*جريس سماوي
خاص ( ثقافات ) بالاتفاق مع مجلة (الفجيرة الثقافية)
ساجداً كيوحنّا
أمام جلّاده في “مكاور”
أرى الأرض أصغر مما يرى الآخرون
أرى الكون أصغر مما يكون
ساجداً وحزيناً
ومستغرقاً في الظنون
ما رأيت السيوف
ولكن رأيت الدماء تسيل
رأيت الجنون
يسير بمركبة الموت مثل “هيرودوس”
وهو يميل على رقص “سالومي”
تميل جناحاه
مثل جناحي ملك الموت
يقطف رأس النبي
ليهديه للمرأة العابثة
ثمناً باهظاً للمجون
ما رأيت البنادق
لكن رأيت الجنون
ورأيت الدماء تسيل
الدماء تلون باحاتنا
وساحاتنا وقرانا
والمدنية يهزمها الغجر العابثون
البرابرة اقتسموا إرثها .. غنموها
علّقوا في المدائن راياتهم السود ..
واقتسموها
قاتلوا واقتتلوا
صنعوا صنم التمر ..
صلوا له .. عبدوه..
ثم في ليلة أكلوه.
سقط العقل
سقطت كلّ أسئلة العقل
تاهت الحكمة في الطرقات
وطاردها السحرة.
ألبسوا المنطق زي المهرِج والبهلوان
ليرقص في حلقات من الهذيان
ما رأيت البنادق
لكن رأيت البيارق غارقة بالدماء.
الدماء …
إني أرى في الطرقات الدماء
وأرى أيد ملطخة وسيوفا
أنحن تماثيل صمت من الثلج في متحف المرحلة؟
أم شهود على المقصلة؟
قتله ..!!
أم ضحايا؟
نحن ضحايا، قلت
من القاتل يا صاحبيّ إذن ؟
ادن مني ، قال لي عسكري غريب
فدنوت
لا تسل، قال لي،
وامكث ببيتك لا تغادره قط..
مكثت..ولم أرفع الأسئله
من زمان ..
والحرائق مشتعلة
والمكان
ليس لنا
من زمان
منذ نجم معنى بنبوءته الكاذبة
منذ قرن من السنوات
ومنذ مدى خادع
وخيول أبي لا تنام
من زمان
وهي ملجمة في اسطبلاتها
وسائسها خائر وكسيح
وفرسانها انشغلوا بانقلاباتهم وبياناتهم
سطّروا الخطب الصاخبة
حرّروا الصحف الغاضبة
والتراب نسوه على عتبات الحروب
يبلله عبق من دماء
الدماء .. الدماء تسيل
والمدى غارق في الحداد
واليمام
لا يحلق بين الزحام
والكلام كثير
ولكن معنى الكلام
اعتراه القتام
قرن مضى
وما بين حربين والثالثة
ننتهي بالسؤال عن الكارثه .. والدماء.
أنحن ضحايا ؟
من القاتل يا صاحبيّ إذن ؟
الدماء تسيل .. الدماء تسيل
__________
هوامش:
* يوحنّا المعمدان : النبي يحيى الذي عمد السيد المسيح في نهر الأردن. قطع رأسه الملك اليهودي هيرودس.
* مكاور : قلعة مكاور في الأردن قرب مدينة مادبا والتي سجن فيها النبي يوحنا المعمدان وتم قطع رأسه هناك.
* هيرودوس : هو الملك اليهودي هيرودوس أنتيباس ملك الجليل وشرق الأردن ، تزوج من زوجة أخيه ” هيروديت ” الأمر الذي أغضب النبي يوحنا المعمدان وقال بعدم شرعية الزواج فحقدت عليه ” هيروديت ” وفي عيد ميلاد الملك أولم لقادة الدولة وأعيانها ودخلت ابنة أخيه ” سالومي ” لترقص فسر وقال لها : اطلبي ما تشائين وسوف يتحقق حتى وأن كان نصف مملكتي وأقسم على ذلك . وفي الحال تشاورت الفتاة مع أمها ” هيروديت ” وطلبت من الملك ان يقدم لها رأس النبي يوحنا المعمدان على طبق من فضة. فأرسل سيافا ونفذ طلبها.
* سالومي: صاحبة الرقصة المشهورة في التاريخ التي بسببها قتل النبي يوحنا المعمدان.