ماريا بوبوفا- ترجمة : سلمى هشام
“الساعة، حين تأوي إلى المكون الغريب لروح الإنسان، يمكنها أن تتمدد لخمسين أو مئة ضعف طولها الفعلي” فرجينيا وولف.
قبل أن يستكشف علماء النفس مفهوم إدراك الوقت بفترة طويلة، وقبل دراستهم لأسباب تباطئه عند الخوف، وتسارعه عند الكبر، وتشوهه حين الذهاب في إجازة؛ استطاعت باحثة عظيمة في نفوس البشر هي فرجينيا وولف ملاحظة مرونة الوقت، ليس من خلال العلم وإنما من منظار الأدب، بينما عبّر توماس مان عن علاقته بالزوال والوقت والخلود بشكل لم يعتد عليه الكتاب في بداية القرن العشرين وما سبقه من قرون.
كن، قبل أن ندخل في رؤوس الكاتبين العظيمين دعونا نتعرف على إجابات المذيعة في شبكة بي بي سي والكاتبة في مجال علم النفس “كلوديا هاموند” عن بعض الأسئلة الملغزة المتعلقة باللص الذي لا نستطيع إدانته، الوقت.
لماذا يكون الوقت بطيئًا عند الخوف، وسريعًا عند الكبر، ومشوهًا حين الذهاب في إجازة؟
هذا ما تستكشفه كلوديا هاموند في كتابها “تشوش الوقت: استكشاف أسرار إدراكنا للوقت”، وهو محاولة رائعة لاستكشاف تجربة الوقت في أذهاننا، وكيفية اختبارنا للأحاسيس التي يسميها علماء الأعصاب وعلماء النفس على حد سواء بـ “الوقت الذهني”؛ إذ يبدو الأمر جميلًا ومشجعًا حين ندرك إمكانية أن نتحكم في الوقت، بل ونشكله ونستفيد منه أيضًا، بعدما كنا نراه كديكتاتور صارم يتحكم في حياتنا.
تؤكد هاموند أن الإنسان يرتب تجربة الوقت في ذهنه بحيث يستطيع تغيير الأمور التي تسبب له القلق؛ مثل محاولة التحكم في مرور السنين، أو تسريع الوقت حين يقف في طابور طويل، أو محاولة التركيز بشكل أكبر على الحياة في الوقت الحاضر، أو حتى تذكر المرة الأخيرة التي قابل فيها أصدقاءه القدامى.
وتكمن أهمية إدراكنا للوقت في ترسيخه للواقع الذهني؛ فالوقت في قلب طرق تنظيم الحياة، كما يؤثر في تجربة الحياة نفسها وكيف نعيشها في طفولتنا وشبابنا وشيخوختنا.
لماذا نتذكر سنين المراهقة والشباب بوضوح أكثر؟
سنين الشباب هي الفترة التي نشهد فيها الكثير من الخبرات الجديدة مقارنة بخبراتنا في سن الثلاثين أو الأربعين؛ فالشباب هو قلب الأوليات؛ أول علاقة، أول سفر بدون مرافق، أول حياة خارج منزل العائلة، وأول وقت نحصل فيه على حرية الحياة كما نريد، وهذه الأشياء الجديدة تنطبع بشدة على جدار الذاكرة.
تلتقط الذاكرة الكثير من التفاصيل المهمة خلال فترة الشباب التي يكون فيها الإنسان مشغولًا بتكوين هويته وإيجاد مكان له في العالم، ويحدث هذا بسبب التداخل الشديد بين الهوية والذاكرة، وهكذا تساعد التفاصيل التي تبقى في الذاكرة الفردَ في التأكيد على هويته لاحقًا.
إلا أن الأمر نفسه يحدث حين يتعرض أحدهم لتحول كبير في هويته في وقت لاحق من الحياة، فتنشط ذاكرته وتحتفظ بالكثير من التفاصيل، كما تشير هاموند، وتلخص هذا الجزء من الكتاب قائلة:
“تكون القابلية أكبر لدى الإنسان لتذكر أوقات بعض الأحداث حين يكون الحدث مميزًا، أو شخصيًا، وأيضًا حين يكون الفرد قد قصّه على الآخرين أكثر من مرة عقب حدوثه“.
لماذا يتشوه الوقت حين نذهب في إجازة؟
نرى الوقت في أذهاننا بطريقتين مختلفتين؛ إحداهما مستقبلية والأخرى رجعية، ونقيس الوقت باستخدام الطريقتين معًا مع الموازنة بينهما؛ إلا أن الخبرات المهمة والأشياء الجديدة تقلق هذا التوازن وتشوهه، فخلال الحياة الاعتيادية يمر الوقت بسرعة معقولة، وتحيط به علامات تنظمه مثل بداية يوم العمل وعطلة نهاية الأسبوع وأوقات النوم؛ وبالتالي يتولد لدينا نوع من الإيقاع.
لكننا حين نذهب في إجازة تؤثر فينا المشاهدات والأصوات والخبرات الجديدة بشكل كبير محدثة جِدة تقتلع الإيقاع الثابت من جذوره، وتسبب ارتباكًا في الطريقتين التي نرى الوقت من خلالهما ونقيسه فينتج عن ذلك إحساسنا بتشوه الوقت.
فرجينيا وولف ومرونة الوقت
أما فرجينيا وولف، الكاتبة الإنجليزية الشهيرة (1882-1941)، فتتأمل في روايتها المثيرة للجدل “أورلاندو” (1927) قائلة:
“الوقت للأسف لا يؤثر ببساطة في ذهن الإنسان كما يفعل مع إشراق الحيوان والنبات وانزوائهما بدقة غريبة؛ فالذهن البشري يتناول جسد الوقت بغرابة مدهشة، والساعة، حين تأوي إلى المكون الغريب لروح الإنسان، يمكنها أن تتمدد لخمسين أو مئة ضعف طولها الفعلي، كما يمكن أن تنفذ عبر جدار الذهن في ثانية“.
عن التقرير