السورية لينا هويان الحسن: حركة النقد لا تواكب حركة النص السردي


محمد القذافي مسعود

تواصل الروائية السورية لينا الحسن إنجاز مشروعها الروائي منذ سنوات بمجموعة من الأعمال الروائية «معشوقة الشمس» «مرآة الصحراء»، «بنات نعش»، «سلطانات الرمل»، «نازك خانم»، ومؤخرا روايتها الجديدة «نساء والماس» وفي هذا الحوار الذي أجريته معها تعددت المواضيع عن الكتابة الروائية والجوائز والنقد، فكانت الآراء تستحق المتابعة والمزيد من الحوار ..

هاجس البحث عن هوية للرواية العربية أو التي يكتبها كُتاب عرب كيف ترينه؟ 
□ وحدها الهواجس الروائية متوفرة بكثرة في عالم الرواية العربية، كثر الحديث عن الرواية الجديدة، التي تندرج تحتها مسميات مثل، رواية اللارواية، الرواية التجريبية، رواية الحساسية الجديدة، الرواية الطليعية، والرواية الشيئية، الخ، بل كتبت روايات أشبه بتقارير صحافية بذريعة التمرد الحازم على الجماليات المألوفة، وسادت جماليات التفكك، بدلا من جماليات الوحدة والتناغم، لكن ذلك كله لم يسهم في بلورة هوية حقيقية للرواية العربية.
يلجأ المبدع بصفة عامة للكتابة عن إبداع الآخرين، هل لسد الثغرة التي يتركها غياب النقد أم هي غواية النصوص؟
□ غالب الكتاب يزاولون مهنة الصحافة لأنها مهنة تنسجم مع متطلبات الكتابة، ومع الحياة المعيشية اليومية، لكن مثل هذه الكتابات قد تكون عادة مفخخة بما نسميه عادة بـ«عداوة الكار»، وبالتالي يتعرض النص لقلم ناقد له مآرب شخصية، وهذا حدث معي خلال تجربتي الروائية، ولأنني من الكتاب الذين يمتهنون الصحافة، أكتب فقط عن الروايات المترجمة عن لغات أخرى تجنبا، لأي فهم مغلوط من قبل زميل أو زميلة، قد أكتب مقالة لا تعجبه أو لا تعجبها عن النص. باختصار لا أحبذ الكتابة النقدية بقلم كاتب زميل. ولا يمكننا إنكار أن ثغرة النقد والتخصص، قائمة وواضحة، فحركة النقد لا تواكب حركة النص السردي أو الشعري.
ما جدوى الفعاليات الثقافية التي تقام هنا وهناك في ظل انحسار القراءة وعزوف الجمهور عن حضور أغلب الأنشطة المختلفة؟
□ لا مناص من تكثيف الفعاليات الثقافية، فانحسار القراءة لا يعني العزوف عن مثل هذه النشاطات، كما أن القراءة أفضل حالا من السابق، فسوق الرواية مزدهر مقارنة بالسنوات السابقة، رغم أن معظم الفضائيات العربية لا تضع الثقافة ضمن استراتيجيتها الإعلامية، ويتم تسليط الضوء على راقصة مبتدئة أكثر بكثير من الضوء الممنوح لكاتب كبير. 
مارأيك في هذا الاحتفاء المبالغ فيه بالكم اللامحدود من الإنتاج الروائي الأسبوعي والشهري والنصف سنوي وربما يصبح يوميا بعد هذا؟
□ دور النشر التي تتكاثر مثل الفطر، تتحمل دورا كبيرا في تعميم الإسفاف والاستسهال، النصوص الرديئة بالتأكيد تشوش على النص الجيد، والقارئ سيقع في فخ شراء رواية يكتشف مع الصفحات الأولى أنه اشترى كتابا مكانه سلة المهملات.
يقول الناقد جابر عصفور «الأصل في الإبداع الروائي لا يحقق بعده الإنساني إلا بعد أن يغوص المبدع في المحلي أو الخاص إلى أقصى درجة، وأن يكون مخلصا في هذا الغوص»، هل ترين أن الإبداع الروائي، سواء ما كتبه رجل أو امرأة حقق هذا الشرط، أم أن لكل تجربة ظروفها وشكلها الخاص؟
□ سؤالك يحيلني إلى ما قاله يوما الشاعر اليوناني والعالمي يانيس ريتسوس لدى سؤاله عن سرّ عالميته فبرر قائلا: «لأنني مغرق في المحلية»، لكل نص ظرفه الخاص، أنا شخصياً، انطلقتُ من «محليتي» من صحرائي، من أمكنتي المفضلة، الأدب يكون حقيقياً عندما نكتب عما نحب، سواء أكان شخصاً أو مكاناً أو شيئا، الهوى دافع أصيل للأدب.
كيف تنظرين للعالمية وما يقولونه عنها؟ وما ينتج عن الجوائز العالمية المعروفة ضرورتها للكاتب، والسعي إليها؟ 
□ فلنتكلم عن أدب أمريكا اللاتينية، فكم أديبا حاز نوبل من هذه القارّة؟ القارّة المدججة بديكتاتوريات عسكرية غاشمة، لكن ذلك لم يمنع من أن يتصدركتابها، قائمة أدباء العالم الذين يلقون رواجاً كبيرا، إذن علينا أن نبحث عن مبررات أخرى لعدم بروز الرواية العربية عالميا، فحتى الروايات المترجمة منها تكدس في رفوفها، ما السبب؟ 
الفوز بالجوائز حق مشروع لكل كاتب، والوصول للعالمية أمر صعب، وحلم جميل لكل كاتب، لكن ذلك متوقف على مدى نشاط حركة الترجمة من اللغة العربية، ومدى سلامة انتقاء النصوص التي تترجم.
البحث في التاريخ أو النبش في مقابر الأسرار أهو للكشف والمراجعة والتذكير أم للتميز خصوصا إذا كان من ينبش هو روائي؟
□ سبق أن قال رسول عبارته الشهيرة: «إذا ما أطلقت نيران مسدسك على الماضي فإنه سيطلق عليك نيران مدافعه». العلاقة هنا حساسة جدا، لعل الروايات التي تندرج ضمن الروايات التاريخية أو ما سمته لجنة جائزة نوبل لهذا العام رواية الذاكرة، في معرض منحها الجائزة للفرنسي باتريك موديانو الذي وصِفَ في تقرير لجنة نوبل بـ”أديب الذاكرة”، منذ مدة ونوبل تُمنح لأدباء كرسوا أدبهم لمساءلة الماضي أو لسرده بلغة جديدة، لهذا منحت الجائزة للوكيزيو وماريو بارغاس يوسا وآخرين. الأدب هو تذكّر عنيد وشرس، لا يرحم.
أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟
يكفينا من موقعنا ككتاب، أن نبدع نصا تتوفر فيه الجماليات اللازمة لجذب القارئ، فليس هنالك أصعب من أن تحرز قارئا عربيا واحدا، يكفينا أن نكتب لنسجل انتصارا من طراز خاص، فالعالم العربي يعود إلى الوراء، الاستبداد الديني يتمدد، ويتحالف مع الاستبداد السياسي، وبالتالي مساحة الحرية تتقلص، لهذا علينا أن نكتب فمجرد الكتابة بحد ذاتها انتصارا ضروريا للثقافة العربية الراهنة.
ما هو تأثير المكان عليك ككاتبة وهل يؤثر فعلا المكان على إنتاج نص إبداعي مختلف؟
□ الكاتب كما السلحفاة، يحمل بيته، وطنه، ومأواه، فوق ظهره يمكنه أن يتكور في أي لحظة ويجوب في عوالمه السرية، وأنا أحمل معي متاهة هائلة من الكهوف والسرديب المملوءة بذاكرتي المتعلقة بالصحراء، أمكنتي الأثيرة على قلبي.
ما أهمية أن يكون لدى الكاتب/الكاتبة مشروع يعمل على تحقيقه؟
□ الأدب هو أحلام تبحث عن التحقق، كل مهنة لها أحلامها، والأدب قوامه الأحلام، والأحلام هي مشاريع نحققها بسبب المثابرة واللهفة والغواية، لا أكتب من دون جنون اللحظة.
هل انفصلتِ عن والدتكِ؟
□ في وقت مبكر من حياتي اعتنقت مبدأ أن الحرية تنتزع انتزاعاً، أخذتها بإصرار وعناد وتخطيط، لم أوفر وسيلة لأجل بناء عالمي، وحدهم البشر يتمسكون بأبنائهم بعد أن يكبروا إن لم نضرب بأجنحتنا بقوة لا نحلق.
إلى أي مدى يساهم انفصال الكاتبة ـ المثقفة عن الأم في تحررها؟
□ أن تكون مثقفا يعني أن تمتلك وجهة نظرك الخاصة في الحياة، وأن تدافع عنها من دون أن تفرضها على الآخرين، وهذا ما فعلته دائما، مع أمي ومع أبي اللذين تقبلا أسلوبي في الحياة بطيبة خاطر. أما بالنسبة للمجتمع، فلم نخلق لأجل أن يتفق الجميع بشأننا.
■ هل تعقدين مقارنة بين ما تعيشينه الآن وما كنت تعيشينه في الماضي؟
□ أحب الصباحات الجديدة، وأجمل الصباحات هي تلك التي تكون بعد العاصفة، أفكر دائما في الجديد وفي المستقبل، قلما أشوش نفسي بالماضي، لأنه مرّ، وانقضى، أسمح له أن يكون حاضرا فقط خلال أوقات الكتابة، فالكتابة تقتات من الذاكرة، والماضي هو ذاكرتنا.
لمن تكتبين اليوم وغداً ؟
□ أكتب للقارئ، والمستقبل.
كيف تملأين الفراغ الروحيّ والنفسيّ لديك حين تشعرين بأنّ هناك مساحة في نفسك قد فرغت؟ 
□ الكتابة جاهزة دائما لتملأني، لتغذيني، وتبعد عني شبح السأم أو الفراغ، أحمل ينابيعي في جوفي وكلما فرغ شيء مني يُملأ تلقائياً، هذا ما أحرزته لروحي، بفضل الأدب.
■ من آليات الكتابة إلى آليات النشر مسافة، تبدو أولها تعب ممزوج بالمتعة وآخرها تعقيد وركض خلف ناشر كالسراب يختفي ليظهر من جديد ـ حدثينا عن رحلتك في الطريق إلى الناشر؟ 
□ رحلة وعرة، غير معبدة بالمطلق، لكنني من هواة مثل هذه الدروب، أشق دروبي بنفسي، خطوة خطوة، لأصل مدينة بيروت وأطبع كتبي هناك ليكون ذلك بمثابة انطلاقة حقيقية لأعمالي، بيروت مدينة الضوء بامتياز.
عن القدس العربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *