السينما ترصد سحر العيون الذي لا نراه


*طاهر علوان

في فيلم “آي أوريجينز” للمخرج مايك كاهيل، وهو نفسه كاتب السيناريو يتصدى لإشكالية تتعلق بعنصر واحد من عناصر الخلق والتكوين البشري ألا وهو البصر، يجاهد الفيلم في رسم مسارات افتراضية تنأى بالبصر عن كونه قدرة خارقة ممنوحة إلهيا، إلى كونه نتاج تطور طبيعي للكائن البشري وحواسه وتكوينه، بل تطور للخلايا والديدان والحشرات وصولا إلى التجارب على الفئران.

يقود كل هذا الباحث في البيولوجيا الشاب المثابر أيان غراي (الممثل مايكل بيت)، وهو ممثل أميركي من مواليد 1980 عرف بأدوار في أفلام متعددة -أكثر من 25 فيلما- لعل من بينها ذلك الفيلم ذائع الصيت “ألعاب طريفة” للمخرج النمساوي الشهير مايكل هانيكة الذي قدم ممثلا يمارس سادية غريبة بكل صبر ورباطة جأش.
يسعى غراي بعد سلسلة أبحاث إلى إثبات تلك الفرضيات التي تتعلق بالعيون البشرية، وكونها إحدى مراحل التطور من جهة، ولكنه يتخذ فرضية أخرى ألا وهي وجود تشابه في العيون، أو كونها من أصول جينية متشابهة على الرغم من تعدد الأعراق والقوميات، وآية ذلك هو قزحية العين التي تؤكد تلك البصمة الوراثية المشابهة بين البشر.
يزج الفيلم خلال ذلك حبكات ثانوية ويعزف على وتر عاطفي ورومانسي يعبر عنه ذلك الباحث الشاب، فهو إذ يلتقي في أحد النوادي الليلية بفتاة تغطي وجهها بقناع، فإنه يطلب منها تصوير عينيها فقط، وذلك في إطار اهتمامه وأبحاثه في مجال العيون.
ثم يلتقي فتاة أخرى بالصدفة وهي صوفي (الممثلة الفرنسية الأسبانية أستريد فرسيبي)، وبعد علاقة عاطفية، وفيما هما في طريقهما لإعلان زواجهما يتعرضان إلى حادث بسبب تعطل المصعد، لينتهي المأزق بوفاة صوفي، مما يشكل صدمة كبيرة لدى غراي لا يستطيع مغادرة ذكراها، بل إنه يلوم نفسه كونه كان السبب وراء موتها وهو يحاول إخراجها من قعر المصعد.
تشارك كارين (الممثلة بريت مارلينغ) في أبحاث غراي، بل هي صديقة مخلصة له وتعمل بمثابرة بمعيته، ولهذا تجد نفسها بعد تلك المدة الزمنية التي عاش فيها غراي مأساة وفاة حبيبته وزوجة المستقبل، ساعية لإخراجه من حزنه، ورغم كونها دائمة الانهماك في مراقبة الخلايا الميكروسكوبية في المختبرات، تجد نفسها تشاطر غراي محنته وتقترب منه وتسدّ فراغا في نفسه لتتوّج علاقتها بالزواج وإنجاب طفلة.
وحتى هذا الإنجاب سيكون امتدادا لتلك الرحلة نفسها في استقصاء قصة قزحيات العيون، إذ تظهر صور الجنين وجود مميزات خاصة لتلك القزحية، وكذلك لعيني الأم وبعد بحث في قاعدة البيانات يظهر أن التشابه واقع مع فتاة في إحدى القرى الهندية، مما يدفع غراي للسفر إلى هناك لمواصلة البحث في قصة التطور الطبيعي للقزحيات وللعين بصفة عامة.
في مسار الدراما الفيلمية يبدو الموضوع مؤطرا بتلك الأبحاث في المجال الذي أشرنا إليه سابقا، ويتحدد المكان في إطار أقسام المختبرات ومراكز البحث، وإلى حدّ هذه المعطيات لا يبدو ثمة متسع للتشويق والتفاعل وبناء أحداث تحفز على المتابعة.
ولهذا يجد المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو بديلا من خلال تلك الانعطافات العاطفية الحادة التي تتعلق بغراي نفسه وحياته الشخصية، فهو في بحثه في تلك المعضلات البيولوجية تحركه حبكات ثانية من قبيل قصة المصعد، ومن ثم سقوط مادة كيميائية على عينيه تمنعه من الرؤية، وتواصل الحياة في الخارج، وما يلفت النظر أكثر في الفيلم هو تصوير العيون بجميع أنواعها، حتى عيون التماثيل والإعلانات الاشهارية في الأماكن العامة.
“”آي أوريجينز” من إنتاج العام 2014 ومخرجه مايك كاهيل من مواليد 1979، وهذا هو الفيلم الخامس له، إذ قدم أول أفلامه في العام 2004، وشارك بأفلامه في العديد من المهرجانات حيث حصدت عددا من الجوائز ومنها الجوائز التي حصل عليها هذا الفيلم في مهرجان سندانس ومهرجان كاتالونيا.
والفيلم الذي ينتمي إلى أفلام الخيال العلمي يشكل امتدادا لتجربة كاهيل في فيلم سابق من نفس الثيمة (الخيال العلمي)، وهو فيلم “أرض أخرى” 2011، وهو الذي انطلق منه المخرج لاستقصاء موضوعات الخيال العلمي وتقديمها سينمائيا.
______
*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *