اعداد- نهى حوا
في الرواية الجديدة للأديبة الإنجليزية، آلي سميث بعنوان «كيف تكون الاثنين معاً؟» خروج عن النمط التقليدي للسرد، والمؤلفة تقول في مقابلة كانت قد أجرتها معها صحيفة «غارديان» البريطانية، بمناسبة إدراج روايتها ضمن قائمة جائزة «مان بوكر»، إن انشغالها بتجسيد فكرة تزامن الأحداث كما تمضي قصص الحياة في الواقع..
وافتنانها باللوحات الجدارية التي تروي برأيها أكثر من قصة، دفعها لابتكار طريقة في سرد رواية بروايتين، تمكن قراءتهما بأي ترتيب، وعلى نحو منفصل. وبمعزل عن الشكل، يجمع النقاد على أن أسلوب الروائية ينبض بالفرح وبأجواء من السحر..
حيث هناك شعور بعالم خفي على حافة العالم الحقيقي ينتقل بالقارئ عبر الزمان والمكان، والمؤلفة تعود دوما إلى موضوعات محددة، فهناك مفهوم الثنائية الذي يحكم وجودنا، والحب وفقدانه، والزمن في مروره وفكرة الغريب الآخر ممزوجة بهموم سياسية للمؤلفة مثل الرقابة وغيرها. كما هناك تأملاتها بالفن الذي يبرز أكثر ما يكون في روايتها الأخيرة.
جزءان
الرواية الجديدة لآلي، تتألف من جزأين تقع أحداث أحدهما في الحاضر، تسردها فتاة مراهقة تدعى جورج توفت والدتها لتوها، فيما الجزء الآخر يتخيله الرسام الإيطالي مبدع اللوحات الجدارية من القرن الخامس عشر: فرانشيسكو ديل كوسا، الذي لا يعرف إلا القليل عن سيرته الذاتية. والرواية مطبوعة بنسختين، إحداهما تبدأ مع قصة جورج أولا، والأخرى مع قصة ديل كوسا.
وتصر آلي سميث على أن كتابة رواية على هذا النحو، يمكن قراءتها بطريقتين، عملية بسيطة جدا وبعيدة عن التكلف، وهي تأمل أن «يشير الكتاب إلى تعدد سبل القراءة الممكنة». وكان قد أثارها ما قاله الكاتب البرتغالي الفائز بجائزة نوبل خوزيه ساراماغو، حول مشكلة الرواية في تجسيد التزامن..
حيث تحدث كل أنواع الأشياء في اللحظة نفسها في الحياة، لكن على الورق كل حدث يجب أن يسبق غيره. وتعلق سميث على ذلك : «لا بد أن يكون هناك تسلسل ونتيجة في الرواية. وتلك هي الأسباب التي تجعلها مرتبطة بالمجتمع والزمن».
وانشغالها بهذا الموضوع كان سبباً في افتتانها باللوحات الجدارية، التي تملأ بنية الرواية وقصصها. تشرح سميث ذلك : «الأمر يتعلق بشكل اللوحة الجدارية، والنسخة الأولى منها تكون تحت الجلد». وتشير إلى لوحة، وتضيف: «تحتها في الأسفل هناك نسخة أخرى من القصة، ربما تكون موصولة أو غير موصولة بالسطح. إنهما أمام ناظرينا، لكن يمكن رؤية واحدة منهما، أو واحدة قبل الأخرى». وتضيف: «أشعر أن كل القصص تمضي بقصة في الخلفية».
احتفال بالوجود
يمكن أنه يبدو هذا طريقة تتطلب إعمال الذهن بدلا من الشعور في صنع الرواية، وهو إلى حد ما كذلك: لكن مشروع أطروحة آلي كان في استعادة الحداثة من نزعة الفكر القاحلة والعدمية، والحداثة برأيها «احتفال بوجودنا»، على عكس الاعتقاد السائد. ودعما لنظريتها، تشير إلى الأشعار الجميلة الزاهية حول النباتات والحيوانات للشاعر والاس ستيفنز.
ترسخت روايتها في ذهنها عندما فتحت مجلة «فريز» الفنية ورأت لوحات جدارية تعود لقصر «شيفينويا» بفيرارا. وتقول، إن الصور استوقفتها: «انه مجرد رجل بثياب رثة. ويتصادف أن يكون من أجمل الرجال في التاريخ، وهو يرتدي ثياباً ممزقة رائعة، ويبدو ثريا وفقيرا في الوقت نفسه، كما لو أنه محطم، لكن لا شيء يبدو قادرا على هزيمة هذا الرجل». وتتابع: «بدت لي أنها الصور الأكثر قوة التي رأيتها في حياتي».
الاندفاع إلى فيرارا
كانت الكاتبة مأخوذة كثيرا، إلى حد أنها اندفعت إلى فيرارا لرؤية تلك الصور. وبعد عودتها إلى إنجلترا، بدأت كتابة رواية عن شيء آخر. لكن بعد أربعة اشهر: «أدركت أنني أقوم بتأليف الكتاب الخطأ». فوضعته جانبا ثم بدأت القراءة عن عصر النهضة، محاولة اكتشاف كل شيء عن ديل كوسا: «لم أتمكن من رفض ما كانت تطلبه مني، وهو الاقتراب أكثر ما يمكن من حياة لم يبق منها إلا القليل في العالم، والقليل جدا الذي بقي كان كثيرا جدا».
هل كانت مدركة لتأثير الكتاب القوي من عمر صغير؟ تضحك وتقول: «دوما، وغيرتني بشكل كبير قصة (تشارلوتس ويب)، وعندما تقع في حب كتاب، فإن شيئا مثيرا يحدث بسبب الطريقة التي تعمل بها اللغة علينا نحن البشر. وانا أعشق اللغة، واعشق أيضا الفراشات وأشكال السحب وأنواع القطارات. ماذا يمكنني أن أقول؟ العالم عبارة عن تكاثر».
في الـ27 ربيعاً
بعمر 27 أصيبت بمتلازمة التعب المزمن. كان العمل الاكاديمي قد تحول إلى عمل تجاري، الأمر الذي أحزنها. فانتقلت إلى جامعة كامبردج وكانت لا تزال تتعافى، وبدأت في كتابة «أشياء على شكل رواية على سبيل التمرين». وتضيف: «كنت مهتمة فقط بفكرة أن القصة يمكن أن تأخذ أشكالاً عدة».
طريقتان وقراءة واحدة
عن مجموعتها الأولى، «الحب الحر وقصص أخرى»، التي صدرت عام 1995، تقول آلي: «القصة هي دوما، بطريقة أو أخرى، عبارة عن ساعة. والدقائق تدور. تبدأ هنا وتنهي هناك». لكن هذا لا ينطبق على كتابها الجديد؟ تضحك وتقول «ادرك ذلك!» ومن ثم تستدرك: «هناك طريقتان لقراءة هذه الرواية، لكن في النهاية سينتهي بك المطاف إلى قراءة واحدة».
عن صحيفة البيان