مِثْل مقامرٍ محترَم


*منصف المزغني


1-
اذا شاركتَ في مسابقة فأنْتَ لاعبٌ لعبةَ الحظّ ، وموقّعٌ على شروطها، بصرف النظر عن النتيجة، 
وفّر الاحلامَ على نفسك ، ولا تعوّلْ على المال قبل وصوله الى جيبك ، ولا تصدّق حتى “الشيك ” إلاّ ساعة سقوطه في حسابك المصرفي. 
انتبهْ ، فالعيون تترصّدك ،لا تصدّق المال لحظةَ خروجك من البنك بل ساعةَ وصولك الى البيت غانمًا سالمًا ، ولا تعطِ أملاً أوْ وعداً لأحدٍ بإرجاع ديْنٍ أو تسليف مالٍ ، فقد تنال الجائزةَ مناصفةً مع أحدهم ! 
ولا تقلْ لحبيبك ، إنّك ستفوز حتمًا ولا تتفوّهْ بكلمة إلى زوجك،
واذا كنتَ تحكي أثناء النوم ،فاخترعْ سببًا للاضطجاع بعيدًا عن الزوج الذي قد يبني أحلاما وبرامجَ وأمنياتٍ وقصورًا،،،
على ماذا ؟
على أمْوالٍ لم تصلْك بعد ، وقد لا تصلُك أبدًا ، وفي هذه الحالة ، تنهدُّ عليك أحلام غيرك وقصورُ أمانيه،
وقبل إعلان نتائج المسابقة ،
لا تتصلْ بأحد من أعضاء لجنة التحكيم ، فالتنصّتُ موجود بين الأحباب والجيران والأعداء يطلعون من حيث لا تعلم 
لا تتصلْ بأيّ عضو له علاقة بالجائزة من قريب أو بعيد ، حتى على سبيل المعايدة أو التهنئة بنجاح أو العزاء في ميت
واذا صادفَ أنْ لاقيتَ أحدًا من اللجنة في عرسٍ أو نحْس ، فابتعدْ عن طريقه قدر الإمكان . 
2-
اذا كنت مترشحا قوياللجائزة وأمامك متنافسون أشدّاء،
فلا تطعنْ في قيمتهم ، ولا تقتربْ من منطقة اتهام أعمالهم بالسرقة ، أو الانتحال ، أو التحقير فهذا قد يوقعك في مطبات أخلاقية التي لن تنجوَ منها أبدا، 
ولاتستأجرْ صغارَ النفوس وأقلامَ الأقزام ،وتستكتبْهم لأنهم قد يبوحون بسرّ استخدامك لهم ، فهولاء أصدقاء لمن يدفع اكثر!
ولا تسعَ لاختراق لجنة التحكيم أو التأثير عليها بواسطة مواقع تواصل اجتماعي
ولا تعلنْ عن نفسك أو غيرك فائزًا بالجائزة ، النتائج قد تتغير جذريا في اللحظة الاخيرة وهذا سرّ في جوهر الجائزة نفسها مثل الحسناء التي وصفها المتنبّي في قوله: 
إذا غَــدَرَتْ حَسْـناء وفَّـتْ بِعَهْدِهـا / فَمِـنْ عَهْدِهـا أَنْ لا يَـدُومَ لَهـا عَهْـدُ ” 
والجائزة تحتاج الى شيء من الغموض والظلام الذي يحتاجه المصوّر الفوتوغرافي أو هي مثل العروس التي تُخْفيها بعضُ القبائل عن الأنظار من أجل “تجميع النور” قبل الظهور
وانظرْ حتى الى المعلنين عن الجوائز، انهم يقفون أمام المنبر وقفةً خاصّة ، وسط التماعات آلات التصوير، ويأخذون نفسًا عميقا ، وصمتًا لائقًا بانقطاع النفس لدى جمهور طال انتظاره . 

3-
إذا كنتَ أنتَ الفائزَ فليس معنى هذا أنّ الجائزة مهمة جدا ، ولجنتها تفهم، وتقدّر ، وتميز بين الابداع المزيف والإبداع الحقيقي،
ولا تحكِ إنّك انتزعتها من أسنان الآخرين ، وإنّ الجائزةَ اختارت جدارَ بيتك لتُعلَّق وجيبَك لتنام وارتضتك نجمَها الهُمام ، فلربما جاءتك الجائزة صدفةً ، وكانت شبيهة بقطعة ذهبية وقعت صدفة في بالوعة،
ربما الجائزة قد أسندت اليك نكايةً في فلان وعلان ولذا تفاجأتَ بها لانك لم تكن تنتظرها وقد شاركتَ حتى تقول لنفسك انك شاركت،
ولربّما كنتَ في مجموعة هزيلة وكنت أنت أقوى الضعفاء، وفُزْتَ بغياب المنافس، فلا تقلْ :
إنّي ربحتُ معركة الجائزة 
ولا تحكِ كلامًا خشبيا من نوع : أهدي الجائزة للجميع فهي للجمهور
ولا تعطِ تصريحاتٍ مفرقعةً قد تصيبُ وجهَك ،كقولك : إنّ غيري يستحقها أكثر منّي ،
لا تكذبْ ، فلو ورّطوك بالسؤال : اذن سلِّمْها له ، فإنك لن تجد جوابا مقنعا وتكون قد ورّطْتَ نفسك من خلال النفاق،
قد تكون اللجنة مؤلفة من أجْل ناس لا مهمة لهم غير إسناد الجائزة لمترشح فائز سلفًا ، وان اللجنةَ منتقاةٌ من ذوي اللين والأخذ بالخاطر، وربما دعاك عضو في لجنة تحكيم الى الترشّح للجائزة لأنّه يريد أن ياخذ نصيبه منها، واذا جَنَحْتَ إلى مساومته أو حاولتَ إقناعه بمبلغ زهيد قال لك :
” انا مجرد صوت واحد ، فلا استطيع الدفاع عنك بمفردي ، ومعي آخرون في اللجنة يريدون نصيبهم ، وهم يخجلون منك ، ثم إنّ أحد منافسيك في الجائزة قادر على الدفع اكثر ، فهل ستكون كريمًا مع اللجنة حتى تفوز أنت ؟” 
إذا ربحت الجائزة ، فتَصَدَّقْ بجزء منها، أو أقمْ حفلة لائقةً بمستوى الجائزة الماليّ ،
لا تنفقْها كاملةً في حفلة،فالناس يضحكون عليك،
ولا تتحجّبْ لتأكل الجائزة بمفردك، فالناس يتهمونك بالبخل والجوع ،وقد قال عمر بن ابي ربيعة : “وقديمًا كان في الناس الحسد “.

4-
إذا لم تفزْ ، فليس معنى هذا أنّ الجائزة تافهة ،
ولا تقلْ إنّ الجائزة لعصابة من التافهين الحقراء الحاقدين العقيمين في الابداع
ولا تدّعِ أنّك لو علمت بتشكيلة اللجنة لما شاركت في المسابقة ،
ولا تقٰلْ : أعضاء الجائزة فصّلوها على مقاس الصداقة ،
وكفَّ عن استعمال عبارات مثل : الدوائر المشبوهة واللوبيات الجهوية او الأيديولوجية او العرقية والمذهبية التي تريد إسناد الجائزة سلفًا الى من “فاز بها”، ولا فائدة في إرهاق نفسك بتبيان الفارق بين الفائز والمفَوَّز، أيْ بين المستطيع بنفسه و المستطيع بغيره ،
ولا تكتب احتجاجَك على مواقع التواصل الاجتماعي ، وجمع نقاط الإعجاب كتعويض مفضوح ،ولا تلعنْ أعضاء لجنة التحكيم وتنشرْ أعراضهم لأنهم لم يسندوا لك الجائزة كقولك :
“ان اللجنة متركبة من فلان التافه وفلانة الأتْفَه منه وعلاّن الأقرع فكريا أو الأعور نظريا ولا قدرة لهم على التقييم” أو ” إنّ فلانا يحقد عليك منذ ولادتك “
إذا لم تهنّىء الفائزَالذي خطف منك الجائزة فأنْتَ صادق
لا تنافقْ فائزًا منافسًا لك فتكون مثل من يرقص كاذبًا في عرس حبيبته،
قُلْ لنفسك :شكرا لأن الجائزة هي التي أمرتني وأغْرتني وحفّزتني على الترشّح ،
وقل لنفسك : لولا طمعي المشروع في المال، لما أمكن لي ان اجهز نفسي للمشاركة ، فشكرًا لك أيها الطَمَع. 

5-
إذا تسابقْتَ ، فكنْ مثل مقامر محترم ، يلعب ويخسر ويربح ويخرج ويعود الى شغله الأوّل ويعتبر أنّ ما قام به كان لعبة لها بداية و نهاية .

6-
يحدث أنْ تكون سيّدًا أو سيدةً في مجالك ، ويكون موضوع ترشحك معروفًا و صار على كل لسان،
في هذه الحالة احفظْ لسانَك ، فالجائزةُ هي التي ستفوز بك،
والجائزة أرادتْ أن ترفع في قيمتها أكثر حتى يقترن اسمُك باسمها، ولك ان تتخيل أنّ الجائزة أرادتْ أن تلتقط صورةً معك ، لا للتذكار ولكن بهدف الإشهار،
ولكنْ ،ًقد يحدثُ العكسُ ، نعم ، كأنْ تتجاهلَ الجائزةُ عملاً معروفاً قديرًا جديرًا ،
وهذا يحدث في أكبر الجوائز مثل نوبل للآداب ، وقائمة الفائزين بها مملوءةٌ بالمجهولين من الأدباء، وكم من أديب تجاهلته نوبل وبقي خالدا!
وكم أسندت هذه الجائرة ، أو غيرها إلى أحدهم، وكان خاملَ الذكْر قبل الجائزة ، وحافظ ، بعد الجائزة ، على خمول الذكْر ! 

7-
إذا فزتَ بالجائزة ،غادرْ نادي القمار،
لأنّ الحظ ابتسمَ لك مرةً ، فلا تُحْرِجْ حظَّك بابتسامة ثانية ،
ولا تترشحْ من جديد لجائزة نلتَها حتى وإن توفرتْ فيك الشروطُ ، و مثلَ أيِّ مقامر محترف ،غادرْ نادي القمار في لحظة الربح،
وإذا لم تفزْ بالجائزة ، فأعِدِ الكرّة ، وجرّبْ كأيّ مقامرٍ محترَم .
______
*دبي الثقافية 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *