ترى الناقدة العراقية وجدان الصائغ أن جغرافيا الإبداع العربي لا تؤمن بجواز السفر الذي يتعثر بصاحبه عند الحدود السياسية وأن ما ينقص الإبداع العربي لأن يكون جزءاً من الإبداع العالمي هو تقديم المبدع بشكل لائق من خلال الترجمة.
وهي تقول إن الآخر “يجهل لغتنا” وحين استطاع قراءة الأدب العربي منح نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب عام 1988 وإن ضعف حركة الترجمة أدى إلى الجهل بالإبداع العربي.. فالآخر “يجهل ثقافتنا ولغتنا ولكنه حريص على أن يفهم ما يحصل على الأرض بعيداً عن الأفق السياسي”.
تضيف أن ترجمة الأدب العربي ستمنح هذا الآخر فرصة لفهم طبيعة المجتمعات العربية التي تقول إن مظاهر هضم حقوق الإنسان فيها تصل إلى حد الإرباك.
وقالت الصائغ إن ندرة الترجمة أدت إلى انحسار الجسر الثقافي في التعرف على ما يحدث في العالم العربي عن طريق “وسائل الإعلام المضللة التي لا تعكس الوجه الحقيقي للإنسان العربي البسيط المشغول بقوته والمحاصر بأحلامه بالأمان والتسامح”.
وأضافت أن الكاتب العربي يطمح بإبداعاته لفتح حوار ثقافي وحضاري وديني مع الآخر “لأن الإبداع في أبسط تعريفاته هو التحاور مع الآخر وفتح نوافذ للتواصل معه”.
ووجدان الصائغ أستاذة بقسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة ميشيغان الأميركية وشاركت في مؤتمرات ثقافية في عدة عواصم عربية وأجنبية ولها مؤلفات منها (الصورة الاستعمارية في الشعر العربي الحديث) و(شهرزاد وغواية السرد: قراءة في القصة والرواية الأنثوية) و(السنونوة والربيع: قراءة في القصيدة اليمانية) و(القصيدة الأنثوية العربية: قراءة في الأنساق).
وذكرت إن الخارطة الجغرافية للأدب العربي “مغايرة تماماً للواقع الجغرافي السياسي العربي” وإن لدى كل بلد نكهة إبداعية تختلف على وفق بنيته الثقافية والاجتماعية ومخزونه المحلي وذاكرته الحضارية ومن الطبيعي أن تصب هذه النكهة في “موزاييك” إبداعي يمثل وحدة ثقافية إنسانية “عصية على التقسيم أو التفتيت”.
وأضافت أنه على الرغم من “مرارات الراهن السياسي وعمق النكبات المتوالية… مرارة تقسيم المقسم وغياب الحدس بالمستقبل والتقوقع في دائرة الوجع اليومي” فإن الإبداع العربي يتجاوز ذلك ويؤمن بالهم العربي المشترك وبحرية إنسان يترقب فجر الديمقراطية الذي يؤوي الفقير ويطعم الجائع ويؤمن الخائف في دياره. وتستشهد على ما تراه وحدة جغرافية لخارطة الإبداع العربي بعمق “الصلات الإنسانية بين المبدعين العرب فكرياً وثقافياً ونفسياً وليس أدل على ذلك من تلك الشراكة النفسية بين المثقفين العرب.. فالهم الذي يشغل المبدع المصري يؤرق المبدع التونسي وجرح المبدع العراقي يؤلم ذاكرة المبدع اليمني وهكذا”.
المفارقة بين تفتت الخارطة السياسية ووحدة خارطة الأدب تكشف في رأيها “تناقضات الحاضر المر”. ففي حين تتقهقر البلدان العربية سياسياً واقتصادياً وتتراجع عن مواكبة التطور العالمي “بشكل مخيف” في رأيها يشكل الإبداع العربي تطوراً نوعياً يضاهي الإبداع العالمي.
قالت إن المبدع العربي “لا يقل في حرفيته عن حرفية المبدع العالمي” ولكن أضواء الإعلام العالمي لا ترى ثمار الإبداع العربي بسبب تراجع الواقع السياسي العربي.
وتضيف أن إبداعات العرب “تؤرخ لفجيعتنا الجماعية.. تؤرخ لما يحصل بوصفها وثيقة اجتماعية وتاريخية. هي خارطة تتسع لتتلاحم في إبداعاتها ورؤاها بالكتابة الإبداعية العالمية فكرياً وثقافياً وحضارياً من خلال امتلاك المبدع العربي ناصية الكتابة الإبداعية شعراً وسرداً”.
وبحكم عملها في ميشيغان قالت “من اللافت أن رفوف المكتبات والمقاهي تعج بالكتب المترجمة ولكنها تفتقد إلى الكتاب العربي”.
وهي تؤكد أن الكتاب العربي المترجم يحظى باهتمام القارئ الأميركي بدليل فوز قصائد لمحمود درويش ترجمها “زميلي في جامعة ميشيغان الشاعر الليبي الدكتور خالد مطاوع بأهم جائزة في الولايات المتحدة.. القارئ هنا متعطش للاطلاع على ثقافة الآخر وتقبلها”.
وترى وجدان الصائغ أن ما تشهده الجغرافيا العربية نبه إليه مبدعون عرب ومنهم نجيب محفوظ في (الثلاثية) وما تلاها من أعمال أدانت “صمت السلطة عن ممارسات التيارات المتطرفة التي حاكمت المبدعين وصادرت إبداعاتهم.. وأهدرت دماءهم.
“السلطة السياسية أطلقت العنان للوصاية الدينية فسعت تلك الجماعات لكبت الحرية الفكرية ومحاسبة الفن والكتابة حد دخول أصابعها المعتمة للمناهج الدراسية فأججت نزعة الكراهية بين الطوائف وقهرت المرأة والرجل معا بحجة التكفير والحلال والحرام”.
_____
*رويترز