“إشارة”.. فيلم خيال علمي عن صراع الإرادات


*طاهر علوان

فيلم “الإشارة” للمخرج وليم يوبانك هو من نوع الأفلام المستقلـة وقليلـة التكلفة، ولكن ميزته الأساسية هي قدرة المخرج وكتاب السيناريو وباقي فريق العمل على صنع موضوع متماسك من موضوعات الخيـال العلمي، وقصة قابلــة للحياة والنمو والتـطور، فضلا عن أن أحداث الفيـلم تشجع على المتـابعة.

ثلاثة جامعيون شباب يدرسون في أحد معاهد المعلوماتية، يتفاجأون بإشارة ما تأتي من مجهول يقوم بمهمة “الهاكر”، فيضرب خوادم أجهزة الكومبيوتر في المعهد الذي يدرسون فيه، وهو الأمر الذي يدفعهم قدما لمعرفة حقيقة ذلك الهاكر الغامض الذي ظل يرسل رسائله المتعاقبة تحت اسم “نوماد” حتى تحوّل إلى شبح مجهول يلاحقهم.
الفتى نايك (الممثل برينتون ثويتس) الذي يعاني من صعوبة في المشي تستوجب أن يستخدم عكازين، يفيق مع تدفق الرسائل من “نوماد” ويقوم بتتبع الإشارة هو وزميله، ليتوصلا إلى مكان انطلاقها فيركبان السيارة لتعقبها.
ومع وصول الصديقين إلى مصدر الإشارة لا يجدان إلاّ بيتا مهجورا، لكن صرخة مفاجئة تصدر من الفتاة هايلي (الممثلة أوليفيا كوك)، وهي صديقة نايك وقد كانا على وشك الافتراق، تدفعهما إلى ملاحقة مصدر الصرخة، ليشاهدا هايلي وهي ترفع عاليا وسط ضوء شديد إلى السماء.
يفيق نايك وهو شبه مخدر وسط مؤسسة تشبه الحجر الصحي، وفيما هو يسير على كرسي متحرك يقابله الدكتور دامون (الممثل لورانس فيشبورن) الذي يتولى القيام باختبارات متلاحقة لنايك، الذي يشاهد بالصدفة صديقته هايلي وهي في غيبوبة كاملة، أما صديقه جوهان فقد اختفى نهائيا.
الكائنات شبه الفضائية ببدلاتها البيضاء الضخمة والأقنعة التي ترتديها تنتشر في المكان، ويتم إخبار نايك أن الأمر يتعلق بتلوث بيولوجي فضائي خطير استوجب إخضاع نايك وزملائه إلى ما يشبه الحجر الصحي، لغرض معرفة نوع التلوث الذي أصابهم وما هو مصدره.
يحاول نايك مرارا التواصل مع هايلي، ولكن دون جدوى، ثم يرسم مخططا للهرب من المكان، وبالفعل يقوم بجرّ هايلي وهي على السرير ويحاول الهروب من المكان، لكن دامون سيظهر محذرا نايك من الهرب وبأنها ستكون نهايته.
يكتشف نايك وسط مشهد هلع كامل أن ساقيه قد تم استئصالهما واستبدالهما بساقين صناعيتين، لكنه سيمتلك قدرة غير معتادة على الركض السريع إلى درجة اللحاق بالشاحنة التي اختطفت صديقته.
ما لم يكن في الحسبان هو أن يعثر نايك وصديقته على صديقهما جوهان وقد تم تجنيده هو الآخر، فيحاولان إنقاذه لكنهما يدخلان في كابوس مطبق وكأن المجموعة تعيش في اللامكان، فلا اتصالات تعمل ولا المكان الذي تقع فيه الأحداث معلوم.
ثم تتطور الأحداث سريعا بأن يطوق المكان بمجموعة “النوماد”، سيارات شرطة ومروحيات ورجال مدججون بالسلاح والجميع يسعون إلى القبض على نايك وهايلي، وهو ما سيصلان إليه باختطاف هايلي مجددا، فيما سيمتلك نايك قدرة فذة في الجري وتفجير كل شيء.
لا شك أن المخرج نجح في قيادة فريق عمل مميز وبناء أحداث مشوقة، رغم أنه انطلق من فرضية أعلنها “النوماد”، وهي “الاندماج المثالي بين إرادة الإنسان والتكنولوجيا الفضائية”.
فالفرضية التي انطلق منها الفيلم هي ذلك الصراع المرير في الإرادات، أن يجد الفتيان الثلاثة أنفسهم أمام إرادة مقابلة ومأزق لم يكونوا يسعون إليه ولم يتحسبوا للوقوع فيه، لكن وفي نفس الوقت يعلن “النوماد” أن في نايك من الصفات ما جعلهم يلاحقونه ويختطفونه وزملاءه.
في أحد المشاهد الأخيرة المصنوعة بعناية، مشهد المواجهة المصيرية بين جماعة “النوماد” وبين مجموعة نايك تظهر حقيقة الدكتور دامون، بأن وجهه ليس إلاّ نصف قناع، بينما هو كائن ميكانيكي أشبه بالروبوت، حيث تظهر الأسلاك والروابط التي تكوّن ذلك الكائن الآلي.
يمزج المخرج أيضا بين أحدث المطاردات والمفاجآت وقطع الأنفاس، وبين تلك العلاقة الرومانسية التي تربط نايك مع هايلي، وذلك من خلال سلسة من المشاهد التي تجمعهما لتقدم ذكريات جمعت الاثنين.
وها هما يعودان مجددا إلى علاقتهما بعد أن وحدتهما تلك التراجيديا المريرة التي مرّا بها من خلال ملاحقة “النوماد” لهما واستهدافهما بشكل مباشر.
هذا العنصر في الدراما الفيلمية فضلا عن الدور المكمل لجوهان أعطى للفيلم جاذبية وموضوعية وإنسانية ملحوظة، لا سيما وأن نايك يعلن للدكتور دامون أن هذه منشأة مصطنعة يتولى أمرها أناس فاشلون يعتاشون على المنح الحكومية، للقيام بأبحاث لا معنى لها دون أن يدرك أن القصة تتعدّاه وتتعدّى تلك الفرضية المبسطة.
________
*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *