زكي المحاسني ووداد سكاكيني.. اجتماع على الكتابة والحب


*محمد ولد محمد سالم

عندما بدأت وداد سكاكيني خطواتها الأولى في التدريس في معهد البنات ، كانت لها ميولها الأدبية الخاصة التي ترجمتها في نصوص من الخواطر الأدبية التي تنم عن معدن كاتبة مبدعة، وكانت تنشر تلك النصوص في بعض الصحف اللبنانية ولم تكن تتصور أن الكتابة سوف ترحل بها بعيداً ، إلى عواصم عربية كبيرة كانت في ذلك الوقت محط أنظار الأدباء بما يزدهر فيها من نشاط أدبي وما يتحرك على ساحاتها من أدباء، لكنّ القدر هيأ لها من الظروف ما يجعلها ترحل إلى هناك، إلى دمشق ثم إلى مصر، فقد وقع حبها في نفس الشاعر السوري زكي المحاسني ليتزوجها عام 1934 ويأخذها بعيداً عن صيدا.

عن ملاعب الطفولة فيها، وتقول عن ذلك: «كان مقدراً لعمري أن يتوزع بين بيروت ودمشق والقاهرة وأن تنتزع طفولته من صيدا، بلدة أبي محمد السكاكيني الذي كان يقول أنا لبناني وأنّ كان لجد والدي جذور مصرية»، لكن الزواج وإن ابتعد بها عن ذكريات الصغر فإنه هيأ لها ما هو أكبر، هيأ لها حياة حافلة بالإنجاز الأدبي، وعلاقات واسعة مع كبار الأدباء لم تعد معها تلك الفتاة المتأدبة الحالمة، بل أصبحت رائدة من رائدات القصة والرواية في الوطن العربي.

كان زكي المحاسني الذي ولد في دمشق سنة 1909 حادّ الذكاء مجتهداً، وفي سنوات التعلّم ظل الأول على دفعاته، وفي سنوات الثلاثينات من القرن العشرين عاشت سوريا بواكير نهضة ثقافية واعدة بدأ فيها كل شيء يتحرك، وكان المحاسني في العمق من تلك النهضة بشعره ودراساته الأدبية، يجمع بين التدريس والكتابة النثرية والشعرية، والدراسة الجامعية، وكان نجمه قد بدأ يلمع كواحد من أبرز الأدباء ينشر مقالاته في صحف ومجلات دمشق وبيروت والقاهرة، وهيأت له تلك الظروف الثقافية أن يتعرف الى وداد سكاكيني، فيتعلق بتلك الروح الأدبية السامية واللغة الأصيلة الراقية، والإنسانة المرهفة، ويجتمع القلبان على حب الكتابة والأدب، ووجد فيها المحاسني تعويضاً عن حنان الأم التي فقدها وهو صغير وظل يبكيها كما عبر عن ذلك، فكان قلب سكاكيني الكبير هو الكنف الدافئ الذي أذهب وحشة ذلك الفقد، و انعكس ذلك في كتاباته فظهرت نفسيَّته الشفافة النَّقية على أسلوبه الذي اتَّسم بالوضوح في كلِّ مؤلفاته، وابتعد عن التَّصنُّع والتَّكلُّف في شعره ونثره، وكان هو لها المأوى الذي وفر لها الأمان، بعد أن أفلست تجارة أبيها وفقدت أسرتها استقرارها وعاشت حياة فقر واضطراب، وساند أدبها وهيأ لها ظروفاً للكتابة لم تكن لتتهيأ لولا ارتباطها به.
يأخذ المحاسني وداد معه إلى سوريا، لتنفتح أمامها أبواب الجرائد والمجلات وتنغمس أكثر في الساحة الثقافية، بعد أن تخلصت من أعباء الحياة المادية، فوجدت الوقت الكافي لممارسة هوايتها التي أحبتها منذ الصغر، وقالت عنها: «لا أدري كيف أحببت القلم منذ صغري، فكنت أحفظه بين أوراقي أو في جيبي، كما أحببت الكتاب فكنت أقتنيه وأصونه عندي فلا تمتد إليه يد غيري، وأذكر أنني تقدمت رفيقاتي في أثناء الدراسة وكانت منهن من هي أكبر مني عمراً، وفي بيروت كان يشجعني أستاذ العربية الشيخ مصطفى وهبة البارودي ويقول لنا: إن القرآن الكريم هو الكتاب الذي نتعلم منه العربية وقواعدها إلى جانب تعاليمه السماوية العظيمة، فعكفت عليه وحفظت منه سوراً وآيات كثيرة»‏، وكانت سكاكيني قبل وصولها إلى دمشق قد نشرت مجموعة من مقالاتها في كتاب بعنوان «الخطرات» 1932، لكنها اتجهت بقوة إلى الكتابة القصصية، وحازت حضوراً قوياً، وخاصة فيما يتعلق بكتاباتها التي دافعت فيها عن المرأة، وكانت مناضلة قوية في هذا المجال، ظلت تسخر قلمها من أجل حصول المرأة على حقوقها كاملة.في عام 1946 يحصل زكي المحاسني على بعثة دراسية إلى القاهرة، وتسافر معه سكاكيني، وكان المحاسني يرتبط بعلاقات وثيقة مع كبار أدباء مصر، ما فتح لسكاكيني الحياة الأدبية في مصر على مصراعيها وانطلق قلمها ينثر درره بوتيرة عالية، واستوعبت مصر بكل أبعادها، فكتبت عنها بعمق،وكانت تلك هي الفترة التي هي البداية لسلسلة من الكتابات القصصية والروائية حفرت بها سكاكيني اسمها بين رائدات القصة والرواية.
______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *