‘ظل البحر’ فيلم إماراتي يحتفي بجغرافيا المكان وسحره


*رضاب نهار

يفاجأ المشاهد بالبيئة الإماراتية عند متابعته لبعض ملامحها في الفيلم الإماراتي الروائي الطويل “ظل البحر” (2011) للمخرج نواف الجناحي، لما يلمحه في مشاهده من سمات مغايرة لتلك التي يعيشها مجتمع دولة الإمارات بشكله المعاصر، حيث هو اليوم من أكثر المجتمعات العالمية تطورا وحداثة في كافة المجالات.

في فيلم “ظل البحر” للإماراتي نواف الجناحي يرى المشاهد البيوت العتيقة المتقاربة في ما بينها وسط حالة من الألفة والحميمية، هي صورة لا يمكنه أن يراها في العديد من الأمكنة على أرض الإمارات، لكن لـ”الفريج” تلك المنطقة الواقعة في إمارة رأس الخيمة، منطقها الجمالي الخاص واللامتناهي في سحره.
وهنا ثمة قضية شديدة الحساسية يستعرضها الفيلم، مبينا الفارق المعيشي بين أبوظبي العاصمة التي يعيش ويعمل فيها “جاسم” شقيق “كلثم”، وبين “الفريج” الحي الشعبي الآخذ في الأصالة.
ما سبق يجعل المتابع يقف أمام مفارقة توازن بين الحداثة وسمات الماضي، من خلال تصارع الشخصيات واتخاذ الأمكنة كوسيلة وسبب في الوقت نفسه. ولعل العبارة التي تصدر عن “جاسم” تحل إشكالية الموقف، حيث قال: “البلد واحد”.
تتضح في الفيلم روح الشباب مركزة في طرح الثيمات والمواضيع، ومعالجتها وفق معطيات البيئة المحلية ومسلماتها، من خلال الرؤية الخاصة للسيناريست محمد حسن أحمد والمخرج نواف الجناحي، إذ حاولا تسليط الضوء على الحياة الاجتماعية في منطقة الفريج من خلال رصد علاقة الشاب منصور بالفتاة كلثم في إطار تحديات العادات والتقاليد من جهة، والطموح والرغبات التي تنفتح على مستقبل مجهول لا يخلو أبدا من الأمل، من جهة ثانية.
تتقاطع المصائر في المشهد الأخير على الرغم من أن الكثير من المشاهدين ظنوها تفترق، فقد أوحت ابتسامة كلثم بينما هي تنظر إلى منتصف الطريق في رحلتها مع أخيها إلى أبوظبي، وحماسة منصور عند نزوله للسباحة في مياه البحر كردة فعل على رحيلها، بأن القادم سيجمع هذين الحبيبين حتما، وستؤمّن الأيام حياة أفضل لهما معا، ربما. يحتفي “ظل البحر” بجغرافيا المكان، وبالسحر الذي يمكن أن يكتشفه المشاهد عند زيارته للكثير من زوايا رأس الخيمة. ففي كل لقطة يرسمها المخرج يتضح تآلف سحري بين عنصري التاريخي والجغرافي، بالإضافة إلى ما ارتسم على وجوه الشخصيات وفي انطباعاتهم وحركاتهم من مشاعر وأحاسيس من وحي المشهد. ولقد تمّ التركيز إخراجيا، وربما منذ مرحلة السيناريو المكتوب، على ارتباط الشخوص ببيئتهم المعيشة بكل تفاصيلها المقدمة أمام المشاهد.
من ناحية أخرى، روى الفيلم حكايات متباينة ومتشابهة من المجتمع الإماراتي بغاية الجرأة والشفافية، فلم يصور الحياة بوجهها المثالي. إنما سلّط الأضواء على المشاكل والهموم والآمال، تماما كما يحدث في أي مجتمع بأي مكان من العالم، وتأتي هذه المعالجة الدرامية لبعض المواقف والأفكار الحساسة، كمحاولة لفتح الأبواب والنوافذ، ليس على الحلول -فهو لم يطرح مشكلة بمعنى المشكلة الحقيقية- بل للخروج نحو فضاءات أوسع، من حق الإنسان أن يعيش فيها.
لم تقف اللهجة الإماراتية المحلية، على الرغم من صعوبة بعض مفرداتها عائقا عن فهم ومتابعة غير الإماراتيين للفيلم، فالبساطة سمة اتخذها كل من السيناريست والمخرج لكل عناصر العمل.
كل ذلك يجتمع في الفيلم انطلاقا من اللغة، والحبكة، والشخصيات وصولا إلى الصورة، لذا استطاع المشاهد أن يفهم ويدرك المقصد الكامن وراء كل كلمة أو عبارة جاءت على لسان الشخوص، فدخل معهم إلى البيوت، وركض بين الحارات وزار عدة أماكن يوحي بها “الفريج”.
______
*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *