“رجال -اكس”: تكامل تقني وفراغ عاطفي وبعد سياسي!


* مهند النابلسي

( ثقافات )

يتحدث فيلم “رجال- اكس أيام المستقبل الماضي 2014” عن المستقبل، حيث تجري إبادة المتحولين بواسطة جيش من الحراس “الروبوتيين”، وحيث يسعى زعيم المتحولين لإرسال وولفيرين، ويجسد شخصية هيوج جاكمان، للماضي وتحديداً للعام 1974 لتغيير مسار التاريخ. 

يكمن هدف وولفيرين الأساسي بتوحيد قوى الشاب المحبط ويلعب دوره (جيمس ماكفوي)، مع الرجل المسؤول عن إعاقة “كسافير” المتحول “المعدني” الخارق ماغنيتو (الممثل الألماني العبقري مايكل فاسبندر)، حيث أصبح كسافير مدمناً على الكحول والمهدئات بينما تم “حبس” ماغينيتو وبقي مقيدا بسجن خرساني محكم تحت مبنى البنتاغون لمشاركته بحادث قتل الرئيس كنيدي “الغامض” بالعام 1963، ويسعون جميعاً لمنع المتحولة البارعة ميستيك وأدت دورها الممثلة جينيفر لورنس، من اغتيال العالم القزم مخترع “الحراس الروبوتيين” بوليفار تراسك وجسد دوره الممثل المدهش بيتر دينغلاجي، وقدم هنا دورا فريدا سيتوج به حياته السينمائية، كما أبدع تماما بإظهار شخصية العالم الانتهازي المتعجرف الذي جاهد طوال حياته ليكسب الاهتمام والاحترام!
ثيمة الفيلم تناقش فكرة احتمالية تغيير المستقبل من خلال امكانية تغيير “الماضي-الحاضر”، حيث ينجح كسافير بإقناع ميستيك بعدم قتل تراسك والسماح لها ولماغنيتو بالهروب، هكذا يتم الغاء برنامج الحراس الروبوتيين وتغيير مسار المستقبل افتراضيا، لتحقيق صلح استراتيجي بين البشر والمتحولين !
بالفعل يستفيق وولفيرين بالعام 1973 ويسافر لقصر “رجال الاكس” ليواجه كلاً من هانك ماكوي وكسافير ليكتشف أن معهد كسافير المخصص للموهوبين الشباب قد تم إغلاقه بعد ذهاب معظم الأساتذة والطلاب للمشاركة بالحرب الفيتنامية، كما نلاحظ احباط كسافير لفشل معهده ومغادرة شقيقته “ميستيك”، كما انه يسيء استخدام مصل صنعه ماكوي يسمح له بالمشي على حساب قواه التخاطرية الخارقة، ويشرح وولفيرين لكليهما مهمته المحددة، ويتمكن من اقناع كسافير للعمل معاً على اطلاق سراح ماغنيتو “المتهم باغتيال كنيدي” من سجن محصن أسفل البنتاغون، وبالفعل ينجحون بتحريره بمساعدة المتحول”الجديد” بيترماكسيوف الذي يملك سرعة خارقة “كالبرق”!
بعيدا بواشنطن ينجح تراسك من تشكيل لوبي لمؤازرة برنامج المتحولين بدعم من الكونغرس، وخلال نفس الفترة وبسايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية) تنجح المتحولة ميستيك بقواها الخارقة من منع الشاب “وليام سترايكر” من تشكيل فريق من المتحولين لمصلحة ابحاث العالم تراسك، كما أنها تكتشف قيامه بأسر متحولين واجراء تجارب عليهم، ثم تهرب مختفية بباريس، فيسافر كل من كسافير، ماغنيتو، بيست، وولفيرين” لباريس لملاحقتها…ونرى قيامها بفندق باريسي فخم (أثناء ذروة مفاوضات السلام الأمريكية الفيتنامية) قيامها بمغازلة “ساخرة” لجنرال فيتنامي “فاسد وشبق” وانتحال شخصيته بعد قتله بضراوة وذلك بغرض الوصول للعالم تراسك، الذي يسعى بدوره لبيع “تقنية المتحولين” للشيوعيين…وتحدث المصادفة الغريبة بوصول كل من كسافير، ماغنيتو، بيست، وولفيرين لموقع الفندق بنفس اللحظة التي تحاول فيها اغتيال تراسك، حيث يستميت ماغنيتو لقتلها ولكنها تتمكن من الهروب (بتدخل مفاجئ وغير مفهوم من بيست)، ونرى حركات فذلكية مدهشة لصراع المتحولين عبر شوارع باريس السياحية وامام المشاة والعابرين والكاميرات! (تمثل الحرب الفيتنامية عقدة مزمنة بالسياسة الأمريكية الفاشلة، وكمثال فان رئيس الوفد الفيتنامي بالجلسة السرية لمفاوضات باريس قد رد معقبا على كلمة كيسنجر التي استغرقت ساعة كاملة: أنت كذاب!).
رعب المتحولين أم هيمنة الحراس “الروبوتيين”؟!
ولكن بالرغم من نجاة تراسك، فإن فكرة وجود المتحولين وهيمنتهم ترعب العالم، فيوافق الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون على المباشرة بمشروع “الحراس الروبوتيين” المقترح، ويعلن عزمه على كشف التفاصيل علنا بواشنطن، كما يتمكن فريق تراسك من استرجاع بقايا دماء لميستيك من موقع النزاع بباريس لتقصي أثرها بالحامض النووي، ويبذل ماغنيتو جهده ويسخر قواه لإحباط مشروع الحراس الخارقين، ويتمكن كسافير من استرجاع بعض قدراته العقلية (فاقدا قدرته على المشي)، حيث ينجح وولفيرين بإقناعه للتحدث (بالتخاطر) لشخصيته المستقبلية، ملهما اياها لتحقيق سلام جديد ما بين البشر والمتحولين…كما يستغل المتحول “سيربرو” لتقصي آثار ميستيك التي تتوجه الان لواشنطن!
يكشف الرئيس نيكسون النموذج الجديد “للحراس الروبوتيين”، ويفاجئ ماغنيتو الجميع برفعه لستاد “روبرت كنيدي” لكرة القدم بالكامل والطيران به لمحاصرة البيت الأبيض كمتراس (بلقطة سينمائية آخاذة)، كما تصدر الأوامر للحراس الروبوتيين بمهاجمة الجمهور بضراوة، ويتم الاستعجال بحماية نيكسون وتراسك وأخذهما لغرفة حراسة آمنة، فيما تنجح ميستيك كعادتها بالدخول متنكرة دون ان يلمحها أحد! ثم يحاول كل من كسافير، وولفيرين وبيست كبح جماح ماغنيتو الهائج، ولكنه ينجح بقذف وولفيرين بعيدا لنهر “بوتوماك” مستخفا بمخالبه “الفولاذية”…كما يتمكن بقواه الخارقة من اخراج غرفة الحماية من الملاذ الآمن استعداداً لقتل الرئيس، وتنجح ميستيك المتخفية الان بهيئة نيكسون من الظهور بشكلها الحقيقي وقتل ماغنيتو أخيرا!
وخلال نفس الفترة وبزمن مستقبلي بائس تسعى مجموعة متبقية من المتحولين لمواجهة هجوم الحراس، ولكنهم يقتلون جميعاً فيما عدا كسافير، برايد، وولفيرين، وبالعودة بالتوازي للعام 1973 يتمكن كسافير من اقناع المتحولة البارعة ميستيك بعدم قتل تراسك بهدف إلغاء مشروع “الحراس”، ثم يتم اعتقال تراسك لاحقا لبيعه أسرار عسكرية، بالمشاهد قبل الأخيرة نلاحظ وولفيرين وقد استفاق اخيراً بالزمن المستقبلي ليجد نفسه محاطاً بكل من ايسمان، روج، كولوسوس، كيتي، بيست، ستورم، جين جراي، سيكلوبس مع كسافير المسن…حيث يبدو وكأنه أفاق أخيراً من كابوس مرعب!
وبمشهد استباقي أخير لافت نرى مجموعة من الناس بصحراء مصر القديمة يقفون تبجيلا امام كاهن يرتدي معطفاً طويلاً ويدعى “صباح نور”، ويبدو وكأنه يستخدم قواه الذهنية الخارقة لتحريك الأشياء عن بعد وبناء أهرام! وربما يعبر هذا المشهد الغريب عن سيناريو جديد لفيلم قادم عالمي (من السلسلة الناجحة) يستعرض الأحداث بمصر الفرعونية القديمة (بالتداخل ما بين الحاضر والماضي السحيق والمستقبل)، حيث تلقى الحضارة الفرعونية العريقة تبجيلا خاصا في الثقافة الغربية، كما أنه يوجد بالتأكيد مغزى من اظهار كل شخصيات السلسلة بلا استثناء بنهاية الشريط وكأن المخرج يعدنا بفيلم قادم خارق جديد يتحدث عن نهاية العالم!
تنوع وتكامل الخصائص الخارقة للمتحولين
ما أعجبني حقا بهذا الفيلم هو التنوع غير المسبوق لخصائص الشخصيات الخارقة، فوولفيرين مثلا يشفى سريعاً ويملك عظاماً خارقة وقابلة للسحب ومخالب من معدن “الأدمنيوم” الفائق الصلابة، كما أنه قادر على ارسال وعيه للماضي ولحالته الشابة، أما كسافير فهو يملك قوة تخاطرية هائلة فيما يتمتع ماغنيتو بقدرة خارقة للتعامل مع الأجسام المعدنية، وميستيك “الساحرة الزرقاء كالسحلية السامة” تملك مرونة هائلة لتغيير شكلها “بمكر وخبث” وتصلح تماما لحالات التسلل والاغتيال، أما شتورم فيمكن ان تتحكم بالطقس والمناخ وأن تشكل العواصف (نجحت هالي بيري تماما بأداء الدور بالرعم من كونها حامل)…ناهيك عن الخصائص الخارقة العديدة للشخصيات الاخرى التي حفل بها الشريط، والتي ربما عجز المشاهد العادي عن الالمام بها لتداخلها وقصر أدوارها: كخفة الحركة والسرعة، وامتصاص قوة الحياة، واختراق الأجسام والعوائق الصلبة، وخلق الجليد والتلاعب به، واحتواء الطاقة والاشعاع واعادة توجيهما بانفجارات حركية مفاجئة، وتحويل الجسم لفولاذ عضوي فائق المتانة والتحمل، وكالسرعة الخارقة التي تفوق سرعة الصوت،والتلاعب بالاتصالات، والقدرة على خلق النيران والاحتراق وامتصاص الطاقة الكونية واعادة اطلاقها بتفجيرات البلازما، كما التمتع بلسان لزج طويل خارق قادر على مسك الأشياء وشل الكائنات! ربما لم ننتبه كمشاهدين عرب لكل هذا الكم من الخصائص الخارقة التي تملكها الشخصيات والتي تبدو ربما كفنتازيا “كرتونية” مسلية، ولكني أعتقد انها تمثل رؤيا استباقية للعلماء الغربيين الذين يعكفون ربما على دراستها بتأن وبروح علمية طموحة تمهيداً لممارسة تجارب مستقبلية قد تسمح بالتلاعب بالجينات البشرية او بخلق جيل جديد من “الجنود”والروبوتات الخارقة لتطوير ما يسمى شخصية “السوبرمان” التي تطغى على الثقافة والفكر الغربي”النيتشوي” والأمريكي خصوصا، والتي قد تحقق لهم السيطرة “الخالدة” على شعوب العالم بأقل قدر من الخسائر البشرية!
انطباعات نقدية
تقيد القصة نفسها بتداعيات وذكريات حرب فيتنام (الخائبة-العبثية) واتفاق السلام المشهور بباريس ونيكسون والبيت الأبيض وتداعيات اغتيال كنيدي…ونرى السيناريو يعيد سرد قصة خطف الرئيس الأمريكي وتحريره كما سبق وشاهدناها بالعديد من أفلام الأكشن والخيال العلمي والفانتازيا، وتبدو هذه الثيمة نمطية ومكررة بل ومملة!…كما يبدو وأن الشعور بالذنب تجاه حرب فيتنام ما زال مسيطرا على مخيلة السينمائيين الأمريكيين كهاجس مزمن، كل هذه الأحداث أعطت الفيلم بعدا سياسيا تكميليا تاريخيا شيقا مع الخيال العلمي والفانتازيا، وقد يسمح نجاح هذا الفيلم تجاريا وعالميا بإصدار نسخ جديدة تتحدث مستقبلا عن تداعيات الحروب السرية والحروب المعلنة كالخليج وأفعانستان والعراق والتي فقدت فيها امريكا الكثير من الضحايا بعد انتصارها الرسمي الاستعراضي وتدميرها الماحق لهذه الدول وتحويلها لدول فاشلة ومرتعا وملاذا للإرهاب “العالمي” ونموذجا للفوضى “اللاخلاقة” الموعودة!!
يبدو الفيلم من وجهة نظري متكاملا من الناحية السينمائية ورائعا وفخما ونموذجا لنمط جديد من أفلام الفانتازيا والخيال العلمي، ولكنه يفتقد للجمال “السينمائي” والإقناع بالرغم من الاختيار الدقيق والعمل المجهد لاختيار وتقمص الشخصيات والأدوار بعناية فائقة، كما يتفوق معظم الممثلين بأداء مبهر استثنائي حافل بالمؤثرات الخاصة غير المسبوقة ولكنه يفتقد للعمق والشغف، فقد سعى المخرج بريان سنغر لتحقيق ذروة متناغمة ولكنه بالمقابل ورط شخصيات فيلمه بمواقف لاهثة متتابعة تفتقد ربما للعاطفة والكيمياء والسخرية الضرورية، كما خلط الأحداث بجدية “سمجة” وبطريقة استحواذية متعالية “مزدحمة بالشخصيات والأحداث والمؤثرات” لم تنجح ربما بلمس الأوتار الحقيقية لوعي المشاهد والمستقبل طوال ساعتين وعشر دقائق، بالمقابل فقد نجح المخرج بريان سنغر والمؤلف سيمون كنبرغ بإنتاج تحفة سينمائية متكاملة مستغلا المؤثرات الخاصة لتحقيق هدف السيناريو المعقد والمتداخل وليس للاستعراض والابهار فقط، كما عرض متحولين جددا كالرجل السريع كالبرق (ايفان بيترز)، وأتحفنا بمتعة السفر للماضي عبر الزمن وبإمكانية تغيير مجرى الأحداث، ثم ضرب على وتر الحنين لسبعينات القرن الماضي وخاصة “للمشاهدين الكبار” وأخرج فيلما أنيقا شيقا كأفلام جيمس بوند وربما وصل الذروة السينمائية هنا، وهذا يمثل بحد ذاته تحديا جديدا للابداع السينمائي المتوقع بالأفلام القادمة من هذه السلسلة!
_______
*كاتب وناقد فني

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *