* محمد سيد بركة
يفتح كتاب (في الأدب المقارن.. أساطير وتـــرجمات)، للدكتور توفيق منصور، للقـارئ العـربي أفـقاً جمالياً ومعرفياً جديداً في خطاب النقد والأدب المقارن، حيث ينطلق من رفض بات لهيمـنة المعايير الغربية الأدبية على سائر العوالم الثقافية والأدبية غير الغربية، معتبراً أن التاريخ الرسمي للأدب العالمي تاريخ مزيف وفي حاجة إلى مراجعة، وفقاً لما أكده الناقد أرماندو نيشي في كتابه تاريخ مختلف للأدب العالمي..
كما يحاول الكتاب الوقوف على تلك العلاقة التي تجمع ما بين الأدبين العربي، والغربي، موضحاً زيف الكثير من الأساطير التي تعمل على سيادة النمط الغربي في الأدب، بوصفه المعيار الأسمى للأدبية.
ويدافع الكتاب عن ضرورة إيجاد جدل نقدي جديد، عبر حقل الأدب المقارن، غير تابع لأوهام المركزية الغربية، يراعي المعايير القومية في إنتاج الأدبية، انطلاقاً من تأكيده على أن القطيعة بين الإبـداع والمجتمع والثقافة ليست قطـيعة مضللة فقط، بل هي غير ممكنة على المستوى الوجودي والعملي، مسلماً بتعدد صور العلاقات الجـدلية المعقـــدة بين طبيعة المعايير الجمالية والعلمية والسياسية في الأدبيات المقارنة وطبيعة الواقع الثقافي والاجتماعي والحـضاري الذي تنبع منه هذه المعايير.
ويتناول الكتاب الأسطورة نشأتها ووظيفتها، مشيراً إلى أسطورة أو قصة الفداء عــند يوربيدس. كما يبين المؤلف أن قصة الفداء هذه أصبحت رمزاً عالمياً، حيث يجري توظيفه ومعالجته فــي قصص وأساطير متنوعة.. وفي أزمنة ـ مختلفة وأماكن متغيرة. ويشير المؤلف إلى أنه لمس بإيجاز أبعاد هذه القصة التي غدت رمزاً ومعلماً عـلى ما تحمل من معنى.
ولم يفت المؤلف أن يطوف في عالم الكوميديا الإلهية لدانتي ويبين أن الحب هو الدعامة الأولى التي تبناها دانتي في الكوميديا. وهو يشمل كل أطياف الحب: حب الدنيا، حب الآخرة، حب الله، حب الخالق لمخلوقاته، الحب العذري، الحب الإلهي، حب الرجل للمرأة. وهذه الأنماط من الحب تملأ الكوميديا. كما لم يدع المؤلف موضوع الحب هذا من دون أن يؤسس له عند العرب المسلمين. كما أورد الكتاب بعض المقارنات والموازنات الأدبية..
حيث أدرج دراسة عن شعراء البراغيث، وهي مقارنة بين جون دون، أمير شعراء الإنجليز في عهد الملك جيمس الأول في أواخر عصر النهضة في القرن السابع عشر، وأحمد شوقي أمير الشعر العربي في العصر الحديث.
وهو ربما ورث من تراث عربي ضخم بخصوص سرديات المخلوقات والكائنات. ويبين أن البرغوث ذلك المخلوق الضعيف وحد بين الشاعرين. إذ تغنى به جون دون في الحب والإغراء بينما تناوله شوقي في الوصف والفكاهة، حيث دخل الشاعر أحمد شوقي عيادة الدكتور محجوب ثابت واستقبلته البراغيث فرحة به مهللة لمقدمه، فلعل دمه ألذ وأشهى عند البراغيث. فهو دم أمير الشعراء، إذ كانت قصيدة شوقي «براغيث محجوب».
ويحاول الدكتور منصور في دراسة أخرى من الدراسات التي ضمها الكتاب، أن يفرق بين الثقافة والحضارة.. كما تناول رؤية نقدية لكتابي: (شمس العرب تســطع على الغرب) و(بلاغة الفن القصصي).. إذ تناول الأول الحضارة العربية وأثرها الطيب على أوروبا. وتطرق الثاني الى البلاغة في الـــفن القصــصي في المجتمع الأوروبي.
ويــــؤكد الدكتور منصور على أهمية الترجـمة في دفــع عجلة النمو الأدبي. فاللــغة الأجنبية يطل بها من يملك ناصيــتها على فكر جديد وعالم آخر حافل بشتى ألوان المعرفة.
_____
* البيان