*رضا أحمد
خاص- ( ثقافات )
1
يمكنني أن أهين إرادتي
وأجعلك تلصق فوهة شهوتك بشفتي
وأموت معبأة للنهاية بطعم ريقك..
يمكنني أن أتمايل أمامك كإوزة حائرة
ضاعت في الغيطان
وهي تبحث عن سكين لهفتك..
كذلك أن أقرص خدودي الوردية
لتصير حمراء دامية
لأجعلك تلتصق بي
خشية عليَّ من البرد..
يمكنني أن أسعل مرات عديدة
بجوار ضريح والدتك العابر
حتى أبعد ابتسامات صافية تطاردني
كي أطير معها
وأدعك تبكي هذه الشمطاء القاسية وحدك..
وأن أدهن أصابعك المتورِّمة صباحاً
بقبلات حانية
ورفقاً بك قد أقفز فوق صدرك
كقطة تزدرد دفء أنفاسك
لتعرف كم أحبك…
ولكني أبداً لا أستطيع
أن أرتدي ماسات مزيفة
في زفاف قريبي الذى كان يطمع
أن يخطفني منك…
…
2
العالم يحترق بالخارج
والساسة يأكلون لحومنا مشوية
وهي ما زالت تجادل بائع الخضراوات
في ثمن كيلو الطماطم
تلملم حاجاتها وتهمس بخطى عجلى
لقد تأخرت كثيراً الآن
لأن النهار التهم آخر أفكارها الحلوة
حين غفا قليلاً
ظنت أن الشمس تودعها آسفة على حالها
لم تبك أبداً على السقوط المتكرر للجثث في التلفاز
بقدر ما بكت على بصرها الضائع
حين تحتاجه لتخيط لحفيدها قميصه الممزق
ربما كانت الدماء المراقة بعيدة عنها
وحمراء أكثر مما ينبغي
وربما كانت تلتمس العذر للناس
فقد تركهم الخير منذ زمن وولى لدول أخرى
ولكنها بقدر جهلها الممزوج ببلاهة
كانت على قدر الدموع
تندب بصوتها الجهوري في مناسبات الأصدقاء
فهي على الأقل تعلم كيف مات هؤلاء!
3
بالتأكيد ستطرق نافذتها يوما
كأي شبح أتعبته الدروب الخاوية
ستلقى نثار أيامك الباقية
في حدقة عينيها
وتقول: انظري .. هذا اليوم أنا باق
ستفر هي بأعجوبة من مشاكسة أحضانك
وبعجزها الحركي عن التدلل الأخير
سترتدى قميصها الشيفون الأحمر
وتسحب التجاعيد الغليظة
بغيظ إلى حقيبة التبرج
وستغمض عينيها برقة
وبانسيابية شديدة ستجذب أصبعك الصغير
بين أسنانها
ككل قطة عجوز
ستغوص تحت ترهلاتك الثقيلة
وتقول لك: ربما هذا اليوم سيعتذر عنا الموت
توقظ فيك شهوة قد نسيتها في درج حساباتك
وبين ضلعك الغائر بعظامه النحيلة
ستدفن رأسها ببطء
وتموء بعنف كل الأشواق المنتهية أصلاً:
أين كنت كل هذا العمر أيها الجاحد؟
ستنامان لأول مرة بلا هواجس
بلا حظوظ سيئة
وبلا دوامات الخوف
ستنامان كعاشقين دخلا فجوة الزمن
بلا قواطع العقارب
4
ما زلت أمتلك القدرة على النوم بعينين مفتوحتين..
سعياً وراء أفقا ما
استلقيت فوق حساباتي الماضية
أطرح منها بشراً كثيراً
وأحزاناً أكثر..
لم أقل يوماً إن الذئاب أخواتي
وحدها اليمامة التي نجت من سفح الرغبة
من تعرف فضيلتي..
الحياة ليست أكثر من نزهة خائرة القوى
معدومة الأرواح
لو كانت تتزين لقطة شرهة
ما زادتها فتنة إلا لوجبة صباحية
وبعدها تقفز بنفسها
من فوق أسطح العقارات..
ماذا يهم؟!
لو أدرت للنسيان ظهرك
ورحلت بكاملك الجديد
تتوسد عزاءا أحمق
بأنك ستشب بمنقار حديدي
وذاكرة بلاستيكية
وجناحي ملاك
وتحط فوق كل قصيدة
لتجمع الكلمات المتيبسة
الأصداف الصغيرة
صوت الريح
ومشيتك الماكرة التي طالما جذبت الحسناوات
وتضع كل هذا فوق كتف الشمس
وتخبرها إنك اشتقت لأول مرة
لتقبيل جبين البحر..
وتطوى جناحك
ترحل مع غروبها العذري
وتميل بها إلى الأبد في حضن المالح..
أي شروق سينتظرك صباحا؟
بل أي شهقة ستنفض لتعلن لك
انتصارك؟!
5
لهذا المساء نصف قمر
وإناء غسيل يحدق في يد مرتعشة لطبيب
ولادة متعثرة
وحظا ضيق لطفل يسحق البرودة المتراكمة
بصرخة الميلاد..
كنا سنعيل سقطة التابوت
على رفات العام الماضي
صريرا مخيفا
لولا أننا تركنا قطع من قلوبنا هناك…
(أيها الهواء المجلوب من صيدليات المخيم
جئت بالمدح العتيق للصليب الأحمر)
وحدها أراضي الحدود تشهد
بأحزان الزهور البرية
النافقة على ضفاف السياج
ووحدها عضة البرد تشهد
على أجسادنا البالية
منكمشة الأطراف
وأوطاننا التي أصبحت حفنة من ورق
في الكتاب الدوري لمجلس الأمن..
أنا هنا من موقع العصافير
اعض النسيم الآتي من منزلي
واتوكأ على باب القلب المفجوع
ورصيف البنفسج المشتعل في الذاكرة
6
ضحك .. فكان عليَّ أن أنثر الزعفران في الصحراء
وأرصف بيننا طريقاً ظليلاً
وأبعد الشياطين قدر المستطاع بماء ورد وطيب…
كان عليّ أن أرد ضحكته .. بابتسامة معلنة
كان عليّ أن أرتل قليلاً من الغمام وبعض أوراد الينابيع
كان عليّ أن أنجب من ضحكته
بنتاً بشفاه ناعمة
وولداً بتنهيدة طويلة…
وكان علينا كثيراً أن نتملق النهار
حتى يريح الشمس
من زفرتها المخيفة
كان عليّ أن أهتدي للشعر في تفاصيل وجعه
وكان عليّ أن أخالط الغجر الذاهبين إلى الأغاني الفقيرة
وأمسك بتلابيب شهقته الذاهلة
وهي تسافر في صدى صوتي
وتمضي في حنجرتي.. كأنشودة شجية عليلة.