يعني إيه.. مسلم؟!


*أيمن عبد الرسول

خاص- ( ثقافات )

يقولون في بلادنا مردِّدين مقولة منسوبة إلى الرسول الكريم محمد نبي الإسلام أن “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، ويقولون أيضًا أن الأصل في الإسلام الإباحة، وأنه لا تحريم إلا بنص قرآني صريح ومباشر لا يحتاج إلى تأويل، ويقولون إن الإسلام دين تسامح وسلام، وأن الإرهاب لا دين له، في محاولة لدرء الشبهات عن الإسلام، وهي الشبهات التي أثارتها فعال الإرهابيين ضد أصحاب الديانات الأخرى، وفجأة يجد المسلم المسالم نفسه متهمًا بالإرهاب وهو ضده، أو متهمًا بالزندقة والخروج من الملة لأنه ضد الإرهاب، طبعًا جهة الاتهام مختلفة في الحالتين!
ويقولون أيضًا إن عندنا في مصر وحدة وطنية أرست قواعدها ثورة 19 التي قادها سعد زغلول، والمرعب أن قولهم عن الوحدة الوطنية، خاطئ، فيجب أن يقولوا عندنا شعارات رنانة عن الوحدة الوطنية، أما هي نفسها، أشك!
ويقولون في بلادنا المتخلِّفة لمن يدعو إلى السلم الاجتماعي والتعايش بين أتباع الديانات المختلفة، لست بمسلم، ولكنك ليبرالي، علماني، وكافر، وإن صمت وصليت، وحججت وزكيت، لأن الإسلام دين التسامح يراه البعض يلزم بالجزية كل من هو غير مسلم، بينما يرى البعض الآخر صاحب التأويلات الأكثر انفتاحًا على الآخر، أن الجزية سقطت مع سقوط الخلافة الإسلامية، التي يراها البعض عدلاً في عدل، ويراها البعض الآخر اسمًا على غير مسمى!

بين فريقين في إسلامنا وبلادنا عليك الاختيار، فريق اختار وصف أسامة بن لادن الإرهابي بالمجاهد، وتظاهر ضد أميركا لأنها قتلته، وفريق يقول إنه مسلم ضد الإرهاب، ويدعي من وجهة نظر التانيين أن الإرهاب لا دين له!

فريق يتظاهر للإفراج عن أحد مشايخ الطرق الإرهابية يُدعى الدكتور عمر عبد الرحمن، وهو ضرير محبوس في الولايات المتحدة بلا تهمة، سوى التحريض على الإرهاب، وهم يرونه _أي أتباعه_ داعية إسلاميًّا، وفريق آخر يدَّعي أن عبد الرحمن الإرهابي بالتحريض على الآخر، إرهابي ويجب عزله، وهو الذي أفتى بقتل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات!.

الإسلام لدينا نوعان، وربما أكثر يرضي جميع الأذواق، ويتلوَّن بتلوُّن معتنقيه، وكل منا يدعي أنه ولا أحد سواه يفهم الإسلام حق فهمه، ويعرفه كما يعرف أبيه، ويمثله خير تمثيل، وكل جماعة منا تتحلَّق حول مفاهيم محددة تسميها الإسلام “بألف لام” التعريف، وترى أن الآخر الذي تدعي جماعته أنها الوحيدة التي تفهم الإسلام، خارجة عن الإسلام، أو في أحسن التهم بإسلامها زيغ وضلال، وهكذا نتحارب على اختطاف الإسلام، بين سنة لا يخلطون الدين بالسياسة، وسنة صوفيين، وسنة متشيعين أي يخلطون الدين بالسياسة، وإخوان، وجماعة إسلامية، وجماعة جهاد، وجماعات سلفية متنوِّعة من السلفية الدعوية التي تدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة، إلى سلفية جهادية تتمسَّك بالتكفير والسلاح في يد، والكتاب والسنة في اليد الأخرى، إسلام مصري منفتح يزور من يسميهم بأولياء الله الصالحين، وإسلام وهابي دخيل يكفِّر من يزور أولياء الله الصالحين، ويتهم أضرحتهم بتهمة إثارة الشرك والعياذ بالله!.

وبعد هل يستوي الذين يسلمون والذين لا يسلمون، والأزهريون والجهاديون، والمتشيعون والصوفيون، والسلفيون، والتحرُّريون، والمحافظون والإصلاحيون، وأغلبية لا تفقه إن كان دينها يكفِّر النصارى فكيف يتعايش معهم؟! ونصارى يرون أنهم ليسوا نصارى، وأن نصارى المصحف هم فئة ضالة بنى الإسلام أحكامه عليها، وأنهم لا يثلثون، وأنهم موحدون، ومسلمون لا يعرفون كيف يعادون اليهود واسم نبيهم موسى مذكور في كتابهم المقدس 139 مرة، ومسيحيون يرون أن الإسلام دين إرهابي، وأغلبية العلمانيين والليبراليين كذلك، نتيجة لما يبطنون من الكفر به، وهكذا كل الخطوط متلخبطة على بعضها، ووسط خروج كل التعابين من الجحور، في جو من الحرية لم نتحمله ولن نحتمله بكل واقعية، على ما في الأمر من بساطة!
الخلاصة أن كلاًّ منا ولد على دين آبائه، والشيخ محمد حسان مثلاً لو ولد أرثوذكسيًّا، ربما كان هو نفسه قداسة البابا شنودة الآن، والعكس صحيح، ونحن نتعصَّب، ونتحرَّر، ونتسلفن، ونتشيَّع، ونؤمن ونكفر تبعًا لما ألفينا عليه آباؤنا وأجدادنا، ولا فضل لنا فيما ندين به، فهل يفهم المتعصب من كل ملة ودين هذه الحقيقة المُرة، أنه لا يتعصب لدين اختاره وآمن به بحريته الخاصة، وإنما يتعصب لعصبيته من الأهل والقبيلة، والمسجد والكنيسة، وأن بعض الذين تحرروا من ربقة العصبية ثاروا على ما وجدوا عليه الآباء والأجداد، ولم يموتوا من التفكير، ولم يقتلهم غضب الآلهة، ولم تنزل عليهم صاعقة من السماء!.

وبالنسبة إلى معنى الإسلام، فأنا إسلامي، ومن تبعني أو تبعتهم، ضد الإرهاب، وضد القهر، وضد إجبار الناس على دخول الجنة لأنني لم آخذ على الله عهدًا، ولم أمتلك مفاتيحها، وأنا أرى أن الإرهاب لا دين له، أما من يتبنى الإرهاب ويسميه دينه، فيلعن إسلامي دينه ودين إرهابه، وأرى بما أعتنقه من الإسلام أن الأقباط لهم ما لنا وعليهم ما علينا إذا تعلق الأمر بالتعايش في وطن واحد، وأرى أن خلط الدين بالسياسة، خسارة فادحة للدين، لأنه إذا فشل دعاة الإسلام السياسي، وهم غالبًا ما يفشلون، في تطبيق ما يدعون إليه، سيكون فشلهم هو فشل للدين الذين يعلنون، ولو فلقونا بالفرق بين النظرية والتطبيق!
أنا مسلم، وأعرف أنه بُني الإسلام على خمس، شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً”.

“أنا مسلم”، تعني مسالمة جميع خلق الله، طالما سالموني، ورفض تكفير أي إنسان، لأنني لم أشق عن قلب أحدهم، ولا أملك على إيمانهم أو كفرهم دليلاً، مسلم على مذهبي، يعني أعلي من القيم الأخلاقية والروحية لدين عظيم، وصلت رسالته لأناس لم يفقهوها، فقتلوا صهر رسول الله بعد موت رسول الله، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ثم قتلوا ابن عم رسول الله وحفيد رسول الله، فحق عليهم قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.) الحديد 16-17
وختامًا: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١٤﴾ الحجرات
لعلكم تعقلون!.
__________
* كاتب صحفي مصري وباحث في الإسلاميات.. توفي في الرابع عشر من أغسطس 2012، إثر جلطة في المخ، عن عمر يناهز 37 عاما. 
ترك كتابين منشورين “في نقد الإسلام الوضعي”، و”في نقد المثقف والسلطة والإرهاب”.. 
وله عديد من المقالات والكتب غير المنشورة..
يعيد موقع ثقافات نشر مقالاته، ويتيح نسخة من كتاب “في نقد الإسلام الوضعي” بصيغة pdf.

شاهد أيضاً

العولمة بين الهيمنة والفشل

(ثقافات) العولمة بين الهيمنة والفشل قراءة في كتاب “ايديولوجية العولمة، دراسة في آليات السيطرة الرأسمالية” لصاجبه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *