«الصورة العدائية عن الإسلام» … رؤية لكاتب شجاع


*محمدعويس

في كتابه «الصورة العدائية عن الإسلام»؛ الصادر حديثاً عن «الدار المصرية اللبنانية» في القاهرة بترجمة نهلة ناجي، لخص الألماني يورغن تودينهوفر نتائج خمسين عاماً من الرحلات والأسفار في العالم الإسلامي وعشرة أعوام من ردود الأفعال الغربية الخاطئة على تحديات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وهو يعرض فيه بكل جرأة ووضوح وجهة نظره في ما يعرف بإرهاب المسلمين، ومناهضة الإسلام السياسي في عصرنا الحالي، من خلال تقديمه عشر أطروحات تفند الصورة العدائية عن الإسلام في الغرب، وتقدم الحقائق التاريخية التي تثبت جهل الساسة الغربيين بطبيعة العالم الإسلامي وكذلك التضليل والتزييف المتعمد للحقائق من قبل الآلة الإعلامية الغربية، كما يعرض المعايير المزدوجة التي يتعامل بها الغرب مع البلدان الإسلامية منذ الحقبة الاستعمارية وحتى الآن.

وهو في ذلك يختلف تماماً عن غيره من الساسة والكتَّاب الغربيين الذين يتحدثون عن القرآن وعن الإسلام والمسلمين، من دون أن يقرأوا القرآن أو يزوروا بلداً إسلامياً ولو لمرة واحدة، فتودينهوفر لا يحب أن يسمع عن المسلمين وإنما يسمع منهم، ولذلك فإنه يفضل أن يكون دائماً مع الناس البسطاء في قلب الحدث، وهو الأمر الذي دفعه أيضاً إلى زيارة مصر وقت ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، والتوجه إلى ميدان التحرير والسماع من الناس. كما كان له موقف شجاع من عرض الفيلم المسيء للرسول محمد (صلعم) في أيلول (سبتمبر) 2012، فقد رد على ذلك بوضع فيلم باللغة الإنكليزية على قناة «يوتيوب» يحمل اسم «براءة المسلمين وذنب الغرب»، يواصل فيه دفاعه عن الإسلام والمسلمين من خلال عرض أطروحاته، والتى يخلص فيها إلى نتيجة مفادها بأن الغرب لن يتمكن من هزيمة الإرهاب الذي تمارسه بعض الأقليات المسلمة إلا إذا قضى على أسبابه العميقة والتي تكمن – وفق وجهة نظره – في انتهاج الغرب في معاملة الإسلام والمسلمين نهجاً لا يحترم إنسانيتهم، ولا يساوي بينهم وبين اليهود والمسيحيين. وهو في كتابه يوجه رسالة إلى العالم الغربي مفادُها بأن السلام العالمي والقضاء على العنف الذي تمارسه أقليات إرهابية في العالم الإسلامي مرهون بمعاملة الغرب للعالم الإسلامي بعدل وسخاء بالقدر نفسه الذي يعامل الغرب به إسرائيل ويرغب في أن يعامله به الآخرون. وكذلك يطالب المسلمين بأن يقدموا إلى العالم الوجه الحقيقي لدينهم، وأن يخلعوا عن الجماعات الإرهابية قناع الدين الذي تتخفى وراءه، ولابد من أن يكون أسوتهم في ذلك نبيهم محمد الذي لم يكن الدين الذي أتى به وكرَّس حياته من أجله دين جمود أو تخلف أو كراهية، وإنما دين تجديد وتقدم وتسامح.
يتميز الكتاب ببساطة أسلوبه وعرض الحقائق التاريخية بسهولة ويسر، من دون تعقيد أو تقعير، ويقدم رؤية للأوضاع الراهنة من منظور كاتب وسياسي غربي منصف، يحارب بقلمه الشجاع وكلماته الصادقة التي يوجهها إلى أبناء جلدته في سبيل إيقاظ الضمائر، ووقف سفك دماء الأبرياء، ونشر التفاهم والمحبة والسلام بين الغرب والعالم الإسلامي.
ويرى تودينهوفر أن البابا يوليوس الثالث عندما أطلق مقولته «ستندهشون أيَّما اندهاش من قدر التهور الذي يحكم به العالم»، كم كان محقاً، فالجهل عادة ما يكون على القدر نفسه من الخطورة التي يكون الشر عليها. وكثير من القرارات الخاطئة التي اتخذها الغرب في شأن العالم الإسلامي تتعلق بجهل الغرب بأبسط الحقائق.
كما كان تودينهوفر طيلة خمسين عاماً يشعر بالمرارة والخزي في أثناء رحلاته في البلدان الإسلامية بسبب الحماقات المتهورة التي يرددها وينشرها الساسة والكتاب الغربيون عن العالم الإسلامي. يمكن أن تتعايش مع هذا الشعور بالخزي، ولكن كيف تتعايش مع العواقب الوخيمة التي يسببها جهل ساستنا في أفغانستان، والعراق، وغيرهما من البلدان الإسلامية؟ فقد كتب الموت على آلاف الشباب الأميركيين وعلى مئات الآلاف من المسلمين من جراء ذلك، وما زال هناك من يلقون حتفهم حتى يومنا هذا.
فهو عندما يتحدث عن «الغرب»، فإنه يقصد في المقام الأول الدول الغربية الكبرى، فهناك دولة غربية لم تقترف آثام الاستعمار القديم والاستعمار الحديث قط. وكان هناك وما زال يوجد في الغرب، أناس لا حصر لهم يسعون جاهدين في كل وقت من أجل معاملة عادلة للمسلمين.
ويرى أن الأمر نفسه ينسحب على مفهوم «العالم الإسلامي»، فهو تعميم لا يتناسب مع التنوع الذي يميز الدول الإسلامية الطابع، وعلى رغم ذلك فقد آثر استخدام هذا المصطلح ليتمكن من عرض الخطوط العريضة للعلاقات بين الشرق والغرب في قالب واضح.
ويعترف تودينهوفر بأن أطروحاته ستثير نقداً حاداً في شأنها، وهو الأمر الذى اعترف بتقبله تماماً، ولكن على أمل بأن تُفتح أيضاً النوافذ لرؤية مختلفة للعالم الإسلامي، أو على الأقل تمهد لبدء نقاش عادل، ووفق قوله « فليس هناك ما يجعلنا غير محصنين في مواجهة الأخطار مثل الجهل المطبق علينا»، وهذه الخطوط هي: الغرب أكثر عنفاً بكثير من العالم الإسلامي، فقد قتل ملايين المدنيين العرب منذ بداية حقبة الاستعمار وحتى الآن، ليس هناك ما يدعم الإرهاب أكثر من «الحرب على الإرهاب» التي يشنها الغرب، فهي برنامج تفريخ للإرهابيين. الإرهاب ليس مشكلة تخص المسلمين في المقام الأول، وإنما مشكلة عالمية. الإرهابيون المتمسحون بالإسلام قتلة، وكذلك هؤلاء الزعماء المتمسحون بالمسيحية الذين يشنون حروباً هجومية تتعارض مع القانون الدولي. كان المسلمون وما زالوا على القدر نفسه من التسامح الذي عليه اليهود والمسيحيون، وربما أكثر، وساهموا في تشكيل الثقافة الغربية إسهاماً حاسماً. حب الله وحب الآخرين هما من الوصايا الجوهرية، ليس فقط في الكتاب المقدس، ولكن أيضاً في القرآن. تعاني السياسة الغربية تجاه العالم الإسلامي من جهل مخيف بأبسط الحقائق.
______
*الحياة

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *