*إبراهيم حمزة
“وكان مما أعانه على الانطلاق في الحياة أن الله سبحانه وتعالى، أكرمه بزوجة صالحة، ساندته بمالها وحدبها، لم توجه له يوماً أخف لوم، وكان جديراً في أحيان كثيرة بلوم كثير، ولو كنت من الناشرين لهممت بكتابة اسمها بجانب اسمه على ديوانه، فلو كان مكان هذه الزوجة زوجة عبوس غضوب، لتلجلج لسان أحمد شوقي وعجز عن إبداع كل هذا الشعر الجميل” .
هكذا تحدث يحيى حقي عن دور زوجة أحمد شوقي في مسيرته الشعرية، وهو دور مهم جداً، أي أنها أتاحت له أكبر قدر من التفرغ الروحي للإبداع، من دون أن تقوم بدور ما كملهمة أو محبطة، وهو الدور الذي يتشدق به كثير من المبدعين في محاولة لرسم صورة نموذجية للزوجة بجوار زوجها المبدع .
لا يمكن للعالم أن ينسى مطلقاً العلاقة المعقدة بين تولستوي وزوجته التي عاشت معه ما يقارب نصف قرن، وأنجبت له ثلاثة عشر ابناً، ونسخت له بيدها “الحرب والسلام” و”آنا كارنينا” ثم انقلب عليها، وبدأ يخفي عنها ما يكتبه، كانت صوفيا صبية صغيرة، تزوجها تولستوي وهو في ضعف عمرها تقريباً، ويبدو – كما تقول في مذكراتها – إن “الزيجات السعيدة تتشابه كلها، أما التعيسة فلكل منها طريقتها”، لقد سئم تولستوي شعوره الخانق بالمراقبة والمتابعة ورغبة الزوجة في وجود دور لها تتغنى به ليل نهار، ومن هنا انهار الرجل، وألقى بنفسه في أحضان الطبيعة، حتى هرب منها في قطار حيث مات .
أما آنا زوجة ديستويفسكي فكانت أقرب إلى سكرتيرة ومديرة أعمال، والغريب أنها تحملت بصبر كبير مقامرات زوجها، حتى وصل به الأمر إلى رهن ثيابها، وظلت شديدة الوفاء له بعد موته، مؤكدة أنها لا يمكن لها أن تتزوج بعده أبداً، والنماذج كثيرة في الأدب الروسي .
لم تختلف هذه الصورة عن صورة الزوجة لدى الكاتب الراحل محمد مستجاب، الذي تخصص – ساخراً – في المزاح الزوجي العنيف، لدرجة أنه كان يكتب مقالاً بعنوان “جميع الزوجات جميلات عدا زوجتي” في كتابه “تنميل الدماغ” يقول: إنه “ضاق ذرعاً بالحب المحلي، الذي ينتهي بطلب استرداد الخطابات أو فضيحة صغيرة” .
ويحدث أن يتزوج مستجاب، ويسافر إلى العراق ويقول في مقال له: إنه كان متوترًا لأنه ترك زوجته عروساً وسافر، ثم يعلق: “الآن أستطيع الابتعاد عنها نصف قرن، فأزداد حيوية ومرحاً”، ثم تمضي كتابات مستجاب، فيحكي في كتابه “أمير الانتقام الحديث” عن رحلة أصرت زوجته على أن تشاركه في السفر، يقول: “فاستسلمت في رصانة الأدباء، الذين تشغلهم قضايا تزداد سخونة، بعيداً عن الزوجات، ولا سيما أن ملامح زوجاتنا بدأت تتشكل في ملامح الأمهات” .
ورغم شيوع كتابة الكاتب الكبير الراحل خيري شلبي في مقبرة، إلا أنه كان ينعم بزوجة وفرت له المساحة الهائلة التي يتحرك فيها، بلا مساءلة ولا تتبع .
تقول الكاتبة ريم خيري شلبي، ابنته، إن تجربة خيري شلبي في الزواج كانت غريبة وتكاد تكون معقدة لكنها نجحت نجاحاً غير متوقع، لأنه تزوج في سن متأخرة، حيث تزوج وعمره كان 30 عاماً، بعد رفضه فكرة الزواج وتحمل مسؤولية بيت وأسرة، لكنه تزوج بالفعل بعد أن أخذه جمال قريبته التي تركها طفلة صغيرة ورجع لزيارة أهله بعد فترة انقطاع طويلة ليجدها شابة في ريعان شبابها، لكنه وضع لحياته معها خطة مسبقة، حيث أخبرها عن وضعه بالكامل وظروف عمله التي تجعلها تتحمل معه عناء كبيراً، وبالفعل أصبحت رفيقته في الغربة وكان هو كل أهلها وهي كل أهله وتفرغت هي لإصلاح ما أفسده الزمن، وتفرغ هو للكتابة وإتمام مشروعه الأدبي، ولم تكتف بهذا بل أنجبت له أربعة أبناء وربتهم أحسن تربية، وبالتالي أنفق هو عمره لتكوين ثروة هائلة لها ولأبنائه ألا وهي أكثر من سبعين كتاباً ما بين الرواية والقصة المسرحية والنقد، وهي أيضاً أنفقت عمرها بالكامل لتكون ثروة هائلة له هي أبناؤه وأحفاده .
كيف تظهر المرأة في أدب زوجها؟ سؤال معقد، لكن الأديبات يجبن عنه، فتذكر الدكتورة عائشة الكتبي أن صورة الزوجة في نص المبدع موجودة، لكن في نصوص محدودة يكتنف وجودها حالة خاصة مثل حالة جرير في رثاء زوجته، وطاهر زمخشري وهو يشجع زوجته على مقاومة مرض السل، حين قال: “لا تخافي صولة الداء فما خفت يوماً من تصاريف القضاء” . معظم الأدباء تؤدي الزوجة في حياتهم وظيفة محورية، يستمر في البحث عن المرأة الحلم، وهو ما تؤكده أيضاً الكاتبة فاطمة عطيف، حيث تتحدث عن حضور الزوجة في أدبياتنا قائلة: إن وجود الزوجة محدود في أدبيات بعض السعوديين وشبه هامشي وربما دخلت بثوب الكومبارس فقط على بعض الأعمال الأدبية أو كضيف خفيف الظل، وإذا افترضنا أن المرأة محور إلهام للرجل فلها في حضورها صورتان الأولى: الزوجة بعد تجريدها من صفات الحبيبة، ومن هذا المنطلق يجب استحضار صورة ملاك الحب وهي الحبيبة الغائبة صعبة المنال، وفي الوقت نفسه نجد أدبيات المرأة تسير بعكس اتجاه الرجل، فهي توجه رسائلها الأدبية إلى الحبيب الحاضر وهو (الزوج) ومن هنا يتضح لنا أن المرأة في أدبياتنا المحلية على أرض الواقع وخارج حدود الخيال مقيدة بالمنطق والعرف الاجتماعي .
_____
*الخليج الثقافي