( ثقافات )
عمّان- صدر عن “الآن ناشرون وموزعون”، بالشراكة مع دار أزمنة بعمّان رواية “السفر آخر الليل” في طبعتة الثانية، للكاتب العُمانيّ يعقوب الخنبشي. ويقع الكتاب في نحو ست وسبعين صفحة من القطع المتوسط.
يرصد الكاتب تفاصيلاً من حياة الشخصية الرئيسيّة “أحمد”، الذي تدور حوله الحكاية، وهو فرّاش في الوزارة صباحاً، ويعمل سائق تاكسي في المساء، فيظهر من خلال هذا أداؤه اليومي وسعيه الجاد نحو توفير سبل عيش مريحة لأسرته التي تتكون من زوجة وثلاث أبناء.
تبدأ الرواية بسرد للكابوس الذي طارد البطل وأفزعه، حينما رأى في المنام أطفاله يتحركون دون رؤوس، يسبحون في بركة من الدماء، وهو الكابوس الذي يقدم تمهيداً نفسياً للقارئ حتى يدخل في أجواء الرواية، ويقول الخنبشي حول استثماره لرمز الكابوس: “الحلم صورة رمزية متفردة في ذاتها، متحررة من المنطق واللامعقول، تتوقف عندها ساعة الزمن وتصطدم معها على شكل تنبؤات أحيانا”.
تتأزم الحكاية في حادثة تقلب حياة “أحمد” رأساً على عقب، حينما ينجذب لفتاة تعرّف عليها من خلال توصيلها عن طريق التاكسي، تلك الفتاة التي لم يستطع أن يكبح جماح عاطفته واندفاعه تجاهها، رغم تنميطه لنفسه عبر روتين يومي يخرج تماماً عن دائرة العلاقات، أو اللهو بصفة عامة لانخراطه المستمر في عمله ومسؤولياته تجاه الأسرة والبيت.
لم تكن هذه الحادثة ذات تغيير إيجابي كما اشتهى، فقد تبلور ذلك حينما ادّعت الفتاة أنه والد الجنين الذي تحمله في أحشائها. مما دفعه لإجراء فحوصات مخبرية أثبتت أنه رجل عقيم.
ويشير الروائي إلى تناغم العمل التخيليّ والسردي في وضع قوالب متباينة للنص من مشاهد وأحداث وأداء للشخوص يعبر عنهم كل بصفته الخاصة، مما أغنى النص السردي بمواقف فريدة تحمل أبعاداً معاصرة وفي الوقت نفسه تتكئ على عوامل ثقافية راسخة مضفية على العمل السردي حلة جمالية خاصة.
احتملت الرواية اللهجة العمانيَّة المحكية بسلاسة لا تقطع تخيل المشهد، مع طرافة في الطرح منحت السرد حيوية وواقعية.
كتب على الغلاف:”طرق الباب مرات عدة قبل أن يؤذن له بالدخول، خاف أن يراهما في وضع غير مريح، كما حصل له في المرة الماضية، لقد نسيا اغلاق الباب، ولم يشعرا به عندما أغلقه!
قدّم لهما الشاي، وتسلّم مفتاح سيارة ماجد، وسيارة المدير العام، بعد أن تلقى الأوامر بتحويل حقيبة ما بين السيارتين..
زاد الفضول لديه، عندما رأى جانباً مفتوحاً من الحقيبة؛ تردد في بداية الأمر..قال في نفسه:”عيب..هذه أمانة”؛ لكنه لم يقاوم..فتحها.. وجد في داخلها ساعة يد من نوع “رولكس” مصراً، قلم “باركر”، زجاجة عطر، ومغلفاً به خمسون ريالاً..صرخ بصوت شبه مرتفع:
واحظك يا ماجد يصرفني يوم ما طلعت.
للأسماء دلالتها، فلم يتم اختيارها بشكل عفوي،إذ تشير إلى دور كل منها في السرد الروائي ، وتعطي انطباعاً مغايراً لأداء هذه الشخصيات من جهة أخرى، فالأسماء الواردة في الرواية لا تقدم رؤية واضحة لسمات الشخصية بقدر ما تقدم مفارقة تقوم على مبدأ الغموض، وهذا الاختيار الواعي من الكاتب يدل على قدرته في توظيف فكرة الرواية التي تتناول قضية معقدة في المجتمع يسعى فيها الفرد لإرضاءٍ العادات والتقاليد، لا مما يبطنه إرضاءً لرغباته. فالخيانة في نهاية الأمر فعل يدين فكراً مجتمعياً لا يعنيه إلا الظاهر من الأمر ولا يحكم إلا بما يرى.
يقول الخنبشي: “الكتابة بالنسبة لي هي الرئة الثالثة التي من خلالها أتنفس وأركض بحرية إلى الورق، فأنا اكتب لأنني أعيش ولأنني أعيش فلا مفر لي من الكتابة، أشتهي الكتابة كما اشتهي بقية الأشياء، الكتابة بمعنى آخر هي مدينة فاضلة ذات أبواب ونوافذ بها شخوص تحيا، وتموت، ترقص وتحزن”.
مؤكداً أن الكتابة كما يفهمها هي “الخطوة الأولى للملمات القلم”، وقد بدأت معه منذ الصغر، إلى أن تطورت إلى إرهاصات الكتابة، مؤكداً: “في أعماق كل منا شرارة خامدة تستدعي المشاغبة تجاه شيء ما في الحياة، ولا بد لنا من إشعالها في لحظة من اللحظات كلّ على طريقته حسبما يرى ويعتقد لنظل في مأمن من السقوط”.
ويؤكد الخنبشي أن المبدع العماني بحاجة إلى “التحرر من الرقيب الذاتي أولاً، وأن يكتب ما يعتقد وما يؤمن به، وأن يعمل بمقولة أن الآراء المقبولة حاليا كانت أراء شاذة في يوم من الأيام”، مشيراً إلى أن الكاتب لا يستطيع تقريب الهوة بين المجتمع وبينه “بخاصة في مجتمعنا العربي الذي تحكمه عوامل شائكة”.
وقد صدر للخنبشي مجموعة قصصية بعنوان “لذة ميتة”، ويذكر أنه عضو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، والمدير المالي والإداري في النادي الثقافي.