خاص- ( ثقافات )
وجهت الشاعرة الأردنية والباحثة زليخة أبو ريشة الرسالة التالية المفخخة بالدلالات والعتاب إلى وزيرة الثقافة د. لانا مامكغ مما يفتح المجال إلى سجال جديد في الساحة الثقافية الأردنية الراكدة منذ سنوات في علاقة المثقفين بالسلطة :
منذ ثلاثة أسابيع طلبتُ موعداً للقائك، وحتى الآن لم أسعد بجواب. وكنتُ من قبل قد طلبتُ رعايتك لحفل إطلاق كتابي الصادر عن وزارتك التي وفَّرتْ لي منحة “التفرغ الإبداعيّ” لكتابته (هذا البرنامج الرائد في المنطقة العربيّة والذي ألغيتِه منذ اللحظة الأولى لتوليك المنصب، شاهرةً في يدك سيف التأنيب والوعيد). وتقصَّدتُ أن يكون الطلب قبل الموعد بشهرٍ ونصف حتى تتأكدي من قدرتك على الحضور، وفي ذهني، حتى تُسكتي الأفواه التي تتحدَّثُ عن تعالٍ مزعوم!! فكان ردك الكريم في الاتصال الهاتفي أن أكتبَ لك كتاباً بهذا المعنى، وهو أمرٌ مستهجَن لأني لستُ موظَّفةً في الوزارة، بل كاتبة وشاعرة أظن لها حضورٌ ما في الداخل والخارج! ومع ذلك فعلتُ من باب حسنِ الظنِّ بك وخبرتك القليلة. وكانت المفاجأة أنَّ معاليك لم تحضر، وكلَّفت آخر من الصفّ الثالث في وزارتها! وكان بالإمكان الاعتذار بنفسك! أو الاتصال لشكري على نسخة الكتاب التي أهديتُها إليك! ماذا يمكن أن نسمّي هذا؟
الموعد الذي أطلبُه ليس لدواعيَ شخصيّة، وإن كان لي كلُّ الحقِّ بذلك، بل لأقدم مساهمةً فكريةً تُعينُ في مواجهة واقع العنف وأخطار الإرهاب، مما تعلم السيدة الوزيرة حقَّ العلم مقدار انشغالي بهذا الهاجس. ولدفع وزارة الثقافة، أي وزارتنا قبل أي أحدٍ من الشعب الأردنيّ، لكي تتحرَّك باتجاه الاهتمام بالراحلين منا، ومنهم واحد من أهمِّ رموز الثقافة والإبداع في الأردن والوطن العربيّ؛ أقصد الأديب الكبير المرحوم جمال أبو حمدان، الذي أجابني عندما سألتُ وأنا أودِّعه قبل فراقه هذا العالم البائس: على من تريدني أن أسلِّم هنا في الأردن؟ فذكر لي شخصين وحضرتك. ولم أستطع حتى الآن أن أوصل إليك سلام الراحل الكبير، الذي يبدو في مكانه الآن متعجِّباً!
كنتُ أودُّ أن أطرح عليك فكرة احتفالية لجمال العزيز على قلوبنا جميعاً، تتولى الوزارة ورابطة الكتاب إقامتها، مما سيُخفّفُ من العتب الذي يُوَجَّه إلى الوزارة كلما قصَّرت بحقِّ أحدنا أو إحدانا. بعبارةٍ أخرى، أن أَنسُب بعضَ الفضل بتذكّرنا بعد أن نموت إلى وزارة الثقافة.
ولكن يبدو أنَّ معاليك في أعباءٍ طاحنة تُنسي أسماء أهل الثقافة ومكانتهم/ن، وتُنسي أن تجاهلَ أديبين أردنيين (جمال وأنا) من وزارتهما إهانةٌ كيف يمكنُ أن تُغتَفر؟ متمنيَّةً حقاً أن تتجاوز هذه الوزارة يوماً ما الاختناقات الأخلاقيّة والفكريّة والتكتيكيّة والمبادئيّة واستعراض القوة والسياسات الغلط التي تُعاني منها كلما وُضِعَ فيها الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، أقصد صراحةً من تستشيرين في الوزارة، والذي يبدو كأنَّ له ثأراً مع الثقافة وأهلها، وغيره من الوافدين عليها والوافدات من وزراء وأمناء عامين، قلةٌ منهم كانوا على قدرٍ نُجِلُّه من الإنجاز والاحترام، وقلَّةٌ أخرى قفزت من الهامش إلى المركز فأصابها الدوار! وأخرى محضُ ملء فراغ!! ولأظنُّ أنَّ هذا كان رأيك قبل المنصب.
ومن دون أن أسأل عن الإنجاز، آمل الرُّشدَ للوزارة وتوخي روح الثقافة وجوهرها وهي تتعاملُ بقشر المعنى. وأن تتذكَّرَ أنَّ المحاسبيّة التي ندعو إلى تطبيقها تتضمَّنُ سؤال المسؤول فيما أنفق وقته وجهده ووقت غيره وجهده والمال العام الذي يخرجُ إليها من جيوبنا، فكلُّ سلوك إهمالٍ أو تراخٍ إنفاقٌ للمال العام في فساد. ثم ما هي هذه الوزارة التي لا ترمم ولا تنشئ؟ بينما الإعصار الإرهابي على الأبواب؟ وما هو المشروع القوميّ الذي جاءت به وزيرتنا لتعيد به رتق ما انفتق من نسيج الثقافة مع الأخلاق، حيث غدت ثقافة الناس تعبداً وحجاباً بلا مضمونٍ أخلاقيّ؟
وعلى ذلك حُرِّر…
زُلَيْخَة عبد الرحمن أبوريشة
شاعرة وباحثة وكاتبة عمود وناشطة حقوقيّة (أربعون عاماً في خدمة الثقافة)