وجوه تشبهني


بسمة ناجي*

خاص- ( ثقافات )

وجوه تشبهني
كانوا فوضويين جدا, يحبون اللعب والمرح ورائحة الملوخية, يقيمون في طريقنا إلى المدينة على اليمين ناحية القبور، يختفون وسوءاتهم نهاراً, يستحمون في حمرة الشمس التي تلون السماء في الغسق، وعندما يظهرون عرايا ليلاً – على القنطرة التي تصل قريتنا بالمقابر بوجوه أخالها محّاريَّة كوجوه الموتى – يقرأون أبجديات السكون ويجيدون العبث، كنت أسمعهم وأعرف جيداً من فوضى الغناء أنهم قريبون جدًا.. وتعساء…!!
عندما فاجئوا قريتي بالظهور ذات نهار, بدوا لنا من فُرجات الأبواب شفافين كالماء.. حين تجاسر أخي وخرج ليمعن النظر, سقط مبهوتاً، عندما أصبح بمواجهة أحدهم زحف متراجعاً وعلى ملامحه ارتسم الهلع؛ حتى التصق ظهره بحائط الدار، وعندما نظرت في عينيه رأيت انعكاساً لصورة وجهه.

سَفرَة
أفاقت بعد ليلة نوم طويلة اخترقتها أحلامها التي تتسوَّلها من لا وعيها الهادئ الذي قلما يتيح لها الحلم، اغتنمت الصباح وخرجت تتنفس الشوارع بعمق قبل أن تنضح البيوت بآثار لياليها الباردة، أسرعت فتصاخب الصغار الراضون جداً الذين يلعبون في سعادة أمام بابها, بحبهم الطفولي ودهشتهم لكل ما يرفرف – حتى لو كانت تنورتها المرتفعة بفعل النسائم – لم تثر في وجههم كعادة أبيها إن سمع ضجيجهم في مثل هذه الساعة من الصباح.
وعندما وصلت ميداناً كانت قد اعتزمت أن تلتقي أصحابها فيه, انفردت بالعجز قليلاً ومازحته، خيِّل إليها أنها رأت الصغير يدفع ساقيها إلى الوراء باسماً, أن ابق “ومش هازعلك تاني”. لكن الزمن الذي مر منذ اختراق الرصاصة لرأسها واستقرارها بالمخ لم يكن كافياً لتودعه, فأغلقت عينيها على حنين كهذا الذي يلمع بهما عند رؤية تذاكر سفر.

إفرازات
يخرج من هذا الباب الرمادي الغائم ما وراءه دوماً, نسوة بلا أثداء أو جوارب حريرية، يقف ليرقبهن ويطيل النظر فيما وراء الباب الذي يفتح على ظلمة وسكينة الأبد، يتلفتن يمنة ويسرة, يسرن بمحازاة الحائط الخشن، حتى أنك تلحظ – دونما تدقيق – أثر كحت الجدران بالأذرع والسيقان العارية، يسددن آذانهن عن نميم فئران تهرب من ضجيج مخابئها، تفرزها في أسراب بلا هوادة كل يوم.
يقطعن طريقهن في نظام, يتلقين اندفاع الفئران نحوهن بحرص شديد لكي لا تهتز الزهرات الملوَّنة المثبتة بشعورهن المسدلة، لم يتساءلن لماذا تعجز صور القديسين المدلاة على النحور والصلوات الصباحية عن رد كل هذا! 
تسير رغباتهن متوازية مع الزمن الوهمي الذي يحيينه كأنهن في نشوة متصلة أو جزءٍ من أحجية تُروى في ظلمة ما وراء الباب.
______
• *قاصة مصرية

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *