المملكة المحرمة وفتنة السرد بين زمنين



الروائي جان جاكوب سلوروف

ثقافات- خاص


“إذا استطاع المرء أن يستحضر الموت بسهولةٍ مثل الحب بالتفكير به، إذن سيذهب الكثيرون كل ليلةٍ إلى الفراش ولن ينهضوا أبدًا منه، لكن الجسد قويٌ جدًا: عند أخف حركة، الإمساك ببندقية، صب بضعة قطرات في كوب، فهو يتمرد ويؤكد خموله واتصاله بالأرض، وربما الأهم من ذلك كله حينما يمرض مرضًا خطيرًا، ولحسن الحظ، تستطيع الروح أن تفصل نفسها إن لم يكن فورًا إلى الأبد، وتستطيع أن تعبر نهر النسيان تترك المعاناة خلفها على الشاطئ القريب وبمجرد عودتها مع الجسد لا يمكنها أن تتعرف على ما قاسته معه في سجنه. 
حينما يكون شخصٌ قد عبر المحيط لتوّه على وجه الخصوص، لا يرى ولا يشم شيئًا إلا الماء والسماء وجذور الشجر، ويهيم حائرًا في عاصفةٍ لثلاثة أيام، ويقضي أسابيع من الجوع والتجوال، ربما يكون هناك فيما بين النباتات التي تنمو في كل مكان نحو عشرة أنواع سامّة قاتلة، أنا لم التقطها”.
المقطع المقتطف مأخوذ من رواية ” المملكة المحرمة” التي صدرت مؤخرًا عن دار آفاق للنشر والتوزيع وهي من أبرز أعمال الروائي الهولندي “جان جاكوب سولوروف”. وهي من ضمن الروايات التي تتناول أكثر من زمن، بل تتقاطع فيها الأزمنة لتحكي قصة مغامرة متعددة الطبقات تتحرّك فيما بين الشرق والغرب وعبر العصور، كما تجمع فيما يبدو بين حياتين تبدوان ظاهرين غير متصلتين، بل منفصلتين تماما. الأولى لمشغل اللاسلكي في القرن العشرين، والثانية لحياة لويس كاموس شاعر القرن السادس عشر المنفي، حيث يقوم كل منهما برحلته الخاصة الخطرة إلى “ماكاو” الموقع التجاري البرتغالي. 
يستدرج الروائي الهولندي “جان جاكوب سولوروف” فيها القارئ إلى عالمٍ من التغريب والخيانة، حيث يختلط الماضي بالحاضر في احتمالية لا يفارقها الموت أبدًا، حيث تتداخل فكرة السلطة والحب، والعشق المجنون والتخلي المرعب. لنقرأ من أجواء الرواية : ” كان سكان ماكاو يحتشدون في الشوارع وقت الغذاء. كان هناك برتغاليون وماليزيون ونساء يابانيات وعبيد سود وخدم صينيون وجنود والكثير من الهبان. أفسح الجميع الطريق باحترام للأرائك المحمولة رافعين قبعاتهم، منحنين أو جالسين القرفصاء على جانب الطريق على حسب عادتهم الوطنية”
الجدير بالذكر أن الكاتب الهولندي “جان جاكوب سلوروف” ولد في شمال هولندا وتوفي عام 1936، تلقى تعليمه كطبيب وعاش حياة ترحال قصيرة ومكثفة وعمل طبيبًا على متن السفن التي تسافر إلى أوربا أولًا ثم مدن الشرق الأقصى والصين، ويبدو ذلك بارزًا في كتاباته الروائية. الرواية من ترجمة مصطفى محمود الذي سبق أن صدر له عدة أعمال روائية مترجمة منها روايتي فيليب روث ” كل رجل” و” الحيوان المحتضر” وروايتي “الطيور” و”قصر الجليد” لـ تارجي فيساس من إصدار دار آفاق أيضًا، كما أنه مترجم كتابي ” نساء يركضن مع الذئاب”، و ” الصوفية النسوية”.

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *