاف الموظفين الذين يعملون في بيئة متحكم بها ومسيطر عليها، حيث يمكن مراقبة أفعالهم، وتفضيلاتهم، وسلوكياتهم ومشاهدتها وتحويلها إلى قيمة نقدية.
مثالية وتغير
يؤكد إيغرز أن «الأمر ليس أن غوغل هي شركة شريرة وكل ما تفعله سيئ، الأمر ليس كذلك على الإطلاق، والأمر لا يتعلق بقائد شرير على رأس الهرم يزيد الأمور سوءاً، إنما ما يتجه بالشركة الى الدرك فعلاً هم الأفضل والألمع بين الموظفين. والخطوة التالية الآن تتمثل، على سبيل المثال، في الحصول على مليارات الدولارات من شركات التأمين، من خلال ساعة »أبل« الخاصة بالبيانات..
لأن أقساط التأمين ستحدد وفقا لها. وكل هذا أصبح حتميا». وإيغرز شاهد أوضاع تلك الصناعة التكنولوجية عن كثب لفترة طويلة. ويقول إنه عندما انتقل إلى سان فرانسيسكو، شارك مكتبه مع مجلة تكنولوجية تدعى «وايرد». ويشير إلى اعتقاده بأن شبكة الإنترنت أنتجت «ملايين الأشياء العظيمة، لكن أعتقد أن هذا التجميع للسلطة لم يكن واحداً من أهدافها».
ويشجب إيغرز بقوة ما يراه من محاولات لصناعة الإنترنت للحصول على بيانات الشباب في المدارس، ويقول: «قضية المدارس مرعبة، وفي نظام المدارس الأميركي هناك عملية جذب وشد مستمرة ضد هذه الشركات. فأمازون يوفر برامج كمبيوتر للمدارس مجانية.
وكل ما يتطلبه الأمر هو ملء المعلومات الشخصية. والمدارس لا مال لديها، بالتالي تستخدم هذه البرامج في أعمالها. وما أعنيه، أنه برنامج رهيب، لكنه مجاني. ومن ثم الأطفال يجري تعقبهم للأبد من قبل تلك الكيانات الخاصة».
وهذا بالطبع، الكابوس الذي يرسمه في روايته «الدائرة»، عالم حيث لا يمكن لأحد أن يهرب من رقابة الإنترنت. ويرى أن هذا الهاتف بين أيدينا يشكل جهاز رقابة بدوره. ويقول: «كنت أسأل أصدقائي المتزوجين منذ فترة طويلة ما إذا كانوا يتعقبون زوجاتهم أو أزواجهن على »آي فون«، وكلهم يفعل ذلك، ويقولون:
»حسنا، أريد معرفة متى سيصل أو ستصل المنزل.. بالطبع هناك فائدة من ذلك، لكن المرء يصبح تحت الرقابة. وأعتقد أن أي مجتمع أو شخص تحت المراقبة ليس حراً«.
روايات 3 تشرح واقع أميركا ما بعد «الصناعي»
ألف الروائي الأميركي دايف إيغرز ثلاث روايات في السنوات الثلاث الماضية، كل منها يتناول جانباً مختلفاً مندثراً من أميركا. وتحدثت عنها صحيفة »التلغراف« البريطانية على الشكل الآتي:
أولاً: »صورة ثلاثية الأبعاد للملك« الصادرة عام 2012، يجري تحويلها حاليا إلى فيلم سينمائي من تمثيل توم هانكس، وهذه الرواية تتحدث عن رجل أعمال في منتصف العمر، آلان كلاي، يحاول الهرب من أزمته المالية في رحلة عمل أخيرة إلى الخليج.
بؤس شائق
ثانياً: تحدثت »التلغراف« في المقال عينه: في عام 2013، ألف كتاباً آخر أكثر إلهاما في رؤيته للمستقبل الأميركي، »الدائرة«..
وهذه القصة البائسة والمشوقة أصبحت الرواية الأكثر مبيعا له حتى يومنا هذا. وهي تتخيل عملاق التكنولوجيا »وادي سيليكون« الذي يشبه غوغل وفيسبوك وتوتير مدمجة في كيان واحد. ورؤية إيغرز الكابوسية لمستقبلنا تقترب من رؤية جورج أورويل »1984« في مجال استخدام »لايك« وعدد المتابعين على الإنترنت.
حوارات
وثالثاً، كما جاء في الصحيفة البريطانية: في عام 2014، ألحق إيغرز كتابيه بكتاب ثالث ألفه على شكل حوارات بين شاب مسلوب الإرادة في مشهد أميركي ما بعد صناعي، وجماعة من الأشخاص (عضو في الكونغرس، ورائد فضاء، وشرطي، ووالدته)، اختطفهم وذهب بهم إلى منشأة عسكرية مهجورة على شاطئ كاليفورنيا، ليس بعيدا عن المكان الذي يعيش فيه.
وتتصف روايته الأخيرة هذه بنزعة أميركية قومية، وحنين لاستعادة ماض ولى، تلك الفترة التي كانت أميركا تطلق فيها برنامج مكوكها الفضائي. يقول ايجرز الذي يتحدث عن حنينه لأميركا التي تتسم بالتفاؤل حينها، حسب قوله: »نصف الأشخاص الذي ترعرعت معهم أرادوا أن يركبوا مكوكاً فضائياً..
وكانت هذه واحدة من الصور التي انطبعت بقوة في ذهني خلال طفولتي وفترة مراهقتي. وذهبت إلى آخر عملية إطلاق لمركبة فضائية في عام 2011..
حيث انتابتني مشاعر وطنية وإحساس بالفخر لا يصدق، وبالحزن فعلاً. وكان هناك العديد من أولئك القدامى الذين كان لهم في «ناسا» منذ البداية، وكان يدركون بأن الأمر يوشك على النهاية. وكان على رواد الفضاء أن يستخدموا صواريخ روسية للوصول إلى محطات الفضاء.
ويصف إيغرز حينها مهندسي «ناسا» على الشكل الآتي: «تذهب إلى هناك ونصف المهندسين هم من ألاباما أو جورجيا. في حياة أخرى كان يمكن أن يكونوا ميكانيكيين للسيارات. والأجواء تغيب عنها التكنولوجيا. فلا وجود لملايين الشاشات الرقمية. إنما أشخاص يعملون بمفتاح البراغي على المكوك الفضائي».
وهذه الرؤية المتعلقة بالماضي ربما تكون الوقود الذي تغذي إيغرز عليه للانقضاض على تكنولوجيا الحياة المعاصرة، وفقا لصحيفة«التلغراف».
البيان