في أحوالِ العبد* ..واقفاً في كوَّةِ الفجرِ


زُلَيْخَة أبوريشة

خاص- ( ثقافات ) بالاتفاق مع مجلة (الفجيرة الثقافية)

” وعندما راحَ يعزفُ وجديلتُه تقفزُ على ظهرِه، توقَّفَتْ الأصدافُ عن الهمسِ وأرهفَتْ آذانَها الفخَّاريَّةَ “.. ياروسلاف سايفرت
واقفاً في كُوَّةِ الفجرِ
كفجرٍ
هاتكاً حُجْبَ الصِّفاتِ..
واقفاً في كُوَّةِ المعنى شهاباً و كتاباً
جامعاً للحكمةِ الأولَى
و مسطوراً بفيضٍ
من إلهٍ
سالَ من برقِ الجهاتِ..
واقفاً في ألَقِ النصِّ
مليئاً
بشروحِ النَّهرِ للبحرِ الذي قد صبَّ فيهِ..
واقفاً لا يبتغي
بل
يبتغيهِ ……..!
حاشدَ الأفكارِ
مأخوذَ الخواطرِ
قربَ نبعٍ يتدلّى
“تغتلي الرّيبةُ فيهِ”..
فيمدُّ الكفُّ كما لو كان نحّاتاً لناموسٍ
و آمادٍ تليهِ..
يتقرَّى مشهدَ الماءِ
و يُدني
روحَهُ من روحِهِ
ينهلُّ صوبَهْ !
واقفاً يَمتَحُ شُكراً و سروراً مُسكِراً
للمحبّينَ
و أقواسَ سماءٍ
للجيادِ العادياتِ(1)…
واقفاً في رَمَقِ الحُبِّ
لكي
يتهجَّى
وجهَ برهانٍ حبيسٍ
في مرايا العاشقاتِ الوالهاتِ الهائماتِ ..
واقفاً يختارُ بل يحتارُ
***
بل
يمضي إلى
شمسٍ تؤجِّجُ
في النُّهى الصَّادي
شياطاً من لهيبِ الأسئلَةْ !
واقفاً يَشْرَقُ بالمدِّ (2) و يبكي و يغنّي
ساحباً أذيالَ آهٍ
من عميقِ النّايِ
في جُرحِ الرِّئاتِ..
يا تجَلي اللهِ في غيثِ السَّجايا
و لطيفِ السَّرنَماتِ (3) !
واقفاً في نُقطةِ الصِّفرِ
و في
نشوةِ التَّسليم (4)
إفناءِ الجوارحِ ..
حذفِ الزيادات التي في الأخيلَةْ !
***
واقفاً كالسِّرٍّ
محجوباً و مكشوفاً
و مخطوفَ العناصرِ و السرائرْ..
عندما تهطلُ من فحواهُ نيرانٌ و أجيادٌ
و أطيارٌ
قد تُهاجرْ
لتُجاورْ!
بينما في نَقْرَةِ العودِ و إنشادِ حِجازٍ مع بَياتٍ
قد تهادَى و تعالَى
و تدفَّقْ !
حيثُما
صوتُه الأزرقُ بَوْحٌ يترامَى
كلما غرّبَ في الشَّوقِ
و شرَّقْ ..
واقفاً في سُحُبِ القيظِ
و في
غبَشِ القرِّ
و في
دمعةِ التَّرحيبِ بالوصلِ المؤاتي
واسعاً أفقَ التَّنائي والتَّداني
حاملاً في يدِهِ
قلباً سماويَّاً تعتَّقْ!
مثلَ خمرِ الرَّبِّ معجوناً بأعنابٍ وأذكارٍ ونجوى
حالُه حالُ البساتينِ التي قد أطلقَتْ
في مقْدِمِ الخِلِّ المُناجَى
أبيضَ يشهَقْ !
حالُه حالُ الزُّجاجاتِ اللواتي
طفَحتْ
بالحبِّ و العطرِ المُعَشَّقِ
و المُحبَّقْ..
واقفاً في سطرِ دنياهُ الأخيرِ و هاتفاً:
إني فناءٌ كاملُ الأوزانِ
مكسورٌ
و منقوصٌ
وناسوتٌ تحَقَّقْ
فترفّقْ !!
تقاسيم على العود، ثم نشيدة الشُّشتري:
لقـــد أنا شيئ عـــجيـــــبْ لمن رآني
أنا المحبّْ أنا الحبيبْ ما ثمَّ ثاني
يا قاصداً عينَ الخبرْ …غطاهُ غينُكْ …
الخُبْرُ فيكَ والخبرْ …. والسرُّ عندكْ
أنظرْ لذاتكَ واعتبرْ…. ما ثمَّ غيرُكْ
هوامش
* من كتابٍ شعريٍّ سيصدرُ قريباً عن وزارة الثقافة الأردنية بعنوان “دفتر الرائحة”، والعبدُ هو لقبُ والد الشاعرة عبد الرحمن أبوريشة.
)1( و”العادياتِ ضبحاً” و خيزلى، انتهاءً بترنيق طائرٍ، اشتهاءً لصعودٍ عارٍ و أبيض. و”العاديات ضَبحاً” و هيدلى، حفظاً للسرّ بين الترقوة والحجاب الحاجز، تحت غشاء الرئة المصنوعِ من آهاتِ المدِّ، و زفرات النَّشيج .
(2) ذِكرُ اسمِ المحبوب على هذا النَّحو مثلاً: زليخاااااااااا . و هو ذِكر تنقطع الأنفاسُ فيه، كما تنقطع أنفاس عابدٍ يردِّد الاسمَ الأعظم و هو في محرقة الجوى. فافهما
(3) كلَّما سرتُما في نومكما عثرتما على حقيقةٍ أخرى كانت غابت عن يقظتِكما. فاعلما.
(4) سلِّما لها حتى تسلِّمكما مقاليدَ المصير الليِّنِ اللطيف.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *