مَثاقيب


*وائل قريطم

الألم موهبة، ولم تكن الروح أفرس، الصداقة بنت الصدق والصدق مُهتَرِئ، السلام مُسَنَّن مَشحوذ قاتل، الحُلم قَوّاد الجحيم، الواقع مِنبَر الهاوية، القلب جار به الزمان، الجسد ينزف، العقل أَشفَقَ وانسحب، طياتها المزهرة وكراً للدغات العقارب، مَآتِم لا تنتهي، مَآقٍ لا تجف، إنسانية بَاسِرَة بوحلِ اليَبَاب.

يجلس في الركن الغائم من المعبد كعادتهِ
أراه من بعيد 
من على بساط الحصى, كان قد أهداهُ لي 
صنعناه معاً من قبل
وصلتُ إلى حافةِ ركبتيه
ألقيتُ التحية
فقال: هل رأيتَ؟!
قلتُ: رأيت 
قال: قُل
قلتُ: كان ينبغي علينا أن نعلم أننا على جبل يتصارع على مسرح.
رفضتَ الاختيارات المُسبقة،
ابتعدتَ عن الدائرة المرسومة – المنظومة –
لم تأخذ رقماً في دفاترهم،
كنتَ أقرب لنفسك 
بعيداً عن الصدى والكلمات المُتهالكة،
إلى المعنى،
سيصلون قبلك أو تظن ذلك 
أو يظنون هم ذلك،
الحقيقة أن نهايتهم مهترئة التكرار،
ونهايتك ستكون فَرِيدة من نوعها،
حتى وإن لم تصل!
الغد ليس الآن، الآن هو أنت، فكن كما تريد الآن، وماضيك هو رَبّ مستقبلك، فلا تقتل رَبّك، فتفقد كل شيء. امنح نفسك السلام، لا تنتظره من أحد، الألم لمن أراد أن يبقى هناك، فالسقوط هو نقطة انطلاق كما من الموت حياة، والروح ليست أفرس، فالإدراك: اثنتان للعقل واثنتان للاعتقاد.
من يسخر من روح الصديق مهترئ لا يستحق. 
الشر ليس بالشر، الحكمة تنفع معه، والإنسانية الجوفاء لستَ بهادٍ لها.
……………….
تَّنَهُّد
…….
ثبات عميق
ألم أعمق
كُن!
فلا أستطيع
شربة الماء تكرهني
والهواء يلفظني
تمنيت فكان التضاد
ليس من شيء إلا ساء
الوقت عدم، والحلم سئم
اقتفيت الأثر, ضربت الودع، وهمست في أذن السحاب، صرت نسمة وكنت نحلة، وفتشت بين زهور الأقحوان، وجدتها فتطوَّقت روحي سعادة، ورتلت ترانيم العبادة، ودنوتُ فنظرت إليَّ، وابتسمت بيننا الكلمات، صارت لدينا ذكريات، صداقات.
قلتُ: ليس لي هدف سواكِ، فالكل دونكِ عبث وهباء.
قالت: وكل شيء لا يُقرب إليكَ، يندثر الانتماء إليه.
صوتها ترانيم؛ كتسابيح كروان تملأ سكون الليل حياة، وعيونها توقظ في القلب الأمل وتزرع به زيتونة للحلم، وحديثها النغم؛ يجعل من الوقت نسياً منسياً ويذيب عناء السفر، وروحها نبراساً وهاجاً؛ فتتسارع الروح إليه كي تدور في فلكه وتقتبس من نوره.
وفي حبها تحول كل البشر إلى صفر وهي وحدها الرقم، تحول البشر إلى مجرد دُمىً وهي وحدها صاحبة الروح، وصار الوقت من دونها هباء، فمن سواها لا شفاء. 
كملائكة المطر؛ تصلح يباب القلب والجسد والعقل بضحكتها الصافية, فمن ضحكتها يقتبس الكون الربيع، وفي ابتسامتها دفء وشفاء وغذاء.
لكنها قالت: لن نلتقي أبداً! 
فقلت: لا أفهمكِ! 
قالت: قلتُ لن نلتقي أبداً! 
قلتُ: كل ما أفهمه أن الأجساد فانية تفترق، لكن أرواح الأحبة أزلية، ولن نفترق أبداً!.
قلت: لا تغيبي فبغيابكِ ستغيب الشمس، وينعدم الدفء، وتمتنع الأزهار عن نثر العطر، ستختفي البهجة، ويسود الظلام وينتشر الأنين؛ فبغيابكِ سيغيب كل شيء ولن تبتسم الحياة لي.
كان الغياب… والفراق قاسٍ كالصحراء؛ يجف فيه القلب الأخضر كعشبٍ غاب عنه الماء، وتنمو في اللسان شوكة تجعل من الكلمات مرارة في الحلق كالصبار، ويصير البصر زائغاً باحثاً عن الجمال لكنه يتعثر من وهج الشمس الحارقة لكل الجماليات.
يا أنا… تسقط دموعك رغماً عن وقارك، نعم.. فلا تكن أحمق وتقاوم البكاء، فيكسر ابتسامة قلبك كاملة، استسلم له دعه يغسل حزنك ويمر، فالحزن إما أن يقتلك أو يمر منك بسلام، ولكنه سلام منقوص؛ فيسلب من ابتسامتك شيئاً، ويخلط بالبهجة دمعة.
وكل مصاب بداء العشق يرى سراب المعشوق وجماله في كل شيء، وزيتونة القلب شجرتها لن تموت؛ لأن جذورها تمتد إلى الروح، وكل حب تعلق بشيء يزول بزواله، غير أن حب الروح للروح قائم أبدي.
وكلما ثار القلب اشتعالاً وألماً، وضعت يدي على صدري، ثم رتلت كل حرف من اسمها في ترنيمة وتنهيدة، كي يلين القلب ويستكين.
أشرقي بصوتكِ كي يحل الصباح، وتنشد البلابل ترانيمها، امنحيني عطراً من ريحانة صوتك، كي أنهض من وحل اليأس، فشفائي الآن إن أردتِ في فنجان قهوة ممزوجاً بعطركِ؛ كي أنتبه لكوني ما زلت حياً.
قالت لي: كيف حالكَ؟ 
فارتبكت حد العرق، هل أفيض لها بما كان في الأيام الخالية؟
خشيت أن أمس رقة نسيمها الساري بأحزاني، فهي الياسمين نبيذاً، تنفستها بهدوء حتى ذوبت وسَكرت وآمنت بقدرتها وكفرت بالهم، وعدت ثم ذهبت ثم عدت فبَرِئت!
فقلت لها: أنا الآن بخير عزيزتي!
الأكثر ألماً أن تبكي من الداخل، وأنت ترسم على وجهك ابتسامة تجتهد لأن تكون صادقة، ورغم أن شبح المستحيل قابع بين الكلمات يأكلها ويكدر صفو السلام، فما زال صوتها.. ترياق الشفاء لروحه من كل الآلام.
قلتُ: كل كلماتي صدئة متآكلة تنازع الموت؛ لكن حين تقرئينها ترتد إليها الروح وتثمر الحروف بساتين أزهار وفراشات، ونسيما محملاً بعطرك يؤنسني ويواسيني في غيابكِ، فلا تحرميني.
وأخيراً… هناك رجال يمتلكون قلوباً تنتهي صلاحيتها بعد حب امرأة واحدة؛ فلا تتزوجي رجلاً منهم فقد قلبه في امرأة قبلكِ.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *