قصائد.. “ديسكو”


عصام أبو زيد*

خاص- ( ثقافات )

“نانا”
سيارةٌ بيضاءُ وطريقٌ ناعمةٌ وكلبٌ عيونُهُ حمراءُ تراقبُنا
توقفي خلفَ محطةِ الوقودِ وخلفَ مزارعِ الصفصافِ توقفي
الحياةُ مخزنٌ كبيرٌ ونحن سرقناه.
الحياةُ أصبحت معنا ولن نعيدها أبداً
ابتسمي للكاميرا وأنتِ تعرضينَ في الهواءِ بضاعتنا المسروقة
ابتسمي وأنتِ تغمزينَ بعينِكِ اليسرى 
وأنتِ ترفعينَ عن الأرضِ فستانَكِ المبلول
مطرٌ ساخنٌ وغزيرٌ يا نانا… 
مطرٌ ساخنٌ وكلامٌ كثيرٌ سوفَ يجرح
على ذراعي ترسمينَ قلباً أخضرَ ثم تأكلينَهُ
على قلبي ترسمينَ قلباً آخرَ ثم تأكلينَهُ… توقفي يا نانا
توقفي… 
اقتربَ الله من أرواحنا كثيراً
اقتربَ الله…
أحبُكِ يا نانا… أحبُكْ.
“إحساسي العميق”
وأرانا في منتصفِ الطريقِ نشعلُ معركةً وهميةً ثم نختفي معَ الجنودِ الهاربينَ في سحابةِ الغبار
صدقيني، هذهِ المحبةُ الجارفةُ لن تعيشَ عاماً آخرَ
إحساسي العميقُ بالنهايةِ يتعاظمُ كل يوم
دعينا نبحثُ في الحلولِ الممكنة
الحبُ لن يعودَ أبداً إلى مربعِ الصداقة
ولن نستطيعَ أن نفككَ عقدةَ هذا الرباطِ الروحي 
إقامتي في نهايةِ السباقِ وإقامتُك عند نقطةِ الانطلاق
ذلكَ النزاعُ الأحمقُ على قطرةِ ماءٍ لن تروي حتى ضفدعاً 
الإصرارُ على ضربِ النجومِ بالصواعقِ وإتلافِ محطةِ البثِ الغنائي
أحبُ موسيقى الروك آند رول ومذاقَ القرنفلِ الصاخب
وتحبينَ صوتَ مغنيةٍ ناعمةٍ يطفو فوقَ بركةِ السباحة
تزعمينَ أن لونَ قميصكِ في لونِ صخرةٍ سماويةٍ سقطت فوقَ شجرةٍ فاختلطَ سحرُ السماءِ معَ سحرِ الأرض…
أنا أحتارُ أصلاً في لونِ قميصي
بنطلوني واسعٌ وذاتَ مرةٍ سقطَ وانكشفت ساقاي
لا أحدَ كانَ موجوداً لكنني خجلتُ وانطويتُ على نفسي
وما زلتُ أشتري حذاءً رياضياً لأصعدَ الجبلَ وأنامَ مع رفاقي
نحن جئنا من قلبِ مغارةٍ مظلمةٍ ولم يكن ضرورياً أن نخرجَ إلى النور
أنا خرجتُ لأنني ولدٌ طائشٌ ومجنون. 
مصيبتي أن الرفاقَ في المغارةِ يطالبونني الآنَ بالرحيل
إلى أينَ أذهبُ في هذهِ الحياة… إلى أينَ أذهبُ؟!
أنتِ أيضاً كل يومٍ تهربين.
“ديسكو”
أحبُ أن تكونَ في غرفتي صالةُ ديسكو
وأحبُ أن يكونَ في الغرفةِ سلمٌ كلما انفعلتُ رفعني إلى أعلى لأشقَ السقفَ وفي الفضاءِ أطير… ثم أشتاقُ إلى الغرفةِ فأعودُ إليها.
وأحبُ أن تكونَ قربَ السريرِ ساقيةٌ حمراءُ تنثرُ قطراتِ ضوءٍ على شعري الأسودِ الفاحمِ الغزير. الأفكارُ كلها مرتبطةٌ بخصيلاتِ شعري. لا شيء في رأسي. رأسي فارغةٌ تماماً. أفكرُ طوالَ الوقتِ خارجَ رأسي.
وأحبُ أن يكونَ اسمي على البابِ مكتوباً من الداخلِ، مكتوباً بالخطِ البارزِ الجميل. خطٌ جديدٌ في الكتابةِ أظنه موجوداً في الكثيرِ من الهواتفِ الحديثة. وأظنه في علاقةٍ مثيرةٍ مع فنونِ البوحِ والإصغاءِ والموسيقى…
أحبُ أيضاً أن تتطوح حولَ رقبتي وفوقَ صدري سلاسلُ فضيةٌ كثيرة. سلاسلُ من تلكَ المشغولاتِ الفضيةِ التي تصنعها الساحرةُ الطيبةُ نيفين يوسف. هي وعدتني بنسبةٍ كبيرةٍ من الأرباحِ لو نجحت تجارتُها.
وأخيراً أودُ أن أنامَ مبكراً لأنني تعبتُ من السهر
وفارقتني حبيبتي.
“أوصاني أبوكِ يا زُبيدة”
أوصاني أبوكِ يا زُبيدة أن أشتري لكِ البحرَ مع البيوتِ القريبةِ الملونة 
مع راكبِ الدراجةِ الهوائيةِ وهو يرفرفُ في الجاكيتِ الشمواهِ الأخضرِ والجلابيةِ البيضاءِ المضيئةِ عاقداً رأسه بالصداعِ والأمل.
وقالَ لي لا تعدْ إلى البيتِ قبلَ أن تودعَ الصخرةَ والشجرةَ والكلبَ الناعسَ العجوز
وكُنْ لطيفاً معَ الحصانِ لأنَ ساقَهُ تحطّمت تحتَ عجلاتِ عربةٍ غادرة
واسألْ صانعَ الصحونِ الخوصِ هل عادت زوجتُهُ إلى كتابةِ الشعرِ ثانيةً
هذهِ المرأةُ ليست من بلادنا لكنها تكتبُ الكلامَ في هيئةٍ غريبةٍ
وكثيراً ما رأيناها عاريةً تجري على رمالِ الشاطئ.
وأوصاني أن أصنعَ لكِ من الحلوى طائرةً حربيةً معَ كاملِ ذخيرتها الحية
معَ الهواءِ الذي يتفتّتُ بعد رحيلها والضحايا الذين يسقطون.
“ماجدة”
أحبُ شَعرها الأسودَ القصير
والسنواتِ الست التي تفصلُ بيننا.
أحبُ اشتراكَنا في لُعبةِ أنتَ تحتاجُ لي وأنا لا أحتاجُ لكْ.
أحبُ العنادَ الذي أوصلنا مبكراً إلى نقطةِ النهاية
والصومَ عن الكلامِ في بدايةِ الليل.
أحبُها وهيَ تجري تحتَ المطر
لتخبرني أن عصفورةً تنامُ فوقَ مقعدِ السائقِ في سيارتِها
وأنها لن تذهبَ اليومَ إلى العمل.
أحبُ غيرتَها السوداء
وصوتَها الرقيقَ وهوَ يغسلُ سنواتِ عمري
ويعيدُني صبياً يحبُ أن يعضَها في شفتيها
لأنها تتكلمُ كثيراً ولا تدعني أقولُ شيئاً.
أحبُ ثورتي الآنَ وغضبي
ورغبتي في محوِها من الحياة.
________
* شاعر مصري.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *