حكايات الأمير سولي


* إبراهيم البجلاتي
خاص- ( ثقافات )

1- 
كأن في الأمر غريزة ما
أنا أفعل ذلك
وأنت أيضاً
تضع كفيك على عينيك
فتختفي
دون حاجة إلى سحر
أو إلى طاقية الإخفاء
العالم من حولك موجود
لا يراك
تضحك
ترفع كفيك
فتصبح مرئياً
تضعهما مرة ثانية فتختفي
تضحك من هذا العالم الخفيف
وهكذا
تماماً مثلما يفعل هو الآن
يصعد على كرسي
ويبحث بإصرار خلف الشاشة المسطحة
عن طاقة يدخل منها إلى الفيلم
كيف يصبح جزءاً من هذا العرض المستمر
كل هذا أنت فعلته من قبل
وأنا أيضاً
فتشت خلف صندوق كبير من الخشب
عن مدخل البشر
عن مدخل الأحياء إلى الشاشة
لم أجد غير أسلاك
وأنبوب رفيع
يحول الذرات إلى شخوص

2- 
ما لون السحاب
قلت : أبيض
قال : وردي
قلت : ربما وقت الغروب
يكون قرمزياً أو رمادياً
مع قليل من البنفسجي
ولم أرَ سحابة وردية بعد
قال : أنا شفت
وشفت دودة تمشي على الماء
وقعت فيه
وخرجت فراشة أكبر من الشباك
تركب جملاً
تعضه في قفاه وتقول : سر
وشفت نملة على حافة البانيو
فعملت لها مركباً من الورق السميك
ضاعت في رغوة الصابون
وأنا حزنت
قلت : هل تحب النمل
قال : أحب أن أقود شاحنة كبيرة
قلت : أي شاحنة
قال : هذه المنفوخة مثل بالونة تخلط الإسمنت
أقودها بسرعة
حتى تصدم التنين
ستكون “بم ” ونار كبيرة جداً
ثم صمت
زرافة صغيرة في كفه اليسرى
وسيارة أصغر في اليمين
على باب الحضانة ولا يريد أن يدخل
قلت : في المساء سنجلس معاً ونلون الشمس والبحر
قال : ما لون السحابة
قلت : أبيض في الصباح
وبرتقالي في الغروب
وبينهما
قال : أنت تضحك عليَٓ
رفع ركبته وهو يقول : هل رأيت هذه الواوا
قلت : ياااااه
قال : هذه قديمة جداً
وأنا صغير عضني تنين

3- 

وقال: هل تعرف العم الذي يقف ثابتاً في آخر الحقل
قلت: تقصد الناطور
قال: لا
قلت: خيال المآتة
سكت لحظة، ثم قال:
بنت حمامة في رأسه عشاً وباضت
وأنفه الطويل كان جزرة
أمر عليه كل يوم وآكلها
فيضع الفلاح مكانها جزرة أخرى
في المرة الأخيرة
سبقني غراب
خطفها قبلي وطار
قلت : ثم
قال : لم يضع الفلاح غيرها
كيف يعيش بيننا بلا أنف هكذا
وهل تعرف الشجرة التي هناك؟
قلت : التي تقف عليها طيور كثيرة بيضاء؟
قال : ما اسمها؟
قلت : الشجرة أم الطيور؟
قال : حملتها الطيور في مخالبها وطارت
بعيداً جداً
رمتها في البحر فوقعت في جزيرة
هل تعرف هذه الجزيرة؟
قلت : لم تكن جزيرة
كانت حوتاً كبيراً
نمت على ظهره غابة وحيوانات وناس
قال : هذه حكاية أخرى
لكنها في هذه الحكاية كانت جزيرة حقيقية
رملها ناعم جداً
عليها أشجار فقط
وشلال ينزل من جبل
وأريد الذهاب إلى هناك 


4- 
بالأمس
لم ينم مبكراً كعادته
ولم يحك لي شيئاً
كان مشغولاً
بإصلاح ذيل ديناصوره المكسور
٥-

جمع فرقته الموسيقية الصغيرة
الدرامز المكسور
الإكسليفون الملون
الطبلة
الأورج الكهربائي
عمل منها دائرة وجلس في الوسط
ضربتين على كل آلة
كانت حفلة صاخبة
صاخبة جداً
قبل أن تنتهي
رفع يديه بعصا الإكسليفون
وبدأ الرقص
كمجذوب
يدور
ويدور
ويدور
حتى وقع على الأرض
وهو يقول : حلوة هذه الأغنية؟
قلت : حلوة
قال : تعرف وأنا أدور هكذا
طارت الكنبة
والنجفة درات
النجفة الكبيرة
وقعت من السقف
تقطع النور
والكرسي التصق بالحائط
والحائط
تعرف
الأشياء كلها
دارت
وأنا في وسطها شجرة 


6- 

بعد فاصل طويل من دغدغة تسبق النوم
قلت له احك لي حكاية كي أنام
قال – كأنه كان جاهزاً-
تعرف البنت الشريرة التي تضع في شعرها ثعابين
تطلق ناراً خضراء من عينيها
وتحيل الأولاد إلى تماثيل
قلت : هذه بداية مشوقة
لكن كيف تبدأ حكاية كهذه
دون أن تقول كان ياما كان في سالف العصر
قال مقاطعاً هذه حكايتي
رأيتها من قبل في الفيديو
وهي تبدأ هكذا
قلت : صحيح هذه حكايتك، وأنت حر
قال غاضباً أنا لست حراً
وهذه ليست المرة الأولى
كلما اختلفنا
وقلت له أنت حر
يقول لي بالغضب نفسه أنا لست حراً
كأنه يعرف شيئاً لا أعرفه
كأنه يعرف
قال : هذه البنت المتوحشة
وضعت ديناصوراً صغيراً في الفرن
وأكلته لوحدها في العشاء
والدولفين كان يريد أن يكون قرشاً
لكن القرش أكله هكذا
والبحر هاج وصار لونه أحمر

7- 

لا تطفئ النور
ثم يسند رأسه إلى أي شيء
ويغرق في النوم
سيكمل الحكاية في النوم
أنا أعرف
وأعرف أنني عجوز
من متعه البسيطة في الحياة
أن يغطي العيال
وقبل أن يصل إلى باب الغرفة
يعود ويحكم الغطاء
ثم يطفئ النور
ويمشي خفيفا
كأن تحت قدمه الحافي
أذن الملاك
يصرخ
أجري إليه
قلت لك لا تطفئ النور
أقول
ماذا جرى
ماذا رأيت
ولم تخاف من الظلام ؟
يشير إلى شامة في ساقة اليمنى
هل ترى هذه
اقول هذه شامة
يقول هذه علامة
وضعها الشرير على ساقي
تضيء في الظلام
فتعرفني الوحوش
قلت وماذا فعلت مع الوحوش
قال ضربت واحداً منهم على رأسه بقبضتي
هكذا،
فاختفوا جميعاً
وأنا بكيت
قلت : من زمااااان
وضع أحدهم علامة على رأسي
وقال لا تغسلها قبل ثلاثة أيام
فيلازمك الحظ الحسن
وفعلت كما قالي لي
قال : وماذا جرى؟
قلت : عشت منحوساً
تطاردني المعاول والوحوش
حتى أتيت يا حظي الحسن
قال : أنت لا تسمع الكلام يا أبي
وأنا قلت لك
لا تطفئ النور
لا تطفئ النور
حتى بعد أن أنام

8- 
أيقظني مبكراً
فتحت عيني وأغلقتها على صورته
قال : لا تغلق عينيك
قم
انظر
فتحت عيني
فأمسك قدمه اليمنى
وهو يقول : صارت كبيرة
أكبر من الأمس
قلت : ياااااه صارت كبيرة بالفعل
قال : أكبر من قدمك؟
قلت : ربما
قال : نقيس
أزاح الغطاء
وضع قدمه الصغيرة في قدمي الكبيرة
الكعب في الكعب
قدمك أكبر
الأصابع في الأصابع
قدمك أكبر
يوووووه
متى تصبح قدمي كبيرة مثلك
قلت : غداً تكون قدمك أكبر
وخطوتك أوسع
قال : الآن ضع قدمك الأخرى في قدمي الأخرى
وهيا نلعب “العجلة”

9- 
قال : القمر يمشي في السحاب
والساحر وضع النار في فمه
فخرجت من بين أسنانه وردة بيضاء
بإمكاني أن أفعل مثله؟
قلت : مثل القمر
قال : لا مثل الساحر
آآكل النار
وأخرج من بين أسناني بقرة
أحلبها في الصباح
قلت : أو نحلة
يسيل العسل منها على شفتيك
قال : سيسيل على ثيابي
ثم يأتي النمل
لا
لن أخرج من فمي نحلة
سأضع يدي في جيبي وأخرج منه قمراً
أنفخه هكذا
فيطير في السماء حتى يجلس في مكانه
تركبه السحابة في الليل
وتربط نفسها في الباب وأنا نائم
وحين أصحو
أركبها وأطير
ثم نمطر
كي نسقي وردة بيضاء خرجت من فم الساحر
١٠-
بالدهشة نفسها
الدهشة التي تعتريه – كل يوم –
حين يرى الأغنام عند سفح المقطم
– أغنام
– أغنام
صاح : بركان بركان
أين؟
قال : هنا
وأشار بإصبعه على نتوء في الجبل
قلت : يشبه البركان بالفعل
لكنه ليس كذلك
قال : لماذا؟
قلت : ليس لدينا هنا براكين
قال : كيف تخرج النار من الجبل؟
قلت : عندما يكون غاضباً
قال : كان جميلاً
قلت : الجبل ؟
قال : البركان طبعاً
نار عالية جداً
والشجر القريب عليه تراب رمادي
كأنه ثلج متسخ
ما رأيك لو يثور هذا الجبل
ونحن في سيارتنا السوداء نجري بسرعة كبيرة
على النار السائلة
يا إلهي من أين له هذا الكلام؟
في يده اليمنى ديناصور برتقالي
وفي يده اليسرى ديناصور أخضر بحراشف صفراء
والذي يعرف خمسة أنواع من الديناصورات على الأقل
ويرى كيف تقتل بعضها
قبل أن تنام في حضنه كل ليلة
والذي تشتعل الموسيقى في جسده
فيدور أربع دورات كاملة على ساق واحدة
قبل أن يسقط
يعرف كيف يقوم لوحده
وأنا كاتب الذكريات
أدوِّن اللحظة
ربما يعرف بعد أعوام كثيرة
كيف تشكل العالم
في غفلة
بين الحقيقة والخيال.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *