‘امرأتان’ رواية عن الفشل في مواجهة المجتمع وسيطرة الذكر المتوحش



*عمّار المأمون

أن تحب يعني أن تتفانى حتى النهاية، هي عاطفة جوهرها الخسارات، والنتائج المترتبة على هذه العاطفة لا تحتسب، فحين يقف الواقع بقسوته في وجه العاطفة، يصاب العاشق بالفصام، ويعيش عالمين؛ عالمه الخيالي مع من يحب، والعالم الآخر المتمثل في الواقع الفعلي الذي لا يتطابق مع رغباته، هذه الرؤية تمثل الثيمة التي تطرحها الكاتبة السعودية هناء حجازي في روايتها الأولى “امرأتان”، الصادرة عن دار الساقي هذا العام في بيروت.

تتناول رواية “امرأتان”، للكاتبة السعودية هناء حجازي، سيرة امرأتين، ليلى ومرام، كل منهما تقع في حب رجلين مختلفين، لكن كلا منهما تذوق من العذابات ما يجعل حياتهما تنهار تباعا، فليلى التي تحب أحمد وتريد أن تصبح زوجته يقف والدها في وجهها، إذ يريد تزويجها من ابن عمها، بعد الزواج لا يلبث أن يطلقها بسبب محاولتها لقتله لأنها تكرهه، بعد ذلك تحاول أن تلجأ إلى القاضي دون علم أهلها كي يزوّجها هذا الأخير من حبيبها أحمد.
إلا أن القاضي يعيدها إلى والدها الذي يضربها ويحبسها ثم يسعى إلى تزويجها من عجوز يفوقها في العمر لتكون متاعا له، أما مرام فتقع في حب سامي، وهو مثقف وكاتب يعيد تكوين حياتها وشخصيتها من جديد بل وحتى لغتها، تعيش معه خمس سنوات دون عقد زواج، متجاهلة كلام الآخرين عنها، إلا أنها تفاجأ في النهاية برغبته في الزواج من غيرها، إذ يتركها وحيدة لتتحول حسب تعبيرها إلى امرأة رخيصة بعد أن كان قد أقنعها بعدم أهمية الزواج.
عوائق كثيرة
العوائق التي تقف في وجه كلا المرأتين وتمنعهما من تحقيق “حبّهما”، مرتبطة بالذكر وسيطرة المجتمع الذكوري، حيث يتنوع العنف الممارس ضدهما بشتى أنواعه، فليلى يضربها أبوها ويعذبها وينسحب ذلك على أمها التي استسلمت للعنف الجسدي والمادي منذ زمن بعيد، مأساة ليلى هي إعادة إنتاج لمأساة أمّها.
فالأمّ برغم كل شيء نراها تجنح للمصالحات، حتى يسير كل شيء حسب مشيئة زوجها والد ليلى خوفا من الضرب والفضيحة، أما مرام التي نراها متحررة وتعيش كما تريد، تفاجأ بالصيغة الذكورية للمجتمع، فمهما كان الذكر متحررا في علاقته مع الأنثى لا بد في النهاية من أن يطغى خطاب المجتمع، الفرد قاصر عن الوقوف في وجه الأسرة والمجتمع وما يحملانه من قيم.
وهذا يعيدنا إلى حادثة طلب أحمد الزواج من ليلى، فوالد ليلى رفض تزويجها منه لأنه لا ينتمي إلى أسرة مرموقة، حتى القاضي الذي من المفترض أن ينتصر للضعيف نراه يعيد ليلى إلى والدها بعد محاولتها تزويج نفسها من أحمد وتقديم شكوى ضد والدها.
إنتاج العنف
الرواية مليئة بالعناصر التي تجعل حياة الأنثى مستحيلة وفق هواها أو وفق رغباتها حتى وإن كانت في إطار الضوابط والأعراف الدينية والاجتماعية، فالعنف المتمثل في الضوابط والأعراف يأخذ أشكالا تجعله يتفوق على رغبات الأفراد حيث يحدد العلاقات وطبيعتها شكلا، وأيّ أحد يحاول الوقوف في وجه خطاب العنف هذا ينبذ ويتعرض لأشدّ أشكال العذاب كحالة ليلى، وحتى سامي الذي أحبته مرام يستغلها من أجل مساعدتها للكشف عن مصير ليلى بعد أن حُبست في بيت أهلها، وكأن آلية الاستغلال الذكوري تحضر حتى لو كان الرجل يدّعي أنه متحرر من القيود التقليديّة.
العنف هنا يعاد إنتاجه بصورة أخرى، حتى النموذج المضاد المتمثل في سامي جعل مرام دون أيّ سند، علما أنها قادرة على الحياة مستقلة، إلا أن حضور الذكر في حياتها جعلها تنصاع أيضا لشكل العلاقة الذي يريد.
معضلة الجنس
الجنس حاضر في الرواية بأشكال مختلفة، بالنسبة إلى ليلى التي لم يمس جسدها جسد من تحب، نراه تجربة مليئة بالعنف والكراهية، حتى بالنسبة إلى أمها التي كانت تتعرض للضرب نهارا، نراها في الليل ملك زوجها بالسرير.
أما مرام فرغم علاقاتها الجنسية الواضحة، إلا أن الخفاء والتستر هما السائدان والحاضران دوما؛ العلنيّة التي كانت تعيشها مرام جعلت الفعل الجنسي بينها وبين سامي المحرك الأساسي لعلاقتهما، اللمس المتبادل والنظرات بل حتى الألاعيب التي مارستها على سامي لإغوائه والحصول على عونه، جعلتها أقرب إلى السلعة الجنسية، كل أحلامها عن الرجل المثالي المتخلص من العقلية الشرقية انهارت، لتطغى على الرواية صيغة الذكر الرهيب ملتهم الجسد.
أما الصورة المناقضة للذكر والمتمثلة في أحمد تتلخص في مسّ الجنون الذي أصابه، واختفاء ليلى أمام عينيه في غرفة القاضي جعله مجرد ذكرى، غياب الفعل الجنسي بينه وبين ليلى جعل حضوره مهمشا ضمن المأساة، فأحمد هو مجاز عن ذكر مثالي، وليس ذكرا واقعيا، ولا ذاكرة مكتملة بينه وبين ليلى لأن الجسد لم يمسّ الجسد بصورة فعلية.
نلاحظ في الراوية نقاط انقطاع في السرد وبصورة أدق نقاط من اللاحسم، والتي تترك المجال مفتوحا أمام القارئ لملء الفراغات التي لا يقدم النص عنها معلومات، فتبدو الأحداث متسارعة، وكأن الموت قريب وهو الحل الأخير، وهذا ما يحدث في النهاية، فخيار الانتحار الذي تقدم عليه كل من ليلى ومرام هو تمرّد جسدي ضدّ الأفكار التي تقف في وجهيهما، وهو الخيار الوحيد الذي تمتلكانه بحرية، الانتحار هو لحظة إعلان عن الحضور لكنه يعني الفناء في نفس الوقت، فالحرية فيه مرتبطة بلحظة الإقدام عليه فقط ثم الغياب، وكأن الزوال هو نهاية أولئك الأفراد الذين يرفضون سلطة ما هو قائم.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *