*صباح جلّول
«يجــب على كــل أخــت تتواجد في الشارع أن تلتزم بالأخلاق الإسلامية والــتي منــها، لبس الحــجاب الشــرعي الكــامل المكوّن من (العــباءة الفضــفاضة والحجاب والنقاب وقفازات)…»
هذا مما جاء في بيان أصدره «تنظيم داعش»، بعد انتشار خبر في شــهر شباط الماضي عن جلد مواطن سوري في الحسكة 100 جلدة لأنَّ زوجته لا ترتدي النقاب.
في مشروعه الفوتوغرافي الأحدث، وضع المصوّر اللبناني حسن عمّار نقاباً فوق عدسته، ليلتقط الحياة اليوميّة، كما تراها امرأة منقبة. تعامل المشروع مع النقاب كوسيط لفهم عالم المنقبة، من دون إضــافات شخصية، ليخرج بسلسلة صور ترينا العالم من خــلال عيني المنقبة مباشرة، وبأمانة، من دون شــروح وتدخلات ونقاشات. إنَّها محطة للوقوف وراء القماشة السوداء والتطلّع إلى المحيط.
على المدوّنة التابعة لموقع «أسوشييتد برس»، يشرح المصوّر مشروعه. يقول إن حقيقة كون تنظيم «داعش» بدأ بفرض النقاب على مناطق سيطرته في سوريا والعراق، دفعته للتفكير بالنساء اللــواتي سيجبرن على رؤية العــالم حولــهنّ بطريقة مختلفة عمّا اعــتدن عليه. لهذا أراد أن يكتشف عالم المنقبة، ويرى من خــلال عينــيها. جــال عمار بين لبــنان ومصـــر ثلاثــة أشهر جمع فيــها صوراً من الرملة البيضاء إلى أهرامات الجيزة.
وجدت صور عمّار طريقها إلى مواقع عالميَّة عدّة، منها «واشنطن بوست»، و «وول ستريت جورنال»، وصحيفة «لوموند» الفرنسية. في إحدى الصور، فتاة صغيرة تقفز على شاطئ الرملة البيضاء. تبدو الصورة معتمة وكأنَّها من شريط نيغاتيف غير نقي أو معرّض للتلف. في صورة أخرى، تبدو الأهرامات كأنّها معالجة بطبقة مرقّطة باللون الرمادي، بحيث تخفّ حدَّة الألوان وضوء الصورة.
يعمد عمار إلى إبراز الصورة من نفس الزاوية من دون النقاب ومعه، لنلحظ الفرق الواضح. يقول عمّار في مدونته المصورة على موقع «أسوشييتد برس»: «لون البحر المتوسط في بيروت بدا أقلّ جاذبية. كذلك حصل عندما صورت أهرام الجيزة إذ بدت السماء أخف زرقة وراء النقاب (…) مع ذلك، أعرف أنًّ عدداً من النساء يناسبهنّ هذا الستر ويعتبرنه نوعاً من الحماية».
يعالج مشروع «نظرة من خلف النقاب» طريقة التلقّي البصري للمنقبة للعالم الخارجي، سواء كانت تلبس النقاب الكامل عن رضى أو مجبرة، في محاولة لفهم أقرب لأسلوب حياتها. من خلال عدسة عمّار، محاولة لتجميع المعلومة البصرية من عــين ترى من وراء شــباك قماشــة ســاترة. تذكّــرنا الصور بأن هــذا النــوع من التلقي البصري هو ما ستراه المنقبة لسائر أيّام حياتها، في كلِّ مرَّة تخرج فيها إلى الشارع، وليس ليوم أو اثنين فقط.
منذ أحداث 11 أيلول، لم يختفِ موضوع النقاب من دائرة الجدل في العالم العربي والغربي، لكنَّه عاد ليطفو على السطح بشكل واضح ومُلحّ مع موجات الإسلاموفوبيا، ثمّ مع صعود «داعش» وفرضه لبس النقاب على النساء في المناطق الواقعة تحت سيطرته في العراق وسوريا.
ليست المرّة الأولى التي يكون فيها النقاب موضوعاً لأحد المشاريع الفنية. في العام 2010، جابت طالبتان فرنسيّتان شوارع باريس بالنقاب ولكن بسيقان عارية، كفعل اعتراضي على إقرار قانون منع النقاب في فرنسا. في مشروع بعنوان «نيقابيتش» زارت الشابتان مقارّ الوزارات الفرنسيّة حينها، وحاولتا دخول وزارة الهجرة والهوية الوطنية، لكنّهما منعتا من الدخول.
هناك أيضاً مشروع الفنان الفرنسي تيو كاسبروفيتش الذي التقط صور بورتريه معالجة لتظهر ضبابيَّة بالكــامل باستثناء العينين، وذلك لاستخدام مفهوم النقاب لطرح إمكانيّة التعرّف على هويّة أحدهم من خلال العينين.
هذا النوع من الأعمال عالج مفـــهوم النقاب من زاوية كونه لباساً لا يحقّ للدولة إملاءه أو منعه (في حالة احتجاج الفرنسيتين)، ومن زاوية التـعرف على هوية الآخر عبر العينين (في حالة بورتريهات كاسبروفيتش).
أما مشروع عمّار فقارب الموضوع من وراء النقاب مباشرة، من زاوية الولوج إلى عالم المنقّبة، وطريقة تلقيها للون والضوء والشكل يومياً.
_______
*السفير