أمير تاج السر
خاص- ( ثقافات ) بالاتفاق مع مجلة (الفجيرة الثقافية)
في أحد الأيام سألتني امرأة
في وجهها لغة،
وفي عينيها لغات:
– كيف ترى الشمس؟
قلت: التي أريدها أن تشرق.
والقمر؟
ذلك الذي لن يخسف، حتى وهو يخسف.
– والبحر؟
ذلك الذي لن يكون أزرق فقط..
والحب؟
ذلك الذي أتحسسه ولا أراه.
والإنسان؟
من سعى ليكون إنسانًا.
كيف تكتب إذن؟
بالشمس والقمر والبحر والحب والإنسان.
أ.ت
١
حين كتبت روايتي الأخيرة “أمنيات الجوع” في حوالي شهر واحد فقط، مدفوعا بإيحاءاتها الكثيرة، ومداخلها ومخارجها العديدة التي اتسعت أمامي فجأة بلا عوائق، ونشرتها بعد ذلك، لم أكن أظن أبدا أنني سأعلق في مشكلة تبدو بلا حل ممكن، وسيطاردني كابوس تداعيات تلك الرواية هكذا ولا أستطيع برغم جهودي التي بذلتها كلها أن أفلت منه.
كنت قد عدت من رحلة رائعة إلى كوالالمبور، تلك مدينة شرقية هزتني بشدة، وتمنيت أن أكتبها يوما وأكتب عنفوانها الشقي في نص يليق. التقيت هناك بمثقفين ورأسماليين، ومعلمين، وفتيات ليل وصعاليك في الشوارع، وشدتني عدة شخصيات صادفتها، ولمحت في طلتها المميزة، إيحاءات شخصيات روائية، ستزين أي نص يحتملها.
كان ليونج تولي، أو الماستر تولي كما يسمونه، معالج الإبر الصينية المعروف بشدة في تلك البلاد، الذي راقبت تماسكه برغم العمر، وابتسامته المحبوكة جيدا وأناقته الشديدة، وتسليطه الضوء على مهنة قديمة، من تلك الشخصيات التي بهرتني بشدة. سكرتيرة عيادته أنانيا فاروق، التي لم أعرف لها جنسية محددة وسط ذلك الخليط من الأجناس في مدينة فائرة، هي أيضا شخصية سلسة، وتبدو بطولها اللافت للنظر، ومساحيق وجهها الكثيفة، وظلال عينيها الخضراء والحمراء، وفساتينها التي لا تخضع لأي موضة معروفة في أي مكان، وأحذيتها المفصلة حتى من الخيش والكرتون المضغوط، وجيش المرضى ومرافقيهم، الذي يغازلها إما علنا أو في صمت، نموذجا حيا لأميرة من الشرق الأقصى، تقوم بنزهة نزقة في بلد مرهق من بلاد العرب، في نص من المفروض أن يكتب ذات يوم.
التقيت بالدكتور الأمريكي سابقا: فيكتور جريلاند، والياباني حاليا: هوشي هيسوكا، أستاذ الموسيقى في أحد المعاهد اليابانية، عازف الجيتار المدهش بحق، ومطرب الأطفال وأمهاتهم، في كل وقت، وأي مكان كما ذكر، والذي غادر بلاده في عام 1977، ولم يعد إليها أبدا بعد ذلك. تعارفنا في ممر ضيق بالسوق الصيني المحتشد بالسلع والناس والحيل، وتجادلنا طويلا في لقاءات عدة بعد ذلك، في مسألة الهوية، وكيف يصبح آسيويا صلدا، يحمل اسما يابانيا قديما يعني المحارب، من ولد في أمريكا، وعاش فيها حتى بلغ الأربعين؟.
كان الدكتور عجوزا، لكنه حيوي، ونحيف جدا حتى لكأنه طيف، وكان وجوده في ماليزيا، وجودا روتينيا، حيث اعتاد زيارتها في كل عام لأنه أحبها بجنون، ولأنه من زبائن عيادة تولي للوخز بالإبر الصينية. لم يكن يشكو من أي نقص يستدعي ترصيع رأسه ويديه وساقيه بالإبر، كما أخبرني، ويأمل أن يبلغ المئة واقفا على قدميه. هي مجرد صيانة دورية يقوم بها لوظائفه الحيوية في كل عام، ويعود إلى بلاده المكتسبة أكثر تفاعلا مع الحياة. وكانت فلسفته في محو هوية الغرب، واكتساب هوية الشرق المختلفة ببساطة هكذا، هي أن الشرق، حين تحبه وتحترمه، وتؤدي له خدمات جليلة، لن ينساك أبدا. سيبكيك بعطف حين تمضي، وستجد العجوز الذي جلست بجانبه في أحد المقاعد في حديقة عامة، أو في قمرة قطار سريع ذات يوم، يمشي منكس الرأس في جنازتك، وفتاة الجيران الصغيرة ذات الأحد عشر عاما تضع الزهور على قبرك في كل فرصة سانحة، على عكس بلاده، حيث يموت العباقرة والمكتشفون، ورواد الفضاء يوميا بحوادث الطرق، وجلطات الدماغ، ورصاص القناصين الفجائي في الشوارع، ولا يفتقدهم أحد.
لم تكن نظرية محكمة في رأيي، ولا تستند إلى حجج قوية، لكني لم أجادل فيها كثيرا، وقد عرفت أن الرجل كان يساريا مناهضا للرأسمالية، ولسياسات أمريكا الخرقاء كما يسميها، واعتبر حروبها المتعددة، خاصة حرب فيتنام، وغزو أفغانستان، والعراق مؤخرا، جرائر كبرى لن تستطيع أكبر ممحاة تاريخية أن تمحوها.
كانت الحكايات الغريبة كلها في شارع “بكيت بنتاج” في وسط المدينة، شارع العرب كما يسميه العرب أنفسهم، حيث المطاعم الشرقية والغربية، ومولات التسوق العملاقة، ومحلات التدليك التي يمكن أن تنقلب في أي لحظة إلى جحور أفاع. كان المتسولون يلونون أجسادهم بألوان قوس قزح، السواح يترنحون بثقل الامتصاص القوي، وكاميرات الكانون والنيكون والياشيكا، وعازفو الأكورديون والساكسفون، والجيتارات الممزقة، يقيمون احتفالات ضاجة في الأركان، وإشارات المرور الحمراء، والناس متجمهرون أو ماضون في طريقهم.
لقد فتنت كثيرا بالمقاهي المتعددة، تمنيت أن أدمن أو يدمنني أحدها وآتي يوميا لأكتب فيه كما أفعل في بلادي، لكن ذلك لم يحدث مع الأسف بسبب انشغالي الشديد أثناء الرحلة.
كان كل شيء موحيا وكل شيء يدفع للكتابة.
عدت بذكرياتي تلك إلى بلادي مبتهجا، أحس بفوران في الدم، وحموضة في المعدة، وأتوقع أن يسرقني نص جديد في أي لحظة من حياتي اليومية المعتادة، حين أكون بلا كتابة ولا إيحاء، ويكون مدعما بتلك الذكريات، وقد هيأت نفسي لذلك بالفعل.
فكرت أن يكون الصيني، معالج الإبر: ماستر تولي، معالجا محتملا لنار الهوى في صدر عاشق منهزم سيُكتب، أو عاشقة هي أيضا أحبت وانهزمت بلا خيار. أن تكون السكرتيرة “أنانيا فاروق”، تلك الأميرة الهمجية التي ستتسكع في أزقة همجية، باحثة عن رجل شاهدته للحظة في متحف بدائي، ولم تنسه أبدا، وأن يكون اليساري “هوشي هيسوكا”، هو مدرس علم السياسة في جامعة ممتلئة بالطلاب، ومحرضا لثورة كبيرة، ستهب في داخل النص الذي سأكتبه، وتطيح بديكتاتور عظيم.
فكرت أن أنقل فوران الشوارع كلها، والحدائق كلها إلى بلادي الراكدة برغم محنها المتعددة، وقطعا سيظهر أفندي عرفان، سائق عربة الأجرة، الذي رافقني طيلة بقائي هناك، وأغرقني بتفاصيل ماضيه وحاضره ورغبته المؤجلة لقضاء فريضة الحج، سائقا هنا أيضا، ولكن لعربة أجرة أخرى، مغبرة وبائسة، ولا تشبه تلك المزركشة التي اعتاد عليها طوال حياته.
لكن ذلك كله لم يحدث ولا أمل في حدوثه الآن، وقد علقت في تداعيات روايتي “أمنيات الجوع”، وما كنت أظن أنها رواية خطرة إلى هذا الحد، حين كنت أكتبها منتشيا بلا وعي.
٢
كنت قد نشرت “أمنيات الجوع” في دار نشر محلية، أتعامل معها أحيانا، قبل سفري إلى ماليزيا بثلاثة أشهر. كانت رواية متوسطة الحجم تتكون من مئتين وعشرين صفحة، وتتحدث بخيال صرف، لا علاقة له بالواقع من قريب أو بعيد، عن رجل أربعيني اسمه نيشان حمزة نيشان، كان أميا، يعمل ساعيا في مدرسة ابتدائية، مهمته إعداد الشاي والقهوة وجلب الإفطار الروتيني للمعلمين، والركض بين المكاتب المختلفة حاملا ملفا أو ورقة أو نداء، وتعلم القراءة والكتابة بإصرار غريب، وحصل على الشهادة الابتدائية والمتوسطة والثانوية بعد أن تجاوز الخامسة والأربعين. وقبل أن يدخل الجامعة بفترة قصيرة، وكان قد قرر أن يدرس مواد القانون، ويصبح قاضيا، أصيب بمرض الفصام الموسمي الموروث في عائلته، والذي يصيبه لشهر أو شهرين في العام، ويجعله يستمع لأصوات الوهم التي تناديه، يعارك نفسه، يتحرش بالحياة والناس، ويصنع دمى من القماش الرخو، يحشوها بألعاب الأطفال المتفجرة، ويلقيها على الرجال المتأنقين، والفتيات الجميلات في الشوارع، وربما حمل سكينا حادة وهاجم بها أحدا بلا تمييز، أو ارتدى قناع شخصية عامة، مثل رئيس البلاد، أو قاضي القضاة، أو حتى بائع خضار لامع، أو خياط مشهور في المدينة، وتصرف على أنه تلك الشخصية. وحين تغيب أعراض الفصام أو تضعف تدريجيا، في لحظات استراحة، يعود إلى حياته اليومية، شخصا عاديا لا يذكر إلا ما يذكره به الناس، يعتذر لكل من أصيب برذاذ من الهيجان، ويعاود محاولاته المستمرة لدراسة القانون.
بالقرب من نهاية النص، وفي يوم عادي من أيامه التي بلا هياج، يحس نيشان بإعياء غريب، يشعر بأمعائه تتقلص، وجسده يحترق ورأسه تدور، وجيش من الألم يتقاتل في صدره، يترنح بلا سند من أحد حتى يصل إلى المستشفى الحكومي العام، وهناك يفحص بتأن، وتكتشف إصابته بسرطان في الغدد بلا شفاء محتمل.
لقد امتلأ النص بشخصيات عديدة، منها شخصية لسيدة مجتمع راقية تضخ التعالي باستمرار، وعسكري مسكين حاول أن ينقلب على الحكم بلا خبرة ولا مؤهلات وأعدم رميا بالرصاص، وسائق شاحنة من عائلة نيشان كانت مهمته مراقبته حين يزلزل الهيجان أيامه، وممرضة اسمها ياقوتة التقاها نيشان حين كانت تعمل في مستشفى الأمراض النفسية، وأحبها، وحاولت هي مؤازرته أثناء محنته. لكن نيشان حمزة، كان يمسك بالخيوط كلها، ويوزعها على الشخوص كل حسب دوره.
في الحقيقة وفي كل أعمالي التي كتبتها تقريبا، كنت آتي بأسماء غريبة، أسماء من غير المعتاد تداولها في البلاد، أو أسماء تستخدم على استحياء، ولدى قبائل معينة. ليس كل الشخصيات بالطبع، ولكن تلك التي تقوم بأدوار حيوية داخل النص، أو التي أريدها أن ترسخ في أذهان من يلتقيها في الكتب. أيضا لم أكن استخدم الأسماء الثلاثية قط، ولا أدري لم استخدمت اسم نيشان حمزة نيشان، ثلاثيا في هذه الرواية. لقد تنبهت إلى ذلك أثناء الكتابة المندفعة، ومنعني من حذف الاسم الثلاثي إيقاعُه الذي أحسست به، والذي لن يكون مرضيا بالنسبة لي إذا ما ترك ثنائيا فقط.
لم أكن أعرف شخصا اسمه نيشان على الإطلاق، ولا صادفني في قراءاتي أو أسفاري المتعددة، داخل الوطن وخارجه، شخصٌ يحمل ذلك الاسم. وقد فكرت كثيرا حين كتبته، فكرت باستغراب وأنا أسأل نفسي من أين جاء، ولم أتوصل إلى جواب محدد. على أنه كان اسما مطروقا بلا شك، ومن المؤكد أنه موجود في بعض بلاد العرب، أو أفريقيا، ولكن ليس في بلادنا كما أعتقد، بأي حال من الأحوال.
أذكر في احتفال تدشين الرواية، الذي أقمته في قاعة بسيطة مخصصة لليالي الأفراح غالبا، وحضره جمع من القراء والمهتمين بالشأن الثقافي، قبل سفري بيومين فقط، أن سألتني فتاة جميلة، في صوتها إيحاء فتنة، وفي لغتها تعرج أخاذ:
– كيف تنتقي أسماءك في الكتابة أستاذي؟ أرى اسم نيشان حمزة نيشان مطابقا بقوة لشخصية البطل وسلوكه، ولو كان الرجل حقيقيا لحمل ذلك الاسم.
بالطبع لم أكن أملك رداً منطقياً على تساؤلها، ولا توجد لدي رؤية متماسكة حول الأسماء، ولا أي كيفية دقيقة لاختيارها، ولا أستطيع الجزم بأن الأسماء التي أكتبها، تشبه شخصياتها فعلا داخل النصوص. لكن سؤال الفتاة الجذابة أعجبني، وشعورها بأنني ألبست بطلي اسما مطابقا، أعجبني أيضا.
قلت: شيء في الإحساس عزيزتي، لا أقل ولا أكثر.
ولأن شخصية أخرى مثل نشار بائع العطارة الشعبية زائغ العينين، في السوق القديم، كان حاضرا أيضا في عدد من الدروب المتعرجة، داخل الرواية، فيبدو أن فتاة أخرى أحبته أو أعجبت به، لأنها وقفت من بين الحضور، وكانت مشرقة وهي تسأل:
هل سيصادف أن ألتقي يوما بنشار في السوق القديم، ويغازلني؟
قلت: ربما.
وابتسمت، وابتسم الحاضرون.
كان من بين الذين حضروا حفل التدشين ذلك واصطفوا للحصول على توقيعي على النسخ التي اقتنوها، رجل في نحو السابعة والأربعين كما قدرت. كان نحيفا، مقوس الظهر قليلا، يرتدي الثوب والعمامة التقليديين، وحذاء عاديا من جلد الماعز الرخيص، ويبدو مهتزا في وقفته، يتلفت بلا انقطاع.
كان من الأشخاص الذين يلفتون للنظر في أي مجتمع، وقد لفت نظري بالفعل برغم الزحام، وكثرة الأسئلة والأجوبة، واستعجال البعض أن يحصلوا على حوار قصير كما هي العادة في كل شأن ثقافي. رأيته يحتك بفتاة صغيرة تضع على وجهها مساحيق وظلالا بلا تناسق، وتنتظر أمامه، بشكل بدا لي غير متعمد لكنه نتيجة اضطراب. رأيت الفتاة تلتفت ناحيته، وقد تغير وجهها، ثم تخرج من الصف وتمضي إلى الخارج حاملة نسخة بلا توقيع. رأيته يفتح الكتاب، يطالعه لدقيقة ثم يغلقه، وحين وقف الرجل أمامي في النهاية، ووضع نسخته على الطاولة لأوقعها، لم يمد يده محييا كما فعل الآخرون. ألقى النسخة بإهمال، ووقف وكانت عيناه بعيدتين، تحدقان في أي اتجاه تصادفانه بلا تركيز. سألته عن اسمه لأكتب له الإهداء على الكتاب، فالتفت ناحيتي، وكانت فرصة لأدون بريقا نابضا فر من عينيه لحظة وانطفأ. قال:
– ليست لي ولكني سأهديها لحبيبتي رنيم. نسختي سأحضرها لك ذات يوم لتوقعها. اكتب فقط إلى العزيزة الغالية رنيم، مع محبتي.
كتبت الإهداء إلى عزيزته الغالية رنيم، مع محبته لا محبتي، على الصفحة الأولى ومددت إليه الكتاب، فالتقطه بسرعة، ومضى يترنح. كان غريبا بالفعل، مضطربا إلى أقصى درجة، ولم يبد لي أبدا في هذه السن، وذلك الاهتزاز الظاهر، والملابس البلدية القحة، عاشقا محتملا لفتاة اسمها رنيم، وأعرف أنه اسم مستحدث في البلاد لا يمكن أن تسمى به امرأة من جيل قديم يناسبه. لكني لم أدقق كثيرا، ولم ألبث أن نسيته تماما وسط آخرين تجمهروا من حولي، وأصدقاء مقربين أرادوا أن نكمل الليل في مكان آخر.
حين خرجنا بعد ذلك إلى الطريق وبعد أن انتهى كل شيء، كان عاشق رنيم المهتز، ما يزال يترنح حول المكان، حاملا “أمنيات الجوع” في يده اليمنى، وفي يده اليسرى سيجارة مشتعلة.
فجأة رأيته يقترب مني بخطوات سريعة، يتوقف أمامي، ثم يسألني بلا مقدمات، وهو يلهث:
– متى تعود من رحلتك يا أستاذ؟
كان سؤاله سيكون عاديا جدا، لو أن رحلتي كانت معلنة. في الحقيقة لم تكن مؤتمرا ثقافيا، ليعرف أخباره أحد، ولم تكن لعلاج في الخارج، ليكتب أحدهم في صحيفة أنني مريض وأسافر للعلاج. ولا أذكر أنني أشرت إلى سفر قريب، في صفحتي الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
كانت رحلة خاصة من برنامج رحلات أقوم بها من حين لآخر، لرؤية بلاد جديدة، واكتساب خبرات أحتاجها بشدة في عملي الكتابي. ولم أخبر بها حتى أصدقائي ممن يقفون معي الآن، ويحاولون حمايتي من رجل ظنوه مهاجما.
قلت: لا أدري، وابتعدت، وأنا أحاول أن أفتش في ذهني عن مصدر، ربما عرف عاشق رنيم، كما سميته، عن طريقه قصة سفري. ولكنني لم اهتد إلى أي شيء. وكان ما أردت إقناع نفسي به، حتى لا أزيد ذهني إرهاقا، هو أن الرجل قد خمن بأنني مسافر، ولا شيء آخر. وبرغم ذلك لم أنم جيدا طيلة اليومين اللذين سبقا سفري. كنت أصحو بشهقة ارتجاع المرئ التي تغزوني كلما اضطربت لسبب أو لآخر، أو توترت بفعل نص أكتبه، أرى رنيم في حلم قاس، فتاة ناعمة في أحضان وحش، وأرى عاشقها الذي لا يشبه العشاق، يصفعها بنسخة موقعة من “أمنيات الجوع”، ويشويها بسيجارة مشتعلة على يده اليسرى. وحين حملت حقيبتي، واتجهت إلى سكة السفر، تنفست بعمق، وأنا أحاول أن أتخيل بلادا جديدة، ربما أعود منها بتوابل شرقية رائعة تجدد غليان النصوص في موقد كتابتي.
_____
* فصل من رواية جديدة بالعربية والإنجليزية تصدر بداية العام 2015 عن مؤسسة: بلومزبري.