*ليلى نصراوي
خاص- ( ثقافات )
كنت قد اعتدت رؤيته دائما يختزن في جسده الصغير الصبر والإرادة. تمر عليه أيام الحر و البرد متشابهة و هو يحمل بين يديه العلكة و المناديل يحاول بيعها للمارة، و يحدث أن أتغيب لبضعة أيام فأعود لأجد أنه مازال واقفا الوقفة الصامدة ذاتها يرتدي الملابس القاتمة نفسها.
واليوم حين بحثت عن وجهه البريء الخالي من زيف المدينة و خذلانها، لم أعثر عليه، لم ألمحه بين الوجوه التي تملأ المكان، و التي خمد بريق أعينها بعد غيابه، أدقق فيها النظر فأجد أنها لم تتغير، الزنجي عازف الساكسوفون مازال هنا مع آلته اللامعة ، كأنه كان يتحد مع الشارع الطويل بعزفه الحزين، عند هطول المطر يضع على رأسه قبعة رمادية. لم يكن يترك مكانه أبدا…
حتى المرأة التي كسر لها زوجها أنفها حديثا مازالت تتطلع إلى النافذة المقابلة بحنين و تطلب من الزنجي أن يعزف لها المقطوعة الحزينة نفسها. رغم حزنها كانت امرأة أنيقة و رقيقة فكلما يشرع الزنجي بالنفخ تنساب دموعها.
قريبا منهما كان يقف صاحب الكلب متكئا على الشجرة في انتظار أن يقضي الحيوان حاجته ، لا أعلم عنهما شيئا إلا أن المشهد لم يكتمل من دونهما.
في الركن البعيد كان الشيخ المقعد يتابع الموقف في هدوء و أمام كرسيه المتحرك يضع صحنا نحاسيا و لا أحد يمر ليلقي فيه بعض النقود وبين الفينة و الأخرى يطلق العنان لزفرة حرى مليئة بالكآبة.
و لما لكت السؤال لأستفسر منهم عن غياب صاحبي قاطعتني أمي و هي تحمل سطلا لم أتبين ما فيه ، قالت:
ما رأيك في اللون الوردي لطلاء غرفتك. يجب أن نغطي الشقوق التي سببتها الرطوبة في السقف .
إذا ستختفي هذه الوجوه المتلازمة بعدما كانت تطل من الشقوق، و أنا أطلي السقف تبين لي أنها – كل الوجوه – كانت سعيدة بما يحدث ربما كانت تنتظر هذا، أن تغتسل من بؤسها و سواد الخلفية التي تنبعث منها . حتما ستعود الشقوق في الشتاء القادم و تعود معها هذه الوجوه أو تحل محلها وجوه أخرى تكون وردية.