هل المدارس تقتل الإبداع؟!


* آمال الديب

خاص- ( ثقافات )

كيف نعالج أخطاءنا التربوية القاتلة/ كين روبنسون
(طبعة جديدة، محدَّثة بالكامل)
يعالج هذا الكتاب، الأفضل مبيعًا على المستوى العالمي، ثلاثة أسئلة في منتهى الأهمية:
* ما أهمية تشجيع الإبداع؟ يؤكد قادة الشركات والسياسيون والمعلمون على الأهمية الحيوية لتعزيز الإبداع والابتكار. فلماذا يعد هذا مهمًّا للغاية؟
* ما المشكلة؟ لماذا يعتقد عديد من الناس أنهم ليسوا مبدعين؟ إن عقول الأطفال الصغار تمتلئ بالأفكار، فما الذي يحدث عندما نكبر ونلتحق بالمدرسة ليجعلنا نعتقد أننا لسنا مبدعين؟
* ما الطرق الممكنة للحل؟ ما الإبداع؟ ماذا تستطيع الشركات والمدارس والمنظمات فعله لتطوير الإبداع والابتكار بطريقة مدروسة ومنهجية؟
في هذه الطبعة المنقَّحة (والتي تم الاعتماد عليها في الترجمة) يقدِّم كين روبنسون نهجًا رائدًا لفهم الإبداع في التعليم وفي الأعمال التجارية، ويرى أن الناس والمنظمات في كل مكان مضطرون إلى التعامل مع مشكلات تنشأ في المدارس والجامعات. فالكثيرون ينتهون من التعليم دون أن تكون لديهم أدنى فكرة حول قدراتهم الإبداعية الحقيقية.
من المؤكد أن لكل إنسان قدرات إبداعية حقيقية حتى ولو لم يكن مدركًا لوجودها، ومع الأسف ينتهي الكثيرون من تعليمهم دون أن يدركوا مواطن قدراتهم الإبداعية الحقيقية. فالإبداع، كما يقول روبنسون، هو أعظم هبات الذكاء البشري، فكلما زاد العالم تعقيدًا زادت حاجتنا إلى أن نكون أكثر إبداعًا لنتمكن من مواجهة تحدياته.
“لن نتمكن من الإبحار في بيئة المستقبل المعقدة عن طريق النظر المستمر إلى الخلف، والاستمرار في المسار الحالي: هل المدارس تقتل الإبداع؟!”
هذا الكتاب صدرت طبعته الأولى في 2001، ثم صدرت تلك الطبعة المنقحة المزيدة بعد أكثر من عشر سنوات، بسبب التغيرات والتطورات التي طرأت على العالم ككل من جهة، وفي عالم كين روبنسون الخاص من جهة أخرى. فقبل عشر سنوات كان استخدام الإنترنت ثانويًّا في حياتنا، ولم تكن هناك هواتف ذكية ولا فيسبوك ولا تويتر، ولا أيٍّ من مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية التي تؤثر على الثقافة والاقتصاد على مستوى العالم. كما أن هناك أفكارًا جديدة أراد المؤلف أن يضيفها إلى الكتاب في تلك الطبعة بعد أن عرضها وناقشها مع أناس من جميع المستويات، كرؤساء تنفيذيين لشركات متعددة الجنسيات، وسياسيين، وفنانين، وعلماء، وطلاب، وأولياء أمور، ومعلمين.
من أهم ما يتناوله هذا الكتاب هو تعمُّقه في سبب الحاجة الملحَّة إلى تطوير مواهبنا الطبيعية، وخصوصًا الإبداع، وفي كيفية وسبب ميل المنظمات بشكل عام- والتعليم على وجه الخصوص- إلى خنق هذه المواهب في المقام الأول!
ويهدف كين روبنسون إلى مساعدة الأفراد على فهم عمق قدراتهم الإبداعية وما جعلهم يشكُّون فيها، وتشجيع المنظمات على الاقتناع بقدرتها على الابتكار وخلق الظروف التي يزدهر فيها الإبداع، وتشجيع قيام ثورة الإبداع في التعليم. كما أن تحقيق إمكاناتنا الإبداعية يعتمد جزئيًا على إيجاد الوسيلة الصحيحة التي تمكننا من الوجود في المجال الملائم، ومن واجب التعليم مساعدتنا في ذلك، ولكنه غالبًا لا يفعل، بل إنه غالبًا ما يبعد الكثيرين عن مواهبهم الحقيقية ويقتلعهم من المجال الملائم لهم ولعقولهم. ويطرح في مقدمة الكتاب سؤال العنوان: “هل المدارس تقتل الإبداع؟ بالمعنى الحرفي”.
“حين أسمع البعض يقولون إنهم ليسوا مبدعين فإنني أعلم أنهم لم يكتشفوا بعد مكمن إبداعهم.”
يعد مفهوم الإبداع من المحاور الرئيسية التي يهتم بها كين روبنسون في كتابه، حيث يرى أننا كي نعرف ماهية الإبداع بوضوح وكيفية ممارسته بصورة عملية علينا أن نعرف العلاقة بين التخيل (وهو عملية جلب أفكار للعقل لم ترد على الحواس من قبل)، والإبداع (وهو عملية تطوير أفكار جديدة ذات قيمة)، والابتكار (وهو عملية وضع الأفكار الجديدة في حيز التنفيذ)، وهناك عديد من المفاهيم الخاطئة حول الإبداع بصورة خاصة. ولا بد لنا أن نعرف أن كل إنسان له قدرات إبداعية ضخمة كنتيجة طبيعية لكونه إنسانًا. وإن اختلفت تلك القدرات من شخص إلى آخر، ومهما تميَّز بعض الناس بقدرات أعلى، أو اتسم البعض بقدرات أقل.
كثيرون يعتقدون أن الإبداع يخص مجالات بعينها، كالفن، أو الإعلان، أو التصميم، أو التسويق، وكلها بالفعل أنشطة إبداعية، لكن ذلك لا ينفي أن العلوم والرياضيات وغيرهما من المجالات لا تقل أهمية الإبداع فيها. وفي بعض المدارس هناك أقسام مخصصة للفنون الإبداعية. فالإبداع ممكن في كل مجال ما دمنا نستخدم ذكاءنا.
يعتقد بعض الناس أن الإبداع يولد مع الإنسان، وأن الشخص إما أن يكون مبدعًا منذ ميلاده، أو لا يكون مبدعًا على الإطلاق، وتلك فكرة زائفة. فيمكن للناس أن يصبحوا أكثر إبداعًا من خلال وسائل عديدة، كما أن بعض الناس لا تكتشف مواطن إبداعها سوى في مراحل عمرية متقدمة.
ملحوظة هامة ينبهنا إليها كين روبنسون، وهي أن الإبداع يرتبط عادةً بالتعبير الحر، وهو ما يقلق البعض جزئيًا تجاه التركيز على الإبداع في مجال التعليم. 
ورغم أن الإبداع يرتبط في أذهان الكثيرين بالأفكار والتمتع والتخيل، فهو أيضًا يتضمَّن التركيز الشديد على الأفكار والمشروعات وتشكيلها في أفضل صورة. ويعتمد الإبداع، أيًّا كان مجاله، على المهارة والمعرفة والسيطرة. 
ينبِّهنا كين روبنسون إلى ثلاثة موضوعات رئيسية، أولها أننا نعيش في عصر الثورة، وثانيها أن بقاءنا وتطورنا يرتبط بقدراتنا وكيفية الإفادة القصوى منها، وثالثها أننا كي نحقق هذا البقاء والتطور فعلينا أن ندير منظَّماتنا، وخصوصًا المؤسسات التعليمية، بصورة مختلفة جذريًّا.
ومن الطرائف الملحوظة على مستوى العالم أجمع أن بعض أنجح الناس في العالم لم يكونوا متفوقين دراسيًّا.
ومن منطلق إدراك بعض الدول حاجتها إلى إعادة إصلاح أنظمتها التعليمية، بدأت التفكير في كيفية مواجهة هذا التحدي على المستوى التنفيذي “ولكن كما يقول لنكولن فإن التفكير بطريقة مختلفة لا يكفي، وإنما لا بد أن نتصرف بطريقة مختلفة.”
يناقش كين روبنسون أيضًا ظاهرة البطالة بين الشباب، وكيف زادت كثيرًا عن معدلاتها في السنوات الأخيرة: “حيث زاد معدل البطالة من 11.9% في 2007 إلى 13% عام 2009. وتؤكد منظمة العمل الدولية أن هذه الاتجاهات سوف تحدث عواقب وخيمة على الشباب كأفواج جديدة تنضم إلى طبقة العاطلين الموجودة بالفعل، وتحذر من خطورة ظهور “الجيل المفقود”، ويشمل الشباب الذين خرجوا من سوق العمالة وفقدوا الأمل في العثور على وظيفة تحقق لهم حياة لائقة.”
ومن أطرف الاقتباسات في الكتاب ما بدأ به روبنسون الفصل الثاني: “بحلول عام 2040، سوف يكون هناك نسخة احتياطية من محتوى عقولنا مخزَّنة على الحاسب، بحيث لا تسبب وفاة أي فرد مشكلة كبيرة في مستقبله المهني.” إيان بيرسون
تشير جميع الأفكار التي تم تناولها في هذا الكتاب بشأن التخيل والإبداع والابتكار إلى الحاجة الملحة لتبني نظرة مختلفة حول القدرة البشرية، في التعليم وفي التجارة والأعمال وفي مجتمعاتنا، وينظر المؤلف إلى هذه القضايا من منظور علم البيئة، الذي أحدث أثرًا عميقًا زاد من عدد المهتمين بالموارد الطبيعية على كوكب الأرض. “وبما أن هذه القضايا ليست ثانوية فالتغيرات المحيطة بزمننا وظروفنا كثيرة وعميقة وبالغة التأثير، ولمواكبة هذه التغيرات فإننا سنحتاج كل ذكائنا، وكثيرًا ما يقال إن التعليم والتدريب هما مفتاح المستقبل، وهما كذلك بالفعل ولكن يمكن أن تدير المفتاح في اتجاهين: إذا أدرته إلى اتجاه ستغلق على الموارد تمامًا، أما إذا أدرته إلى الاتجاه الآخر فستطلق العنان للموارد وتساعد الناس على إعادة اكتشاف أنفسهم، ولإدراك القدرات الإبداعية الحقيقية في منظماتنا وفي مدارسنا وفي مجتمعاتنا نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف في أنفسنا، وإلى التعامل بشكل مختلف بعضنا مع بعض. يجب علينا أن نتعلم كيف نكون مبدعين”. 

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *