*إيمان الخطاف
هل بالمهرجانات وحدها يحيا المسرح؟ سؤال كثيرا ما يتردد عند الحديث عن الحراك المسرحي السعودي، الذي أصبحت الموسمية هي سمته الرئيسية، خاصة بالنسبة للمسرح النسائي الذي يقتات على الطرح التقليدي لقضايا المرأة، ويقام في عروض مسرحية تمر كسرعة البرق وتُلقى سريعا في سلال النسيان، حيث لا تتجاوز مدة عرضها حدود الأيام الخمسة في أفضل الأحوال.
وفي السنوات الأخيرة، يبدو لافتا كثرة إعلانات العروض المسرحية التي تتزامن مع المهرجانات والأعياد في السعودية، وتكون للمسرح النسائي حصة مقطوعة من كعكة العروض المسرحية، وهو ما حصل خلال الأسبوع الفائت في إطلاق إحدى المسرحيات النسائية ضمن فعاليات مهرجان الربيع شرق السعودية، الأمر الذي يعيد الجدل حول واقع الحراك المسرحي النسائي في السعودية، الذي ينشط فجأة خلال المهرجانات والأعياد، ثم يعود لسباته العميق طيلة السنة.
ولا تقتصر عقبات المسرح النسائي في كونه لا يتعدى المناسبات والعروض التي تُعرض ليومين أو أكثر ثم تضيع بعدها في الذاكرة، الأمر الذي لا يُطفئ ظمأ الجمهور المتعطش لإمتاعه مسرحيا، لكن هذه العقبات تمتد لتنعكس على المضمون المسرحي ذاته الذي يتهمه البعض بأنه يميل نحو الابتذال والاستسهال والبحث عن التهريج والقضايا المستهلكة، ومن ثم تغليف ذلك بالشعار الجميل «مناقشة قضايا المرأة».
وتبدو الإشكالية الحقيقية في أن كل العروض المسرحية النسائية لا يتم توثيقها ولا يعلم هويتها أحد إلا من خلال ما تنشره الصحف من تغطيات فنية أو ثقافية، على اعتبار أن الحضور فيها يقتصر على النساء فقط، مما يجعل المهتمين بساحة النقد المسرحي بعيدين تماما عن تقييم هذه التجارب، وهو ما يُصعب من إمكانية تطوير هذه الأعمال المسرحية التي تبدأ من المرأة وتنتهي إليها.
وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة عدة مسرحيات أسهمت في تحريك سكون المسرح النسائي في السعودية، مثل مسرحية «الهامورة» ومسرحية «في بيتنا خطر» ومسرحية «بنات فاطمة» ومسرحية «هالة وهلالة» ومسرحية «صرقعة فرقعة» ومسرحية «مسيار كوم»، وغيرها من المسرحيات التي عرضت في عدة مدن سعودية، كان لمدينة الرياض نصيب الأسد منها.
ونقطة التقاطع المشتركة في معظم هذه العروض المسرحية تكمن في تكرار أسماء مجموعة من الممثلات السعوديات، إلى جانب ما تحمله مضامين هذه المسرحيات من تكرار لطرح بعض الشؤون النسائية التقليدية، المتمثلة في تأخر الزواج وانتظار العريس والخوف من التعدد، حيث تبرز شخصية «الخطابة» في العديد من هذه الأعمال، وهو ما يراه البعض يُسطح من قيمة المرأة ويعكس مرحلة عدم النضج التي لا يزال يعانيها الحراك المسرحي النسائي.
من ناحيتها، ترى حليمة مظفر، وهي ناقدة مسرحية وكاتبة سعودية، أن الحركة المسرحية النسائية التي تنشط بالتزامن مع المهرجانات الموسمية والأعياد لا تزال ضعيفة، قائلة «أنا لست ضد وجود مسرحيات نسائية تعرض لجمهور من النساء، ولكن معظم ما يقدم من هذه المسرحيات هي مسرحيات تجارية بالدرجة الأولى؛ متواضعة؛ وهي أقرب إلى التهريج منها لأن تكون مسرحيات قائمة بمضامين اجتماعية جيدة».
وتتابع مظفر حديثها لـ«الشرق الأوسط» بالقول «كثير من هذه المسرحيات تناول قضايا استهلاكية، ويتحكم في مضامينها الجانب التجاري، إلى جانب أن كُتابها لا يكترثون بجودة النصوص، ولا ننسى كذلك أن الجمهور يسهم في وجود مثل هذه المسرحيات المتواضعة نتيجة عدم وجود ثقافة ووعي مسرحي لدينا». وتضيف «كثير من الناس يريدون أن يرفهوا عن أنفسهم بأي شيء حتى وإن كان مجرد تهريج، بالتالي يذهبون لدخول هذه المسرحية ويمضون وقتهم فيها بسبب قلة المجالات الترفيهية»، مشيرة إلى أن المسارح النسائية موجودة في عدة دول وحتى في أوروبا وأميركا، وتلفى حفاوة واهتماما كبيرا هناك، وتتابع «المسرح أداة وعي وليس مجرد وسيلة ترفيه كما يتوقع الكثيرون، بل إن الدور الحقيقي للمسرح هو التنوير والنهضة».
وقبل أيام قليلة، أسدل الستار على عروض إحدى المسرحيات النسائية في مدينة الدمام، والتي حملت عنوان «السلطانة كافيه»، وعُرضت للمرة الأولى في المنطقة ضمن مهرجان ربيع الشرقية، الذي تنظمه أمانة المنطقة الشرقية، وحظيت المسرحية بإقبال متواضع جدا من الجمهور، مما دفع القائمين عليها لجعل يوم العرض الأخير مجاني الدخول، على خلاف الأيام السابقة التي كان يتم فيها دفع قيمة التذاكر.
وعلى الرغم من القالب الطريف الذي حاولت أن تظهر به هذه المسرحية، فإنه كان هناك وضوح لافت لضعف المضمون المسرحي، حيث غلب عليها تبادل السخرية حول مظاهر وهيئة الممثلات سعيا لإضحاك الجمهور، مع طرح النكات المستهلكة ضمن المشاهد، وتصوير المرأة السعودية على أنها ضعيفة وسلبية تجاه المشاكل التي تواجهها، وذلك على الرغم من أن المسرحية تزعم كونها تعالج قضايا المرأة والظواهر الاجتماعية المستجدة.
أمام ذلك، تؤكد كريمة المسيري، وهي المشرفة على هذه المسرحية، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحراك المسرحي النسائي لا يزال حديثا على المنطقة الشرقية، الأمر الذي تراه يسمح ببعض الأخطاء ومواجهة بعض العقبات تبعا لمرحلة البدايات، وتضيف «المسرح رسالة قريبة وخفيفة على قلوب الجمهور، خاصة إن كان في قالب كوميدي وبعيدا عن السخرية والهزلية».
وتبُدي المسيري تفاؤلها الكبير بأن تكون السنوات المقبلة مرحلة تثبيت لأقدام السيدات على عتبة المسرح النسائي السعودي، بحيث يخرج من إطاره الموسمي المتباعد، مشيرة إلى أن المسرح في حد ذاته يسهم في إظهار المواهب النسائية الشابة، ليس في مجال التمثيل فقط، بل وحتى في إطار الشعر والغناء وغيرها من فنون، الأمر الذي تراه يؤكد ضرورة تكاتف جميع الجهات لدعم المسرح النسائي، بحسب قولها.
في حين تعود الناقدة مظفر لتؤكد على الحاجة الماسة لإيجاد معاهد أكاديمية متخصصة للفنون، تنتج الكاتب المسرحي المحترف والممثل المحترف والمخرج المحترف وغيرهم من مكونات العملية الإبداعية، وذلك بما يشمل الجنسين (نساء ورجالا)، قائلة «علينا الإيمان بأن الوسيلة الحقيقة لصناعة الوعي تكمن في الدراما والمسرح».
________
*الشرق الأوسط