مفلح العدوان: نحتاج إلى عمل جاد وحقيقي لمواجهة الافكار السلفية والظلامية


*محمد الحمامصي

تحفل مسيرة المبدع الأردني مفلح العدوان بالكثير من الإبداعات والأعمال في مجالات القصة القصيرة والمسرح، التي وجدت متابعة واهتماما نقديا كبيرا سواء منها مجموعاته القصصية “الرحى”، “لدواج”، “موت عزرائيل”، “موت لا أعرف شعائره”، و”عمان الذاكرة”، والتي ترجم الكثير منها إلى اللغات الأوروبية، أو مسرحياته “عشيات حلم”، “ظلال القرى” و”آدم وحيدا”، التي عرضت على مسارح أردنية وعربية وغربية، هذا فضلا عن حضور نشط وفاعل في الفعاليات والأنشطة الثقافية والفكرية التي تقام هناك أو هناك على اتساع العالم العربي.

وقد ترأس العدوان اتحاد كتاب الانترنت العرب لفترة طويلة، وقدم العديد من الدراسات والمقالات المهمة حول الكتابة الرقمية، منها “الأدب الرقمي.. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية”، “الكتابة الرقمية.. ومأزق الناقد الورقي”، “رواية الواقعية الرقمية .. وفرضية المُفسد الرابع”، “ثقافة الصورة.. والتكنومثقف”، “الكتابة الرقمية.. ابداع المستقبل”، “البيو- تكنولوجيا.. سعادة الرقيق”، “عولمة الأسطورة”، “رعاة الموت”، و”المراكز الثقافية العربية..الى أين؟” وغيرها.
وفي هذا الحوار معه يلقي الضوء على الكثير من القضايا الحيوية بعضها يرتبط بما يجري على الساحة العربية من أحداث وبعضها يخص دور المثقفين في الحيلولة دون تفاقمها واتساعها.
بداية وحول ما تتحمله المملكة الأردنية من أعباء كثيرة جراء تحولات الساحتين العراقية والسورية خاصة وما يرعى فيهما من جماعات تكفيرية وإرهابية وصراعات مذهبية وطائفية، ومدى التهديدات والتأثيرات التي توجه الساحة الداخلية، يؤكد العدوان إن المنطقة العربية جميعها تعاني من مواجهة حقيقية مع تلك الجماعات الارهابية، التي تعبر عن كثير من الأفكار الظلامية، والتي ترفع شعار الإسلام وهو بريء منها، لكونه دين تسامح وحوار ومحبة وتعايش.
ويضيف أن هذه الجماعات تعبر عن وجه بشع بعيدا كل البعد عن الأديان والانسانية، والأردن محاط بها، ويعاني من انعكاستها، لموقعه الجغرافي على تماس مع العراق وسوريا، ولموقفه الواضح في مواجهة التطرف والارهاب، مما جعله يتأثر بطرق مباشرة وغير مباشرة من تلك الحالة وعلى صعد كثيرة، إضافة إلى حجم اللاجئين من سوريا بحكم الجوار والحدود، وكذلك اقتصاديا، مع ضيق الامكانات التي يعاني منها، والبنية التحتية التي تأثرت بهذا الوضع، حيث قدم التضحيات والشهداء وهو محافظ على موقفه من التطرف والارهاب في جانب، ودعوته النابعة من رسالته في إحلال السلام ورفع راية التسامح والتنوير.
إنها مواجهة حقيقية، ولكن كان لها آثار إيجابية من حيث وحدة المجتمع، والدولة، في مواجهة حالة التوحش هذه، والتصدي لكل مظاهر الارهاب، والتوسع في دعوات التنوير والوحدة العربية لتجفيف منابع التطرف أنى كانت وعلى كافة الصعد.
تصارع الأفكار
الأفكار تتصارع في المشهد العربي بين التيارات التكفيرية والمتطرفة والارهابية وبين التيارات المعتدلة والتيارات الليبرالية والعلمانية. هذا المشهد يقرأه العدوان موضحا أن “هناك ارهاصات أسست للحركات التكفيرية، وأسباب بعضها اجتماعي وبعضها اقتصادي وسياسي، ولكن ربما كان هناك انكفاء خلال الحقب الماضية للتيارات المعتدلة والليبرالية في منطقتنا، مما ترك الساحة متاحة لنمو الافكار الظلامية التكفيرية، ولم تكن المجتمعات العربية محصنة بحراك معتدل واع تنويري، فاستطاعت تلك الأفكار السلفية والظلامية أن تتغلغل فيه، لوجود التربة الخصبة لاستقباله، وأعتقد أننا بحاجة إلى عمل جاد وحقيقي في سبيل مواجهتها، خاصة وأنها تمتلك قواعدها على الارض، وتحتكم للدم والسلاح والفتاوى الانتقائية التي تبيح الدم والحرب والتكفير تحت مسمى الجهاد، والانتصار للدين، ولكن لدي قناعة أنه في النهاية سيكون هناك حضور للاعتدال والتنوير والليبرالية، ولكن نحتاج الى تضافر كل الجهود على المستوى الشعبي والرسمي، الفكري والثقافي، ليكون هناك تحصين للمجتمعات للخروج من هذه الأزمة”.
• صراع المصالح
ويرى العدوان أن الحرب القائمة في جوهرها صراع مصالح، وهناك كثير من الفصائل والجماعات تخوض الحرب بالانابة عن قوى ودول لها مصلحة وأطماع في المنطقة، إنها تستثمر الخلافات القائمة، ليكون هناك ظهور على السطح للطائفية، وحروب الأديان، والحرب في جذورها ليست فكرية، ولكن لا بد من مواجهتها بالوعي والفكر والتنوير، وعلى المفكرين والمثقفين والعلماء والأكاديميين أن يكون لهم دور في طرح بدائل تمتص حالة الاحتقان هذه، وكذلك على الأنظمة أن تتقدم خطوات في الاصلاحات والحريات ووضع برامح تنويرية مجتمعية وتدفع بهذا الاتجاه، مثلما تقدم الموازنات والأموال للحروب والسلاح والأمن. هناك أمن مجتمعي وفكري وحياتي صار يفتقده المجتمع العربي والاسلامي”.
• فضاء الحرية
ويلفت العدوان أن “الحركة الثقافية والابداعية دائما تحتاج إلى فضاء من الحرية والتسامح المجتمعي والدعم والبيئة المناسبة لتنتج وتعطي وتبدع، ولكنها رغم تفاوت هذه الأسباب من منطقة إلى أخرى في الوطن العربي، فإن حركة الإبداع والثقافة تبقى عاملا محركا، وتجترح الطرق لتعبر عن نفسها حتى في أسوأ الظروف، ولعل الجبهة الثقافية ما زالت متماسكة، وتعبر عن أحلام وآمال المجتمعات، وهي في حراك دائم، وأرى أنها استطاعت أن تصمد، وتتفاعل، وتقدم الجديد والايجابي، بل إنها استفادت من التقنيات الحديثة، ومنابر النشر الإلكتروني، كفضاء بديل للحرية والتعبير والنشر، وهذا ما نلاحظه في التجديد على مستوى الشعر والرواية والسينما وغيرها من الفنون، ووعي المثقف بدوره الحقيقي في ظل تراجع السياسي والظرف الاقتصادي، فكان حراكا ثقافيا موازيا ايجابيا، وظني أنه سيفرز حالة ثقافية عربية مختلفة”.
• دور المثقفين
وحول رؤية العدوان للدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقفون في مواجهة الفكر المتطرف والارهابي، وهل يقوم المثقفون بهذا الدور أم أن هناك تحديات تواجههم في سبيل القيام به؟ يقول “استكمالا لما سبق فإن دور المثقف مهم على صعيد الحالة العربية بشكل عام، وكذلك في ظل خصوصية كل مجتمع في إطاره الوطني، لأن الهم عام، وموجة التكفير والتطرف، طالت جميع الساحات، وتداخل فيها العام بالخاص، والشعبي والرسمي، وهنا يكون الدور المأمول من الثقافة والمثقفين، والمفكرين، والمبدعين، كبير ومهم، لاستخدام كل أدواتهم في عقلنة المجتمعات، والحد من حالة الجنون والدماء والتعصب وتهذيب العقل العربي، من خلال نظريات فلسفية واجتماعية جديدة، وابداعات تنويرية، تسير باتجاه الوسطية والتسامح والحياة المدنية، وهذا ما يقوم به المثقفون، ولكن أثر فعلهم يحتاج الى وقت لأنهم يعملون في سياق الروح والعقل، وبناء المجتمع مرة أخرى بعد أن تصدع بفعل الأفكار الظلامية، وقمع الحريات، والفوضى التي يعيشها الوطن العربي”.
• اتحاد كتاب الانترنت
ويقول العدوان “فكرة اتحاد كتاب الانترنت العرب، ولدت قبل عشر سنوات، وكانت الظروف مختلفة، حاولنا من خلاله التأشير الى أهمية الأدوات الجديدة، والوسائط الحديثة في خلق مفهوم جديد للكتابة، واستثمار هذا الفضاء الالكتروني لزيادة المحتوى الكتابي العربي على شبكة الانترنت، والتطوير في الشكل الكتابي، وكانت الانطلاقة قوية، وتم تأسيس لاتحاد حقق كثير من أهدافه وتولدت هيئات ومنظمات أخرى تعمل على ذات الاهداف، ولكن بعد عشر سنوات تغيرت أشياء كثيرة في السياق التقني والمؤسسي، والاتحاد يعمل من خلال أشخاص، ولكن كان لدور الكتابة على الانترنت أثر كبير في النشر، والتعبير، واجتراح نوع من التجديد، وهذا ما يعمل الاتحاد عليه منذ تأسيسه، وهو من أوائل المؤسسات التي نبهت الى خطر التطرف، ومصادرة الحريات، والظلامية، ودعت الى الوسطية، والتنوير، والحوار. وقد كنت رئيسا للاتحاد خلال فترة من عمره، والآن هناك زملاء يعملون على استمرارية الاتحاد ليكون جبهة ثقافية مع الهيئات الثقافية والابداعية الاخرى في مواجهة الفكر المتطرف.
_________
*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *