*لينا شدود
خاص- ( ثقافات )
لست موهوبة إلى الحد الذي يمكنني
من كتابة أفكاري لكم بدون شوائب.
منذ أمد بعيد وأنا ألوذ بالصمت..
صمت ربما يمنحني طمأنينة ناسك،
استسلمت له غابة البتولا القريبة بعد أن
دحرَت كل الأصوات البشرية.
لم ينقضِ الشتاء بعد
والحافلة تأخرت
هي عادة تتأخر،
يمنعني ذلك الشلال الغاضب من سماع صوت بوقها.
أتحسّس زهرة لوتس متيبسة في يدي،
تكدّست فوقها ذرّات الزمن
حتى صارت هكذا..
زهرة لوتس متيبسة وخائفة.
الناجون من الخوف..
أزهار لوتس متيبسة وخائفة.
لا شيء سيهبط من السماء .
كل الأفكار التي سقطت تجسّدت
على شكل ضباب.
بحذر أتفحّص المشهد، أجرّبُ
خطف ما تبقّى من ضوء كي أُخفّف من نهم هذا العبَث.
لن أستعجل أية نبوءة.
لي بئري الخاص، أهبط إليه متى أشاء وأصرخُ،
فيخرج مني كل الضباب.
أعرف أن عمري من عمر هذه الأرض، أو ربما
كنت يوماً شاهدة على الانفجار العظيم.
لا أقبل أنني الآن في نهاية النهاية،
سأدع الزمن يتمدّد داخلي بينما أبحث عن طريقة
للخروج من هذا الشرك.
الأصابع على المفصل ترتجف.
في ساعة الصفر نسيتُ كل شيء.
مادة الكون المظلمة تسدّد نحو القلب، ليس أمامي
سوى أن أستعين بالجمرات المتروكة في القعر.
ترفضُ خلايا الجسد أن تَفنى. ربما..
لم يتأخر الوقت بعد،
ها أنا أتمكّن من الارتفاع أكثر،
سخاءُ الخاطرة أبقاني جديدة..غضّة،
ولكن قريبة من السماء أكثر. .
كنتُ أظنها زرقاء.
تقول الأغنية:
كانت بيضاء وهو أسود، أو ربما سوداء وهو أبيض،
لا أذكر أيهما غدرَ بالآخر، لا فرق
طالما أن الألوان تتنافر وتتبدّل لصالح الضباب.
في كل مرة أجلس في مقدمة المركب،
أتحاشى النظر في عين النهر،
حتى لا أرى تلك الفتاة الصغيرة وهي
تكنس الفناء، وكيف كانت من حين لآخر
ترفع رأسها عالياً، وتفكر
إن كانت تلك الفسحة السماوية ستكفيها
يوماً ما للتحليق.
كل هذا القرع الرتيب من حولكِ
ــــــ ــــــ ــــــ ـــــ ــــــ
ولم تعرفي بعد كيف تدخلين في إيقاع الكون.
كفّي عن التململ،
واضغطي على الصدغين كي لا تنسي اسمكِ.
لأسباب مجهولة رحل جسدكِ،
وأصبحتِ هكذا.
بقفزة واحدة،
حقيقةً، كانت قفزة هائلةً،
وتحديداً في يوم مشمسٍ،
بعدها غادرتُ الشطآن المائجة
غير مكترثة بكل الأجراس التي
كانت تدقّ وتدق بعنف خلفي،
ولا بحروفي الطافية، المتروكة هناك،
بل عاكستُ الريح وأخذتُ الدرب المنحدرة إلى
زمنٍ لم أكن أوقن بوجوده.
شاقّة كانت عودتي..
ضربة شمس.
بماذا كنتَ تفكرين وأنت تنتظرين انفجار عاصفة التصفيق،
لا شك أن هذا الضوء المتقافز قد أعماكِ.
إن طالت قصائدكِ أو قصرَت
تعرفين كيف تقرأينها بخشوع..
قصائدكِ الشغوفة بكِ..
الغافلة عن دورات الزمن المثيرة للهلع.
تُخفضين صوتك أكثر وأكثر
فتطير كلماتك،
كلمات تُنجِبُ وتُميت..
كلمات لا تطلب العون من أحد،
بين حلبات الرقص والموت
تنتفخ الأرض بها.
كلمات تعرف كم تبقّى من الوقت
كي يغرق العالم،
بعناد تتبعثر هنا وهناك
فارّةً من الغرف السرّية..
فارّةً من عجزها
إلى حمرة الشفق المتطاولة على آفاق
تنحتها وتُصيّرها
كلمات لا تعود.
ــ جميعهم أخطؤوا،
وأنا مازلت أحمرّ خجلاً وغضباً.
كم أخشى أن تفقد قصائدي صلتها مع العالم!
كل ما أحمله الآن خطاب توصية إلى
جزيرة مُتَخيّلة،
ولكن ماذا عن الصدف التي
ستحدث؟
ثمة فاصل هزلي بين حرب وأخرى،
وريثما ينتهون من إرسال دخانهم إلى السماء،
سأتغاضى عن الأبواب التي تصفق خلفي.
ما حجتك الآن أيها الليل؟
أنا وأنت الآن وحيدان،
حدثني إذاً عن تلك الكائنات
التي مسختْها الآلهة وشرّدتها
حتى اندَثرت.
هل يحزّ في نفسك أن كلّ ما خبرته من أهوال
سيفقدك جلالك؟
مثلك أخشى أن يعرف الشعر
أنني أتقدم في السن.
يصعب تحطيب أشجار تلك الغابة..
غابتي الأثيرة،
ظلال كثيرة تحميها..
ظلال بأقدام صغيرة.
________
*شاعرة من سوريا