الموتُ الجماعيّ


*رحمة عوينة

خاص- ( ثقافات )

أبشرْ ضريحي إنّني ألقاكَ من قبلِ اللقاءْ 
فلذا تجفُ محابري 
وتصيرُ أوراقي مرايا للخواءْ 
وأمام عينيّ الطريقُ إلى الأمامْ 
من أين أبدأ في الطريق ؟
فبدايتي فيه انتهتْ 
ومعابري صارت مضيقْ 
وأنا المهجر في خشوعٍ وانحناءْ
تتكسر الأشياءُ في عمقي 
فألقاها هباءْ ….
حتى الجمال ..
حتى الطفولة ..
حتى القباحةُ والفصاحةُ والوضوحُ
أو الغموضُ .. أو الغباءْ ..
تتماثل الأضدادُ في عيني 
فألمحها … ســـــــــــــــــــــــــواءْ
* * * * *
هي غربةٌ في ذاتِ نفسي كالحقيبةِ للمسافرْ 
هي زحمة اللاشيءْ… 
تملؤني دوائرْ 
هي أنني أصبحتُ شيئاً
كالقميصِ ، وكالسريرِ 
وكالدواءِ ، وكالسجائرْ …
إني يموت بداخلي وطن وشاعر 
يتمددُ الأُخدودُ
تتبددُ الأشجارُ 
والأنهارُ ..
والوديانُ ..
والفوضى تسودُ ..
وتصير للأوطانِ أنيابٌ … أظافرْ
….. لا ….
بغداد مقبرةُ المقابرْ
بغداد أمٌ للفناءْ
لِمَ يا عراقُ قتلتنا ؟
لِمَ يا عراق رددتنا مليونَ عامٍ للوراءْ ؟
من أي يومٍ أنتَ مزرعةُ الدّماءْ ؟
* * * *
إني أحسُ ..
لكنّ إحساسي توقفَ
عندَ إحساسي …
كلُ الخطوطِ تحدُّني من كلِ حَدْ
والموتُ في كل الخطوطْ
وأنا الشهيدُ..
أنا القتيلْ …
وأنا الضحيةُ .. والبريءُ
أنا العميلْ ..
أنا للفناءِ قصيدةٌ 
كُتبتْ على ورق النخيلْ
والخسفُ يعزفني على أوتارِ عودْ
هي رحلتي نحو الأمام 
هي رغبتي في الانسجامِ
والانضمامِ والاقتحامْ
وأنا الوراءُ بحدِ ذاتي 
ما الأمامُ ..؟ وما الوراءْ…؟
ما بينَ أطرافِ الفضيلةِ والرّذيلةِ
أنْ نكونَ كما نشاءْ
أو أنْ نكونَ كما يشاءُ لنا الغريبْ
فمتى نكونُ كما نشاءْ ؟!
يا أيها الجسد المدجج بالدمارْ
فكَّ الحصارَ عن الغريقِ ليرتوي 
فكَّ الحصارْ
فكَّ الحصارْ
* * * *
شيءٌ يقربني إليكْ
ويغيبُ عن بالي سِواكْ
وأخافُ من شوقي إليكَ
فقد لمحتُ به الهلاكْ
وأراكَ في كلِّ الوجوه برغمِ أنّي لا أراكْ
فأنتَ جزءٌ من صفاتي 
من همومي ، من صفائي 
من فراغي ، وامتلائي 
من صباحي ، من مسائي 
من سكوني والتفاتي … 
أنتَ كنتَ ولنْ تكونَ سوى حياتيْ
* * * *
في صحوتي في النومِ
في اليومِ أو في الحلمِ
كالذكرياتِ تجيءُ أنتَ 
ومثلَ دفقِ الهمِّ …
تستلُّني من عمري 
تغتالني من دَمِّي …
دعنا نقدّرُ أننا لم نفترقْ
لم نحترقْ …
لم تنكشفْ أسرارُنا …
لمْ يعرفْ الغرباءُ أنّا غائبانِ عن الوجودْ
الأرضُ وجهٌ للحبيبِ ، أم الحبيبُ هو الوطنْ ؟
ولذا يموتُ كلاهما خلفَ الحدودْ !!
* * * * 
الموتُ في كلِّ الزوايا قابعٌ يدعو : تعالْ
وحروفُ مقبرة اللغاتِ تقلَّصتْ 
صارتْ ( زوالْ )
وأنا أُجدّفُ والمدى وحشٌ مخيفْ
يتساقطُ الأحباب في صحن الرّحى 
والعامُ فصلٌ واحدٌ …
فصلُ الخريفْ 
والماءُ كالطوفانِ يُغرقُ صرختي 
يغشى الرصيفْ
لا أرضَ لا وديان
لا برَّ لا شطآنْ
موت تمدد في الزمان وفي المكانْ
لم ينجُ من زحفِ الخريفِ سوى الغرق !
يا فكرة الوطن استبدّي
واصنعي لي أيَّ أرضٍ من ورق ! 
عار هي الأوطان أم أمُّ الكبائر ؟ 
يا أنتَ …
يا فرحةً رحلت مع الكُلِّ المُهاجرْ
لا أرضَ للعشقِ الذي في داخلي 
قدرٌ بأن يحيا مسافرْ
إني يموت بداخلي وطن وشاعر 
* * *
أقسمتُ أنّي لنْ أُحبَّكَ مرتينْ
ووجدتُ أنّي لا أُحبكَ مرتينْ
مليونَ حبٍ يعتريني كلَ حينْ 
أستغفرُ اللهَ العظيم …
اللهَ من حنثِ اليمين 
أقسمتُ أني لن أحبَك مرتين 
ووجدتُ أني لا أحبُك مرتين …
يا نوبة العشق الملفع بالرماد 
يا لهفتي في كلِ حينْ
لا أستطيعُ سوى …
أُحبك …
تتكاثرُ اللاءات فيَّ
يتقاسمُ اللحظاتِ … صدّي والحنين 
وأعيشُ فوضى الاقترابِ والابتعادْ
وأذوقُ مر الانعتاق والانقيادْ
ويدبُّ في ذاتي العراكْ
من حيرتي بينَ الولاءِ أو الحيادْ
من رغبتي في أن أراكَ 
ولا أراك …
وأنا يمينٌ مذ عرفتكَ ، كلُ إحساسي يمين 
لكنّ إحساسي توقف عند إحساسي 
وأغرقني الأنين 
لا قلبَ للحبِ لديَّ 
لا قلبَ 
إنَّ القلبَ … ماتْ
لا وقتَ للحبِ لديّ
لا وقتَ 
إنَّ الوقتَ … فاتْ .
_____
– كُتبت ما بين 1 / فبراير وحتى 6 / مارس 2007م

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *