قصّتان .. “فيلم لأمّي”


*صفاء النجار


خاص- ( ثقافات )
خمس ساعات
تغلق الباب خلفها، أرهف سمعي لوقع أقدامها المتباعدة، شفتاها ما زالت على خدي والقائمة الطويلة من اللازم والممنوع تطابق مكانها المحفور في الذاكرة .. آخذ نفساً عميقاً وقبل أن يتسع صدري وينطلق زفيري المكتوم يصيبني الشك، فأسرع إلى الشرفة تشير بعصبية إلى سيارات الأجرة التي لا تبالي بقلقها، تقف واحدة، أنتظر حتى يتلاشى نور فانوسها في غبشة المساء.
أعطي ظهري للعالم، وأفتح ذراعي لعالمي الجديد، أضمه إلى صدري دمية طالما تمنيت شراءها، أهدهدها، أمسح شعرها وفستانها الزاهي، تزغرد عصافير الكناريا، وتتحرر نسمات الهواء مع رفرفة أجنحتها، أتحول إلى فراشة .. نحلة.. ملكة، تنحني الشغالات يرفعن على أجنحتهن الملكة، تتخذ من أجمل زهرة عرشا، تحوم حولها الشغالات ،في يدها صولجان تأمر وتنهى، تقرب وتبعد ، فجأة تشعر الملكة بوخز ضمير فعرشها ثمنه مرض الجدة العجوز ذات الحكايات الدائمة، تهون الشغالات عليها الأمر فأستجيب لهن فالجدة لم تعدفي الأيام الأخيرة كما كانت أصبحت آهاتها تتصاعد من كل جزء فيها ( ركبتيها، رأسها، طقم الأسنان ، .. ) وشقاوة زياراتنا أنا وأبناء خالتي تكسر الراحة التي تحتاجها، فنكتفي بالدعاء لها من بعيد وتتبادل أمهاتنا خدمتها وأحيانا المبيت لديها .
لا شيء يعكر يوم التتويج، أرقص وحولي الشغالات، أطوف بالبيت، أفتح حجراته المغلقة، أتأمل أثاثه المنمق وستائره المسدلة، يتخفى الشتاء في أركان البيت، برودته تجمد حيوية الأخشاب والأقمشة، تمتص روحها، تبقيها ساكنة لا تعرف حركة الأقدام والانتقال كأن الحياة ما سرت يوماً في عروقها، أبدل صورة جدي وشريطها الأسود بصورة “جاك” بطل تيتانك محلقاً مع “روز” على ظهر العالم، يذوب الجليد، أنسق البيت الخريفي ليتلاءم مع الصورة الربيعية ألوان الستائر الداكنة الزرقة تصبح سماء تمطر قمراً ونجوماً وتورق أزهاراً صفراء وحمراء كل الألوان التي أعرف و التي لم أرها من قبل. يزداد المكان اتساعا، أحلى من الشاليه الذى رأيته في التليفزيون ووعدني أبى بشرائه. أنهي ترتيبي وما زلت في مكاني أستطعم وحدتي دون حصار 
– لا تفعلي. 
– غلط. 
– تأدبي. 
أفتح التليفزيون، أتنطط بين قنواته.. على الأولى المسلسل العربي آخر مرة شاهدته منذ أسبوع بعد رشوة أمي بقبلة كبيرة، ما زال البطل والبطلة في حالة حداد لأنهما لم ينجبا.. لماذا لا يتبنيان طفل كما فعلت عمتي ؟! أضغط على الريموت.. تهل مذيعة الفضائيات حاملة معها كل عوالم الكبار الخفية النظرات الناعسة، الهمسات، تلامس الأيدي، فستان الفرح، ست الحسن، الشاطر حسن وديانا الساحرة، أجمل من باربي وبالضغط عليها تقول: 
– أهلا فيكم. 
– نورتونا. 
– كيف بندللكم .. ؟
وتدلل مشاهديها.. يا بختها‍‍‍!!
أفك ضفيرتي ذات الثامنة، أهيش شعري، لا وقت لنصائح 
– هتعمى، شعرك يأكل معك في الطبق.
تنتقل باربي من مكالمة لأخرى .
– شوا بتريدوا نوريكم …؟ 
أتسحب على أطراف أصابعي تجاه حجرة أمي، أفتح دولابها، في أرضية الدولاب كومة من المجلات الأجنبية، أفردها على السجادة، أفحصها.. عارضات أزياء، أدوات ماكياج، اكسسوار، تصميمات ملابس، نجمات أعرفهن من تليفزيون الصيف وأخريات لا يمكن أن تسمح لي أمي برؤيتهن، أو حتى معرفة وجودهن. مسحورة أقلب ملابسها الداخلية، رائحتها حلوة، ملمسها فراء قطة لم تعرف الشارع، دافئة، ملساء، تلتقط يدي (سوتيان ) دانتيلا وأسماء لا أعرفها، أفرده واسع جدا على زهرتي الليمون، يحتاج إلى تضييق بدبوس جديد وناعم لا يترك أثر في الحرير. أخلع ملابسي. عريانة أمام المرآة الطويلة، قطعة واحدة تغطيني، أرتدي السوتيان على محيط صدري، تحمر وجنتاي، يخرج الصهد من أذني، لا تكتمل الفرحة يتكرمش الحرير على الليمونتين، أحشوه بالقطن، أرضى عن شكلي، أتبختر فوق الجميلات المبعثرات على السجادة، شعري طويل، ليل أحلامه متحققة ساقي صهيل حصان قبل صافرة السبق، تستطيل السجادة الحمراء، تضاء الأنوار، كشافات لا تخفى ارتعاشات البراءة، الخطوتان الأوليان متعثرتان في حياء ينزلق مع الخطوة الثالثة، يتعالى التصفيق على الجانبين، ضجيج، هوس، وزهور تتفادها كى لا يتعثر الحذاء الواسع، يظن المشاهدون حركتها رقة فتتصاعد الآهات وتزداد طرقعة الفلاشات، أتخذ أوضاعا عدة تلتقطها المرآة الماهرة.. مرة يدي في وسطي وساقي اليمنى للأمام مع التفاته ناحية اليسار وفتحة دائرية للفم، وأخرى أبرز مؤخرتي وألوى جزعي مع ابتسامة خجلة وضغطة بالأسنان العلوية على الشفة السفلى، أدور وأدور أغمض عيني، أستند للسرير أريد أن أحلم، يرن جرس.. تنطفئ الأضواء وتبتعد الفراشات، أنتبه: الباب أم التليفون ؟ بسرعة أخلع (السوتيان ) أكوم المجلات، أستر جسدي، أجري إلى التليفون، التليفزيون صوته مرتفع، أرجع لأخفضه، أمسك السماعة تسألني : 
– عاملة إيه.. ؟ بتذاكري ؟ نينة كويسة، بابا لن يتأخر 
أخيرا أنطق: – حاضر 
تنزل الستارة وينسحب آخر ضوء للقمر وتعود للأشياء ثقلها وظلالها، أضحك من بيجامتي المقلوبة، أستكين لأقرب أريكة. يستهويها دائما أن تفسد لحظات متعتي بقطف الزهور البارزة من سور الفيلا المواجهة لنا، إطعام كلب البواب، والجلوس على درجات السلم الباردة، كل ما يخل بنظامها تتخلص منه وتكتفي معي بقص أظافري والقائها في سلة المهملات. صحيح أن مرض جدتي هذه الأيام خفف من قبضتها على أنفى لكنها موجودة في كل مكان. أشعر بالعطش ، أتوجه للمطبخ، مثلها نظيف و مرتب لا أدخله إلا وينكسر طبق أو كوب كأنما أتعمد ذلك، مع إني أحاذر وأحاذر حتى أغرق في حذري وأطفو وما بيدي متناثر على الحوض أو على الأرض، فلا مفر من أن أشرب في يدي وإن رمتني بالفوضى والقرف.
أعود للتليفزيون وأنتظر فيلم السهرة لعل أبي يأتي مبكراً اليوم، بدلا من القبلة التي أجدها في الصباح، ونصف وجهه الذي أراه قبل ذهابي للمدرسة، وعن طريقها أعطيه أخباري ودرجاتي في المدرسة، ويعطيني المصروف والشيكولاته.
الإعلانات طويلة أتملل، يتسرب النوم إلى رموشي، أنفضه بقوة، أفيق، يعود ويتسلل لي يطاوعه رمش، اثنان، تنهار مقاومتي، أدخل السرير أتذكر لم أغسل قدمي أهز كتفي، ينفرد شراع السفينة، أفرد جسدي على السرير يلامس كعبي الملاءة، أرفعه بسرعة ماذا لو تركت قدمي علامة على السرير الوردي ؟ ينطوي الشراع، أرفع باطن القدم بسرعة ومعه ساقى أثني ركبتي وأضمهما إلى بطني، متعب هذا الوضع، أتأرجح في مكاني يفرح النوم ويطاوعني.. بعد الجرس يفتش مدرس الحساب على الواجب تزداد انثناءة ركبتي، كراستي بيضاء ورأسي أيضاً خالية من النشيد الذى تردده زميلاتي في حصة العربي، تعاملني المدرسة بإهمال، أنزوي وحدي، في ملابسها البيتية تبتسم أمي من خلف زجاج نافذة الفصل ويطير النوم.
__________

فيلم لأمي

تشحذ أمي موس الحلاقة، أقلدها، أجرب الموس الحاد على طرف إبهامي.
تمسك بزوجة أبي، تقيدها إلى الكرسي المرتفع حيث مسقط الضوء والأزهار الصفراء التي تميل مع الشمس، أقترب منها، خطواتي بطيئة مدربة، أمسك برأسها أضمها إلى صدري، يرتجف شعرها الأسود تحت ذقني، بالموس الحاد أشطر عينها اليسرى، تلمع عينا أمي، تزيحها وتجلس على الكرسي، تزداد لمعة العينين ويتجمع في بؤبؤهما الحكاية التي تريني إياها كل صباح: تقيد زوجة الأب الولد الصغير، تذبحه .ترمش عينا أمي: يعود الأب من الصيد وتقدم له الزوجة العشاء.
ترمش عينا أمي : يمصمص الأب عظام الصغير ويرميها بجوار الحائط وينهض لينام.
ترمش عينا أمي : تتسحب أخت الولد، تجمع عظامه، تربت عليها، تتحول إلى ديك أخضر. ترمش عينا أمي: يقف الديك الأخضر فوق سطح الدار ويصيح ككوكو.. ككوكو…
تفتح أمي عينيها ولا تغلقهما، تتنهد، أجلس تحت قدمها، تربت على شعري وتردد: 
– مسكين لا أخت لك تجمع ما يتبقى منك.
تحتضن الطفل الرضيع، تعطيه ثديها، يمتص دموعا وحزنا، يعتصر الجوع أمعائه، تهدهده:
– نام نام.. سأكتب اليوم القصة وغدا أنت تخرجها.
“شابة جميلة تنتظر عودة حبيبها من الحرب.”
تمر السنوات، تصفر الورقة، تذبل، تقع، تغيرها 
“شابة تنتظر عودة والد طفلها من الخليج.” 
تمر السنوات، تصفر الورقة، تتكرمش، تقع، تغيرها 
“أم مريضة تنتظر ابنها.” 
أوزع الأدوار:
– هذا الدور تمثله ممثلة عجوز. تمثله زوجة أبي. 
بحسرة تردد:
– أبوك معه حق.
ثم تبتسم وهي تفتش ملابسي الداخلية.
– هل تجلس معها؟ وحدكما؟ 
تقهقه وهي تسحب الصورة العارية من تحت مخدتي 
– تحتاج إلى حضن شاب قوي مثلك، أبوك عجز. 
تأتي بها للمنزل، تستدرجها، تقبلني في فمي تلحس بلسانها الدافئ طرف حافة شاربي النابت، يزحف لساني.. فجأة تبعدني عنها:
– يمكنني أن أقوم بهذا الدور.
تغمز لي بطرف عينها الأيمن. أتجمد في مكاني ولا أتبعها.
تتولد مرارة صفراء في فمها، وقبل أن تخرج تدهس بقدميها الصورة الصغيرة المشطورة إلى جوار الكرسي المرتفع حيث مسقط الضوء والأزهار الصفراء التي تميل مع الشمس.
**
أصعد سلالم مستشفى القصر العيني الجديد، الجو بارد والضباب يغلف المكان،
على السلالم تتدافع كل مشاهدها القديمة، كجندي قوقازي يضرب بسيفه تدفعني للخلف، أتعثر.. تنزلق عربة الطفل الصغير، تسقط على السلالم الرخامية الباردة.. طق، طق، طق 
أندفع مجذوبا لعالمها مشدودا لمدارها الذي خلقته وبقي لي رحما دافئا، خيوطا حريرية، شرنقة. مستسلما لإغوائها تنمو رغباتي.. أوهامي. يتخلق عالمي في صالتنا ذات الإضاءة الخافتة استعدادا دائما لعرض جديد، لنقطة ضوء تسقط على الشريط السلوليد، فتتحرك أمي ضوءا وظلالا وعندما تموت غادة الكاميليا ويبدأ الولد في النحيب، تتقدم مني “مارلين ديتريتش” ناعمة شهية وهي تغني:
احذروا النساء الشقراوات 
فأنا مخلوقة للحب 
من الرأس إلى أخمص القدم 
أتناوم فتضئ شمعة بجوار المرآة وتنظر إلى وجهها تتفحصه، تقترب.. تقترب وقد ملأ وجهها المرآة، وبانت ثغوره، أغمض عيني رعبا…، تبتعد، ويعود الكرسي إلى موضعه. أفتح عيني، يتلون وجهها بحزن بنفسجي، تنظر إلى وتطفئ الشمعة.
من يفكر في الخروج من الجنة وشريط العرض لدائم!!
– أمي مع من سنتناول الغداء اليوم ؟
يدخل “كلارك جيبل” بشاربه الرفيع. 
– مع من سنتناول العشاء اليوم يا أمي؟
يدخل “جيمس دين”. على دراجته النارية يرفع البيريه ويهديها أزهار الجلاديولس 
– والدتك غريبة الأطوار.
هكذا يردد أصدقائي، لكنني لن أصدقهم. فقط سأردد بحزن ما يقولون، لتحرمني تلك الليلة من العشاء. أنطوي وحدي في السرير، تناولني الدادة كوب لبن، أتجرعه على مضض، بينما ضحكاتها تجلجل وهي تستمع إلى نكات “مارلون براندو” بصوته الأجش. 
– أعتذر يا أمي.
لا ترفع عينيها عن الفضيات التي بيدها، تصيح:
– اختفت سكينة وشوكتان.. يا ربي!! حتى الخدم يسرقونني.
عند الظهيرة تخرج “فردوس محمد” من البوابة وهي تردد: 
– رزق الغلابة على الله. 
تعاقب الجميع 
– هل انتهيت من واجباتك اليوم؟
– شاهدت فيلمي “كلب أندلسي” و”المدرعة بوتميكين” 
– لن تنام قبل أن تشاهد “عيادة كاليجارو”.
قدمي ثقيلتان والصعود شاق. أخوض تجربتي الأولى، تحوم ظلالها على جلسة توزيع الأدوار. 
– سأمول هذا الفيلم بكل ما أملك.
أختار زوجة أبي لدور المرأة العجوز، سترى أمي غريمتها شاحبة، مريضة، وبجوارها رجل يشبهني عدا شعره الأبيض وابتسامته الساخرة. 
فما الذي أغضبها؟! 
تلهث ساعتي الداخلية، تدور خلاياي في أفلاكها بسرعة الضوء بينما جسدي ساكن مربوط بين أمرها:
– كن مخرجا 
وصرختي:
– ستوب 
***
الممر الطويل البارد على جانبيه لافتات تحدد الاتجاهات.. قسطرة القلب، الإدارة، قسم السكتة الدماغية، وحدة الكبد في نهاية الطرقة التي تبدو دون نهاية. يتلوى الممر الطويل، يأخذ شكل الذبذبات قمم وقيعان، من أحد الانتفاخات يخرج أحدهم، يقترب منك، تسأله عن الحالة، يجيب من تحت نظارته:
– تليف كامل بالكبد، استسقاء، فشل في وظائف الكلى، التهاب في الحالب، سكر، ضغط …
تستوثق منه: أمي أنا ؟!
يعطيك ظهره ويمضي.
تنفجر القمم في الجدار الملتوي عن أنابيب مطاطية رفيعة تصب سائلا أصفر في زجاجات بلاستيكية. يبدل ممرض الزجاجات المليئة بأخرى فارغة، تستحلفه ألا يلقي بهذه الزجاجات في التواليت وأن تحتفظ بها .
تعرف رائحة هذا السائل.. يشبه رائحتك. لو عصروك في المعصرة “البراون” سيكون عصيرك بنفس الكثافة.
يسحبك سائلك الأصفر، تدفع الباب رقم 5، تهمس لك الممرضة:
– نجري لها عملية بزل، للتخلص من السائل الذي يضغط على الأحشاء. 
تتساقط قطرات “الألبومين” – الدواء الوحيد الذي ستحتفظ باسمه- في أنبوب وحيد يمتد إلى وريد سيدة لا تعرفها، سيدة تشبه جدتك تماما.
تستريح خلاياك:
– الحمد لله ، أمي بخير.
يصيح المساعد:
– أستاذ المدام جاهزة. 
تستند إلى كرسيك:
– سكوت، أكشن. 
الملاءة البيضاء تغطي وجهها، تقترب من السرير، على الكومدينو سرنجة مستكينة بها بعضا من دمي، صندوق صدفي به ملاعق فضية، قصاصات من إعلانات مبوبة في جريدة الأهرام عن حاجة لسائق يشبه “مارلين براندو”،.. وأسفله رقم هاتف لم يتغير، فقط زادت أرقامه، عدد قديم من مجلة الكواكب، على غلافه نجمة تستعرض حسيتها بين ذراعي مكتشفها.. 
مثلت النجمة الشابة دور صديقة البطلة في فيلمين، ومثلت دور البطولة في فيلم وفشلت فشلا ذريعا. فالموهبة الجديدة لم تكن تجيد غير تمثيل نفسها، لم تستطع أن تخرج من جلدها، كانا ملتصقين وكانت بحاجة إلى جراحة لفصلهما، لكنها كانت تخاف الدماء والمخاطرة.
بجوارها مرآة مشروخة، أرى فيها وجهي. 
تقبل رأسها دون أن تكتشف عن وجهها، تتركه في وحدته الأبدية.
حين تفرد الأمهات أجنحتهن وتزوي أخر نقطة ضوء منهن يغافلن الجميع ويحتفظن بمسرات صغارهن في جيوبهن ويمضين خفيفات دون إحساس بالذنب.
تدرك جيدا عبث الأمهات فتشدد على الحانوتي أن يصنع كفنا دون جيوب، تعاندك أمك تغافلك وتصنع لنفسها جيوبا تحت خطوط جلدها، تمتلئ بهناءتك الصغيرة وحتى بوصلة اتجاهاتك، لذا لن ترى أبدا تجعيدات أمك وستمضي عمرك دون أن تعرفها بما يجعلك تمنح دورها لامرأة أخرى، تحنو عليك بعيون منتفخة
– استرح قليلا، أنت مجهد.
عند طرف السرير كان أصبع قدمها الكبير ظاهرا، لونه أصفر وظفره مطلي بلون أرجواني، انحنيت على قدمها لمسته بأصابعي كان جافا متخشبا، قربت وجهي تشممته، رائحة عرق وعطن، بلساني تحسسته، باطنه خشن، وظاهره ناعم، بارد، أدخلته في فمي ولم أستطع أن أفلته وبقيت أمصه.
تعود الممرضة، تلمس كتفك، تبتسم:
– ما رأيك يا أستاذ هل أديت دوري جيدا.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *