*خليل قنديل
إن فعل التراكم الحضاري السريع الذي نعيشه هذه الأيام لا يبشر بالخير، ذلك أن ما كنّا نحلم به قبل سنوات ونضعه في مصافّ المستحيلات السبعة صار يقبل التحقيق بسهولة مذهلة، وصار التشكيك في أقل بدهياته هو فعل ارتباط بالتخلف وفقدان البصيرة الواعية.
ومن يقرأ التاريخ جيداً سيكتشف أن الحمق البشري هو الذي أعاق الحركة السلسة للتاريخ، ذلك أن الكثير من المفاصل التاريخية المهمة وقعت بين أيدي حمقاء استطاعت تدمير الحركة العفوية للتاريخ البشري، واعتقال الدماغ البشري في مسالك عدوانية وحروب غير مبررة على الاطلاق، مازالت البشرية تسدد فواتيرها الخارقة!
ومن يتابع الاستعدادات الفطرية للعدوان والرد عليه يكتشف مدى الحمق البشري وأن التفكير في العداوات أعمق بكثير من التفكير في المصافحة والعناق! وأن الشعوب المغلوبة على أمرها هي من تسدد فواتير هذا الحمق.
إن المؤسسات المدنية التي يفتخر العالم المدني بإنجازها يمكن أن تتحول في لحظة حمق بشري الى كارثة يصعب محاصرتها أو السيطرة عليها، بحيث يتم تجييش العداوات من جديد وتكريس فعل القتل والعدوان!
إن جلوس العالم بجغرافيته التي هي من حصاد حربين متتاليتين يكشف لنا حالة «الغش» التي مارسها الإنسان كي يتواءم مع هذه الكمياء العدوانية. وكي يحتفظ في النهاية بالمفتاح السحري الذي يقدر على العودة الى هذه العدوانية كي يوقظها من سباتها كلما دعت الحاجة الى تخليقها. وفي العودة الى المسارات الحربية التي عاشتها البشرية لابد أن نكتشف أن الاسباب لا ترتقي الى مثل هذا الحشد من العدوانيات والحروب وعماء البصيرة البشرية.
إن البشرية التي تبدو أنيقة ومتريثة تتحول في لحظة حمق أبدي الى كارثة تفتح صنابير الدم البشري في كل مكان حين تنهض الحرب من سباتها. ويبدو أن كوكبنا الأرضي حينما يبدأ بالتثاؤب يشعل الأرض بالحروب والقتل الجمعي، ويظل بانتظار العقلاء كي يطفئوا كل هذه الحرائق، وكان الله في العون من كل حروبنا النائمة، فالحروب المقبلة مدججة برغبة القتل والتدمير! وإن السلام اللاحق سيكون بعد أن يتم تدمير معظم المنجزات البشرية.
_______
*الإمارات اليوم