نصان .. “كالنّاعمات” و”المدينة الغريبة”


*آلاء فودة

خاص- ( ثقافات )

المدينة الغريبة
في المدينةِ الغريبةِ 
سمعت أصواتًا لفلاحين قادمين من الأرضِ 
ملوثين بالعفويةِ 
ومغبرين بشقاء الطين 
كانوا يتحدثون بأصواتٍ عاليةٍ 
ويجهرون بنكاتٍ سخيفةٍ عن التكنولوجيا .
وجدتُ أمي تلف شعرها الفاحم 
دوائرًا 
دوائرا 
وشعرتان بيضاوانِ تستقران في غُرتها 
رأيتها تبتسم وتقول: 
(أحفظ ما ستقولين عن البيتِ والشعرِ و الطفلِ) 
لكني أريدكِ أن تتكلمي 
ثمة جرحٌ يسقط في الكلام .
كانت “هند رستم ” 
على أبواب العذراء 
تصلي بلا موسيقى
ولا أي مكياج.
وفي مقهى جانبي 
شربت الشاي مع نيرودا 
حدقنا معاً في السوناتة الواحدة بعد المائة .
حين ودعته وانسحبت للطرقات 
سرت مع الشهداء الآخرين في المذبحة الأخيرة 
أزعجتهم كثيراً الجنازات العسكريةِ 
لم يستطيعوا أن يرقصوا التانجو 
على أنغامها الرتيبة 
قالوا لي: ( نحن نفضل الجنازات الشعبية غير المرصودة من الميديا ) 
الكلماتِ اللامرتبة 
الهتافاتِ المعجونةِ بالنحيب 
النعوشَ الملتفةِ بأعلام الوطن. 
في المدينة الغريبةِ
تعرفت على مفاهيمَ جديدةٍ للحب 
مثلاً
(تحب الذي يفهم الجغرافيا) 
(تحب الذي يتقن السُباب)
(تحب الذي لا يملك نقوداً)
الأحباءُ هنا لا يمارسون حبهم في الحانات
بل يتصاعدون في الثمالة .
رأيت أختيَّ تفترشُ القصائد 
قرب البحيرة الصناعية 
الأسماك إلكترونية 
تصطادها بضغطة زرٍ 
ولا جدوى لصبر الصياد القديم. 
ولا جدوى للرياح 
الأمطار جافةٌ 
لا تصلح للأمنيات 
تبتلعها النوافذُ بدون شبقٍ
ولا رغبةٍ صريحةٍ في العناق 
لا عشاق يتمشون تحتها 
ولا مؤمنون يكلمون الله في ظلها .
الأمطارُ
كالنوافذ 
كالعصافير 
كالأشجارِ 
كالأسفلتِ 
كإشارات المرورِ
كالشراشفِ 
كالأواني الرخاميةِ 
ككل شيءٍ
في المدينة الغربية 
بلا شهوةٍ .
كالناعمات
لأنهم أجبروها على السلام 
ثم ناموا ..
(وهي لم تنس) 
كانت تخرج سيفاً من بين شفتيها 
كلما حكَ الماءُ وعاءها 
تنجبُ أطفالاً 
غير صالحين 
تعدهم في السر 
لأوطانٍ أخرى 
تدسُ خرائطها في ثناياهم 
وتدربهم على الحنين لحجرها 
تعلقُ قصائد كثيرةً في أقواسهم 
وتقودهم لماءٍ بعيد 
وكلما ذكروها بعهدها القديم 
تنصلت من بكائها 
ومرت كالناعمات 
ولأنهم أجبروها على البلاد 
غيرت ثيابها مرتين 
وتوسلت للقمحِ في كتفيها
وللشمس بين عروق سقفها الخشبية 
وللنار في أعلى رأسها
أن يعطوها خبزها كفافها مستديراً يشبه بلادها 
وكلما ذكروها بالحربِ 
مرت كالناعمات
تضحكُ ليس لأن الضحك ترفٌ 
ولكن البكاء مهنةُ للشرفاء 
تثبتُ لخصمها نُبله 
وهي تمتصُ منه ثماره
وهو ضاحك 
تضعُ العملات الذهبيةَ على جفون مقاتليها 
حين يستشهدون 
وترتلُ في السلام 
ولأنهم أجبروها على السلام 
مرت كالناعمات 
وهي لا تدري 
نعمةٌ 
قد أصابتها
أم نعومةٌ

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *