“ثقافة المعرفة والتفكير الاستراتيجي”


*د.فيصل غرايبه

( ثقافات )

يبحث الدكتور عبد المجيد جرادات في ماهية العمل الثقافي في ظل التحولات الاجتماعية البنيوية التي جاءت بدون احتياطات تصون حس التناغم أو التوازن بين الناس، بكتابه الجديد المعنون ب: “ثقافة المعرفة والتفكير الاستراتيجي (2011) بدعم من وزارة الثقافة، معتمدا على منظومة القيم، ومستعينا على ذلك بالحديث عن مفهومي الإبداع والنقد، سعيا لتحقيق معادلة التراكم المعرفي. 
تساؤلات:
يبدأ مقدمته بتساؤلات تثار على الدوام عن أين يقف المبدع العربي من قضايا أمته؟وهل يمتلك هذا المبدع إرادة وقوة ؟ أم يتمركز حول ذاته ؟ 
يفصح المؤلف من البداية عن رصد محاولات الربط بين عناصر الإبداع ومصادر التعلم التي تثري المعرفة.
لا بد من مناقشة تطورات التنشئة:
يجد صاحب الكتاب أنه لا بد من مناقشة تطورات التنشئة الاجتماعية،عند تفحص عناصر الإبداع ومصادر التعلم التي تثري المعرف، وذلك حري أن ينظر إليه من خلال بعدين هما:الأول: يرقب متغيرات الحياة، ويبحث عن نماذج سلوكية تحث الجميع على التعلم واكتساب المهارات والابتكارات أما الثاني: فيبلور السياسات التربوية الساعية إلى إيجاد فكر مشترك واتجاهات موحدة تعزز أسلوب المشاركة والتعاون 
أين تقف الحرية:
ينتقل الباحث جردات إلى مفهوم الحرية، فأين تقف الحرية التي تمنح الإنسان القدرة على الاستنباط والتحليل.
مفهوم المعرفة وصنوفه:
أما مفهوم المعرفة فيربطه بحجم الخبرات المكتسبة، ، ومقسما المعرفة إلى ثلاثة أصناف هي:المعرفة المعلنة: وتتضمن السياسات والتعليمات والمعايير،والمعرفة الضمنية: وتتضمن القيم والاتجاهات الفكرية والمعرفة الثقافية:وتتضمن الافتراضات والأعراف 
الإبداع العربي وظروفه: 
يسمح هذا الطرح للمؤلف أن ينتقل إلى ظروف الإبداع في المجتمع العربي، ،ليكشف عن مؤثرات الثقافة واللغة والتراث الأدبي في تعزيز مقومات الإبداع بمفهومه الواسع. ويخلص:إن التحديات الماثلة في مجتمعنا العربي تقتضي روح المواكبة مع التحولات الداخلية والتطور المعرفي،في هذا العصر الذي يمتاز بالكفاءة الإنتاجية والتنوع،ويؤكد على ضرورة الجمع بين الرؤية العلمية والجهد الفكري،
المشترك بين ثقافة المعرفة والتنمية: 
ثمة سؤال يراه الباحث يطرح نفسه مؤداه ما القواسم المشتركة بين ثقافة المعرفة والتنمية ؟وتحدد إجابة المؤلف عليه تلك القواسم بمحورين هما:حالة النمو الإنساني،والدور الريادي للمثقفين.
قيمة المعرفة وفن الاستشراف:
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن قيمة المعرفة وفن الاستشراف، مما يقتضي أمورا ثلاثة هي:الإبداع الخلاق،العمل الجاد،والتفاؤل الحذر،حيث تبرز مهمة الاستشراف بما تستند عليه من رؤية وقدرة على المثابرة والمتابعة.وهذه الفكرة المحورية في الكتاب جعلت صاحبها يعنون بها كتابه:”ثقافة المعرفة والتفكير الاستراتيجي”. 
الربط بين الثقافة والتحديث والتنمية:
وعند محاولته الربط بين الثقافة والتحديث والتنمية يتجه إلى إجابة أسئلة يطرحها بنفسه مثل:*ماذا عن متطلبات الحداثة؟ *أين تقف الثقافة من التنمية ؟ فيقدم الإجابة عليها على محاور ثلاثة تتمثل بالفعل الثقافي الهادف، والدراسات التنموية،وتقليص الفجوة بين الحالة الثقافية واستحقاقات التنمية، لافتا إلى أن العولمة أحدثت تباينا بين الثقافة والتنمية، مما يستدعي تفعيل دور الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية، و تركيزها على احترام الوقت وقيمة الإنسان
الوعاء الفكري الذي يجسد الشخصية الاعتبارية:
وعندما يتناول الكتاب اللغة العربية ،يصفها بالظاهرة الاجتماعية التي تمثل الوعاء الفكري الذي يجسد الشخصية الاعتبارية لهذه الأمة،.أما المنتج الثقافي الذي تنهض به اللغة العربية فيأخذ بعدا تنمويا كونه يرتبط بإبراز الصورة الحضارية للأمة، وتحدث الكتاب عن الرحلات كأكثر المدارس تثقيفا للإنسان،تسهم بالاستفادة من المستجدات العلمية والفكرية، ،وهو ما اصطلح عليه بمفهوم المثاقفة أو التثاقف.هذا الذي يشكل مهارة من مهارة الاتصال، يتوقف نجاحها على الثقة بين المبادر بالفكرة والمتلقين لها.
الإنسان بين نسق التكامل ونسق رغبة:
ولكن الباحث ينعي نسق التكامل الذي نفترض أنه يقوي البنيان، ويمد الجميع بالحركة الانسيابية نحو الإنتاج المعرفي، والذي أطاحت به التحولات الاجتماعية البنيوية، لتحل نسقا يسوق رغبة الإنسان للتمركز حول ذاته،مما يشوش على مفهوم ثقافة المعرفة.
يسمح الطرح السابق والعرض المصاحب له للباحث، الذي كان ضابطا في الجيش وبرتبة عالية، أن ينتقل إلى التفكير الاستراتيجي في إنتاج المعرفة، يورد_ فكرة ابن نبي:”إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته،ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكره إلى مستوى الأحداث الإنسانية “
المعركة المفروضة معركة الثقافات:
ان المعركة المفروضة علينا،معركة الثقافات في عالم الاتصالات والعولمة، في الوقت الذي تحاول فيه الثقافة الأقوى أي الثقافة الغربية، أن تكون ثقافة العولمة التي تسود العالم بأسره، وتسير البشرية عليها،مقابل التخلي عن ثقافتها الأصلية ومتنكرة لتراثها الأصيل.
المعركة مفروضة على جميع الأمم ،بمختلف ثقافاتها ، فإما تصمد أو تتهاوى أمام الثقافة القوية، تلك الثقافة التي لا تحترم أصول المثاقفة المتبادلة.في الوقت الذي يحاول الغرب فيه أن يجعل من العالم سوقا واحدة لاقتصادياته وميدانا وحيدا لثقافته.
فكيف نقوى من صمود الثقافة العربية، وكيف يمكن أن تكون شريكا فاعلا،لا متلقيا مستلما في مضمار الثقافة العالمية،
جهد عربي مكثف مطلوب:
ثمة جهد عربي مكثف مطلوب ليرسم إستراتيجية قومية للدخول العربي الجاد، في صناعة ثقافة المستقبل، وفي مد شبكة الاتصالات العالمية المقبلة، كي لا تبهت الصورة العربية، بل لتصير جزءا من مدركات الجيل العربي الجديد وأحاسيسه، حتى لا تغيبه الصور الثقافية المبهرة، التي تعرضها الثقافة الغربية المتفوقة بالتقنية والمتقدمة بالأساليب.
والشباب هم الشريحة الأكبر التي تستهدفها هذه الإستراتيجية، حيث يشكل الكمبيوتر (الحاسوب) مصدرا حساسا من مصادر المعرفة لديها، وليست للمعرفة وحدها بل تجاوز ذلك إلى التعامل مع الآخرين،
الواقع العربي يضم جيلين:
إلا أن الواقع العربي يكشف عن أنه يضم جيلين: 
جيل قديم تقليدي ليس لديه الاستعداد التقني والنفسي لاستخدام وسائل الاتصال للاستفادة من الثقافة العالمية، 
جيل جديد تجديدي ينفتح على وسائل الاتصال للثقافة العالمية ولديه الاستعداد التقني والنفسي لاستخدام هذه الوسائل. 
مما يحدو الإستراتيجية المنشودة أن تنطوي على هدفين:
* تحصيل ثقافة إضافية انفتاحية على العالم لدى الجيل الجديد، 
* المحافظة على التوازن بين الثقافة القومية والثقافة الوافدة عبر وسائل الاتصال العالمية الحديثة، لكي لا تذوب الأولى ولا تطغى الثانية.
معادلة صعبة تتطلب دراية:
تلك هي المعادلة الصعبة التي ينبغي على العرب أن يحافظوا عليها، في خضم هذه المعركة الحضارية المتداخلة، والتي تتطلب الدراية والحكمة.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *