آمال مختار: هناك روائيات يوظفن الجسد لشهرة زائفة


عبد الدائم السلامي




    آمال مختار قاصّة وروائية تونسية. من أهم رواياتها “نخب الحياة” و”الكرسي الهزاز” و”مايسترو”، ولها مجاميع قصصية منها “لا تعشقي هذا الرجل” و”للمارد وجه جميل”. 
ما يميّز نصوصها أنها مبنية بجُمل سردية تنزع إلى التخلّص من ثِقل النثر عبر الاقتصاد في لفظها وتحلّيها بطاقات إيحائية ثرية. 
أصدرت مؤخّرا رواية جديدة بعنوان “دخان القصر” وفيها نلفي شخصيات قلقة وحزينة، تتحرّك في فضاء السرد بحذرٍ ممزوج بخوف عميق من مآل الثورة ووفرة آمالها. 
وفي هذا الحوار نتعرّف على آرائها في واقع الكتابة التونسية والعربية وموقف المثقّف من معيشه الثوري..

إذا تجاوزنا الآراء المُمَجِّدة للكتابة النسوية في تونس، وقفنا على حقيقة قول بعض النقاد إنّها كتابة “مُراهِقة”، ولم تبلغ بعدُ نضجَها الإبداعي الذي تستطيع به مضاهاة مستوى ما تكتب المرأة في بعض أقطارنا العربية. إلى أيّ حدّ يمكن الإقرارُ بصدقية هذا القول؟
* هذا توصيف مراهق للأسف، وهو يندرج في رأيي في باب المقولة الشعبية والمتمثلة في أن مغنية القرية لا تشجي أو لا تطرب. أعتبرُ أن من يذهب إلى هذا الموقف هو شخص لا علاقة له بالنقد بكل مواصفاته، أي لا النقد الأكاديمي، ولا حتى السيّار في الصحف اليومية، بل إني أراه غير مطلع على المدونة الأدبية للكاتبة التونسية التي تطرح القضايا الإنسانية بعيداً من اللغة الرومانسية والإباحية الموظفة عمداً ومع سابق الإضمار لاصطياد جمهور المراهقين وصنع ظاهرة ما يسمى حالياً “بالبوز” التي تسعى إليها كاتبات عربيات وهناك منهن من صنعت كل مجدها على هذا التمشي الأدبي المراهق. طبعا أنا أتحدث عن المدونة التونسية لمجموعة من الكاتبات اللواتي أنجزن تجربة أدبية حقيقية واعتُمدت أسماؤهن كعنوان لهذه المدونة دون أن أعير اهتماما إلى أولائك المدعيات اللواتي ركبن الموجة ليجعلن من الجسد ثيمة لشهرتهن الزائفة أو الفيسبوكية.
وحتى أكون أكثر موضوعية وأقل شوفينية أقول إن تجربة الأدب الذي تكتبه المرأة في تونس متطورة وفي طريقها إلى مزيد التطور ربما بأكثر عمق عند بعض الأسماء التونسية مقارنة مع بعض الأسماء العربية المعروفة غير أن المسألة في نظري تتلخص في أن حظ الكاتبة القادمة من الشرق أوفر عند النقاد والإعلام منه عند الكاتبة التونسية التي ستظل تتخبط في التهميش والصمت مهما أبدعت!

– تكاد الرواية التونسية تكون غير معروفة في المشهد السردي العربي، وهو أمر تُلقَى مسؤوليتُه مرّة على الكاتب، ومرة على الناقد، ومرّات على سياسة النشر. فأيّ من هذه الأطراف يمكن لها أن تنهض بالفعل السردي في تونس وتحقّق إشعاعَه العربيّ؟
* المسؤولية ملقاة بالأساس على النقاد وعلى سياسات النشر، فهما وحدهما القادران على توزيع الرواية التونسية وحثها على الإشعاع في العالم العربي، ولم لا؟.. العالمي، على الناقد أن يهتم أولاً بالرواية التونسية بشكل جدي من خلال دراسات أكاديمية عميقة وثانيا عليه التواصل مع زملائه العرب ليقع الاهتمام بهذه الأعمال الروائية التونسية في الفضاءات الثقافية العربية، الإعلام أيضاً وأقصد خاصة المراسلين الذين يتحملون مسؤولية التعريف والإشهار للروايات التونسية في وسائل الإعلام لتقريب صورة المشهد الروائي التونسي من المتلقي العربي الذي يكاد يجهل تماماً هذا الزخم من المنتوج الروائي التونسي الذي تنامي في السنوات الأخيرة بفضل الجوائز المشجعة على الإنتاج الروائي مثل جائزة الكومار الذهبي وجائزة الشابي، أما الدور الأكبر في نظري فهو عند اتحاد الناشرين عموما والناشر التونسي الذي من واجبه التسويق للرواية التونسية كمنتوج خاص يستحق الترويج له ليس فقط باعتباره موضوع صفقات تجارية بل باعتباره منتوجا ثقافيا يساهم في خدمة بلدنا سياحيا واقتصاديا.
وشخصيا أعتبر أن دور الروائي ينتهي عند إنجاز الفعل الإبداعي الروائي فذلك هو دوره الوحيد والفعل الذي يحسن إنجازه، بقية السلسلة من الأعمال المتتالية التي تنطلق من النشر إلى إيصال الكتاب إلى القارئ هي أمور لا تعنيه لأنه لا يجيدها، وإذا ما اعتنى بها كما يفعل بعض الكتاب مرغمين فإن الخاسر الأكبر سيكون فعل الإبداع الروائي ذاته.
– منذ ظهور الجوائز الروائية العربية على غرار “بوكر” و”كتارا”، هبّ الروائيون إلى كتابة رواياتهم وفق مقاسات تلك الجوائز واشتراطات أصحابها السياسية، ألا يُخشى من أن تُسهم تلك الجوائز، على وفرة عائدها المالي، في نكوص الرواية العربية وإفقادها حرارتَها الإبداعية؟
* ربما في ذلك جانب من الحقيقة، غير أنني أرى أن ميزة هذه المسابقات هي التحريض على النتاج وهذا في حد ذاته شيء مهمّ، بعد ذلك سيقوم غربال التاريخ بعملية تنقية الغث من السمين، وبالتالي لن يحتفظ التاريخ إلا بالأعمال الروائية التي تحتوي على الإضافة والإبداع الذي يسمح لها بالبقاء في السجل التاريخي للرواية الإنسانية عموما، وأما الزبد فيذهب جفاء. وهنا أقول إن الروائي الحقيقي الذي يحترم نفسه وتجربته سوف لن يكتب للمسابقة بل سيكتب للإبداع وبعد ذلك تأتي المسابقات إن أراد المشاركة فيها.
– ظهرت في الفترة الأخيرة موضة مختبرات تعليم الكتابة الروائية وصدر عنها نَتاج سردي لا يختلف كثيرا عمّا يكتبه المتمرِّسون من الروائيّين، غير أن هذا لا يمنع من السؤال: هل يمكن تعليم كتابة الرواية؟
* قطعاً لا يمكن تعليم كتابة الرواية، هذه حقيقة لا جدال فيها، كتابة الرواية موهبة تصقل بالمطالعة والسفر والتجربة الحياتية الثرية للكاتب وبالورشات التي قد تضيف لهذا الأخير ما تضيف، لكن هذه الورشات لا يمكن لها قط تخريج كتاب متخصصين في الرواية، حتى وإن بدا هذا المنتوج لا يختلف في ظاهره عما يكتبه الروائيون فالأكيد بالنسبة إلي أن هذه الأعمال خالية من الروح الساحرة للإبداع الروائي.
– يزعم البعض أن الكثرة الكثيرة من الأدباء الذين أصدروا أعمالاً إبداعية مخلصة في موضوعها لثيمة الثورة إنما هم يحقّقون بذلك نزوعاً لديهم إلى الركوب على أعناق ثورات شعوبهم والتطهُّرِ من تاريخ علاقتهم بالحكومات السابقة. إلى أيّ مدى يصدق هذا الزعم؟
* هو زعم فيه من الحقيقة كما فيه من الادعاء، ربما هناك من يتعامل مع الإبداع الروائي بنوايا مسبقة وغير سليمة وهنا أيضا من يتعامل مع ما يحدث في وطنه بوازع وطني ودافع عاطفي يجعله يقف موقفا ما. أنا أعتبر من ركب على أحداث الثورات وكتب بنوايا مبيتة لأهداف شخصية سيكشف سرده تلك النوايا والمصلحة التي يبغيها وبالتالي سيسقط نصه الروائي من قائمة الإبداع لينظم إلى قائمة الأعمال السياسية الآنية المرتبطة بالأحداث التي تتبدل في كل حين وبالتالي لن يظفر لا بمصلحته المادية المباشرة ولا بصفة المبدع، أما من كتب مخلصا لوطنه فسيكشف نصه عن ذلك ويبقى التقييم الوحيد المنتظر هو ارتقاء هذا العمل إلى صفة الإبداع أم لا. والحقيقة الوحيدة المتأكدة منها أن النص فضّاح لنوايا كاتبه ومدى إخلاصه لكتابته.
– ما كتبه أدباء تونس في حواراتهم أو في وسائط التواصل الاجتماعي يُحيل على كونهم قد تجنّدوا لرفض حكومة حركة النهضة ومُرشَّحيها في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فهل يعود ذلك إلى إحساسهم بواجب حماية الدولة المدنية في تونس من مخاطر الزجّ بالدين في السياسة؟
* أكيد على كل مبدع تونسي أن يقف وقفة الواجب ضد أي مشروع ظلامي داهم بلادنا لتغيير ملامحها الحداثية والمتفتحة على الآخر وعلى مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، لنترك جانبا البعض من أهل الثقافة والفن الذين يوظفون مشاريعهم للمصلحة السياسية، أولئك لن أتحدث عنهم أما المثقف الذي يؤمن بالدور الأساسي للفعل الثقافي وهو الوقوف في وجه المشاريع السياسية الظلامية التي هجمت بإرادة عالمية لتغيير نمط الحياة في المجتمعات العربية لتزيد من التوغل في الجهل والتراجع عن التفكير والتشبث بخزعبلات تجار الدين وفتاواهم المجنونة، هذا المثقف تأكد أن من واجبه الدفاع عن هويته العربية الإسلامية المتفتحة والمواكبة للتطور العالمي، من هنا وقف المثقف التونسي في وجه حزب النهضة عندما جاء بمشروعه الظلامي كما وقفت المرأة التونسية بشراسة في وجه هذا المشروع ولا أدل على ذلك من فشل مشروع حزب النهضة التونسية التي استوعبت الدروس وتفهمت أن تركيبة المجتمع التونسي عصية على التغيير وليس أمامها من حل سوى الانصهار فيها لتكون تونس أمّاً للجميع بدون إقصاء لأي من أبنائها مهما كان اختلافه عن المجموعة.
– هل يمكن للباجي قائد السبسي أن يحمي الديموقراطية الناشئة في تونس؟
* أنا متأمِّلة منه خيرا، ولدي حدس يقول إن تونس بقيادة هذا الرجل السياسي المحنك ماضية في الطريق التي يحلم بها كل التونسيين، لن يكون ذلك سهلا فالوضع في غاية التردي، لكني أعتقد أن تونس ستخرج سالمة وغانمة من تجربة الثورة لأنني أعتقد أنه كان لابد لحزب النهضة الإسلامي من أن يخرج من دور الضحية ليمارس الحكم وليكتشف كل التونسيين الحجم الحقيقي والقدرات الحقيقية لهذا الحزب الذي أخذ حجمه الصحيح بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبذلك يمكن الآن أن نذهب جميعا للعمل ولا شي غير العمل لإعادة بناء تونسنا العزيزة. 
– موقع ( المدن )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *