*مهند النابلسي
( ثقافات )
بروباغاندا “سافرة” وآكشن دراما “مخيبة” تفتقد للجدية والعمق والهوية!
الفيلم يتحدث عن اكبر عملية استرجاع للآثار والتحف الفنية بالتاريخ، ويركز على الأحداث التي تمت قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تذهب مجموعة من الخبراء المتدربين لألمانيا لانقاذ ما تبقى من التحف واللوحات والآثار الفنية والتاريخية النادرة من آيادي النازيين لارجاعها لمواقعها الأصلية ، وحيث تبدو المهمات صعبة وخطيرة من حيث القدرة للذهاب لخلف المواقع القتالية ومواجهة الألمان وخاصة مع وجود تعليمات مشددة لدى الألمان لاتلاف وتدمير كل شيء في حالة سقوط “الرايش”، ولكنهم حسب الرواية يواجهون التحدي والصعوبات الجمة ويسابقون الزمن لتفادي تدمير ألف سنة من الارث الثقافي الحضاري الفريد…
يقوم جورج كلوني باخراج الشريط بينما تتوزع الأدوار على كل من كلوني نفسه، مات ديمون، بيل موراي، جون جودمان، جان دوجاردان، بوب بالبان، هيوج بولنفيل وكيت بلانشيت. يستند هذا الفيلم لرواية تاريخية من تاليف روبرت ايدبسل، كما ينجح الفيلم بتبرير سبب الاقدام على حماية الارث الفني-الثقافي من براثن الألمان بحجة حماية نمط الحضارة الغربية، ولكنه بالمقابل يفشل باقناعنا بدوافع الشخصيات ودرجة حماسها، وتبدو المعالجات سطحية بلا تماسك وانسياب حيث ينتقل من لقطة لاخرى بلا اولويات! يحاول كلوني بنمط اخراجه هنا ان يعيد امجاد افلام الحرب العالمية الشهيرة “كجسر نهر كواي” الذي يقتبس منه الموسيقى الحماسية الرائعة بعدة مشاهد، ولكن بلا عمق، كما يقتبس مشاهد من فيلم كونتين تارنتينو اللافت “انغوريوس باستردس”(ولكن بلا دموية)، وكذلك لم ينسى ان يقتبس مشهد النزول للنورماندي من فيلم شبيلبيرغ الشهير “انقاذ الجندي رايان” ولكن باجواء سياحية لا تقارن أبدا بالمشاهد القتالية النادرة بفيلم شبيلبيرغ الملحمي، باختصار فالحبكة برجال النصب باهتة وتفتقد للشغف والعمق والايقاع السينمائي الجاذب! كذلك يواجه هذا الفيلم مشكلة بتحديد هويته بل يبدو كخلطة كوكتيل درامية مسلية وشيقة وبها نكهة كوميدية خفيفة، ويبدو كلوني وكأنه متردد وحائر ما بين تقديم فيلم حربي تاريخي درامي عميق وفيلم مغامرات حركي شيق، وقد لفت انتباهي كذلك فتورالأداء التمثيلي لمعظم الممثلين “المشهورين”…وبالرغم من ذلك فقد نجح كلوني باختيار موفق لمواقع التصوير الواقعية الجذابة، ولم يخلو هذا الفيلم كالعادة من مشاهد الاستخفاف بذكاء المشاهد وشيطنة الخصم فكيف تبصق كيت وزميلتها بكأس الضابط النازي المسؤول عن عمليات السرقة والتهريب دون ان يلحظ ذلك؟! وكيف يظهر الداهية نائب هتلر هيرمان جورنج كرجل أبله مترهل؟ كذلك لعب المخرج بمبالغة معهودة على معزوفة اضطهاد اليهود ومعانتهم!
يلعب كلوني باستخفاف غير معهود دور خبير الآثار فرنك ستوكس مع مدير المتحف الذكي جيمس كرنغر (مات ديمون)، ويوظف معه عددا من الخبراء والفنانين للمحافظة على الأعمال الفنية منهم موراي كمهندس معماري، جون جودمان كصانع تماثيل محترف، بوب بالبان كمدير مسرح، وجان دوجاردان كمقاوم فرنسي، واستغربت حقا من اداء هذا الممثل الباهت هنا مقارنة بأداءه المتفوق بقيلم الفنان الصامت الذي حقق له الاوسكار منذ سنتين! كما أبدعت بالحق كيت بلانشيت بتقمص الشخصية وتفوقت ربما على الجميع وحتى على مات ديمون، حيث لعبت دور خبيرة الاثار في المتحف الباريسي (جودوباوم) وكسكرتيرة خاصة للضابط الألماني المسؤول، كما لعب ديمتري ليونديس دور الجندي اليهودي من نيو جيرسي الذي يرتبط بعلاقة خاصة مع لوحة ريمبرانت الشهيرة (ولا ادري المغزى الحقيقي من اقحام هذه القصة هنا سوى التأكيد الممج على سمو الروح اليهودية المتذوقة للابداع والفن)! بدا واضحا انسجام موراي وبالبان وارتباطهما بكيمياء خاصة وكأنهما بنزهة شواء، ثم تسارع الفيلم بالجزء الثاني وبدا كلعبة “الكلب والقط والفار” الثلاثية مابين الفريق وكل من الألمان الناهبين والسوفيت الطامحين بدورهم للحصول على نصيبهم من التحف واللوحات والآثار، وبدت المطاردة أحيانا شيقة بأجواء من اللقطات والمشاهد الخلابة المعبرة والممتعة وحتى الطريفة، وربما ساعد ذلك لانقاذ الشريط من ضعف الاخراج والتمثيل، ولكن بالحق فيجب الاعتراف بقدرة كلوني على اظهار التيمة الاساسية للفيلم وهي “انقاذ الثقافة الغربية والمجتمع ونمط العيش وطريقة الحياة”، كما حاول جاهدا اقناعنا بظلامية نظام هتلر النازي التي تجاوزت التدمير والقتل لتشمل التاريخ والحضارة والثقافة والفنون، فهو يتحدث عن حوالي خمسة ملايين قطعة فنية وأثرية ودينية وتاريخية كان هتلر واعوانه يخططون لسرقتها ووضعها بمتحف جديد ضخم باسمه في النمسا …وقد اصابتني الحسرة هنا عندما وجدت نفسي اتساءل عن مصير الكنوز الأثرية والمعمارية والدينية والفنية والتاريخية بسوريا تحديدا وعن الممارسات الهمجية لتدميرها وسرقتها وتهريبها بواسطة المافيات والعصابات؟ وكيف لا يحرك احدا ساكنا بهذا الخصوص؟!
بفرنسا المحتلة تقوم كلير سيمون (كيت بلانشيت) بتسجيل تفاصيل السرقات بسرية، ولكنها تجبر من قبل الضابط النازي فكتور شتهال لتجاهل السرقة الممنهجة للآثار والكنوز الفنية والمفترض ارسالها لمتحف الفوهور المفترض بلينز، او حتى كمقتنيات شخصية لشخصيات نازية نافذة كهيرمان جورنج، وقبيل القبض عليها لتعاونها مع شقيقها بسبب المحاولات الخفية لاسترجاع بعض هذه الاثار بلا نجاح، عندئذ تكتشف قيام الضابط شتهال بسرقة معظم محتويات الجاليري لألمانيا مع اقتراب الحلفاء من باريس، وعندما تسرع لمحطة القطارات لمواجهة شتهال الهارب يحاول قتلها عن بعد بمسدس (يبدوالمشهد غير مقنع وكارتوني)، بينما تراقب هي بيأس نجاح الضابط بسرقة الأعمال الفنية متوجها لألمانيا .
يواجه جيمس جرنجر(مات ديمون) بصبر عناد سيمون وعدم تعاونها لشكها بمصداقيته ونزاهة فريقه، وبينما يتم تقسيم الفريق لمجموعات مختلفة لانجاز المهمات في محاور الجبهة، يسعى دونالد جيفرين البريطاني (هيوج بونفيل) لتحقيق الحماية لكنيسة بلجيكية تحتوي على كنوز دينية اثرية، ويقتل وهو يحاول منع الكولونيل النازي “فيغنر” من سرقة تمثال “مادونا والطفل” الشهير لمايكل أنجلو…فيما يحاول كل من ريتشارد كامبل (بيل موراي) وبريستون سافتز (بوب بالبان) تقصي مسار السرقات من كاتدرائية جنت البلجيكية، يتم بالصدفة ايجاد فيكتور شتهال المتخفي بهيئة فلاح بلجيكي بسيط، حيث يتم التعرف على الرسومات النادرة مخفية بمنزله الريفي والتي تسمى بمجموعة “روتشيلد”(كذلك تبدو هذه المشاهد ملفقة وغير مقنعة)!
وفي مشاهد اخرى يتعرض كل من فالتر جالفيلد (جون جودمان) وجان كلود كليرمونت(جان دو جاردان) لاطلاق النار من قبل وحدة قتال نازية متخفية بدغل سهلي حيث يتعرض كليرمونت لجروح قاتلة (بعد ان ينزل من الجيب للتمتع بمداعبة فرس برية جميلة ترعى، واللقطة تتطابق مع احد افلام كلوني الحديثة الذي يغادر سيارته فيه فجرا لتأمل قطيع من الخيول البرية الساحرة، وبيدو ذلك “كفال خير” له لأن سيارته تنفجر بعد مغادرته )! ثم تراجع سيمون موقفها العنيد بعد ان يخبرها جرانجر بخطة “نيرو الألمانية” لتدمير كل المقتنيات والسرقات بحالة مقتل هتلر او انهيار ألمانيا، كذلك تتأكد من نزاهة ومصداقية جرانجر باعادته لاحدى اللوحات المسروقة من عائلة يهودية ابيدت بمعسكرات التعذيب النازية، وتتعاون عندئذ بتزويده بقائمة مشفرة تتضمن معلومات “كودية” للتعرف على كافة القطع واللوحات المسرقة ومواقعها المفترضة.
وحتى مع معرفة الفريق بأن القطع واللوحات الفنية والأثرية مخزنة بقلاع ومحاجر متفرقة بانحاء المانيا، فانه يواجه تحديا جديدا من الفرق السوفيتية المتخصصة الطامحة ايضا بالحصول على نصيبها من الغنائم الثمينة، وخلال ذلك يقوم الكولونيل الألماني “فيغنرز” بتدمير منهجي لمجموعات كبيرة من التحف الفنية المسروقة تنفيذا للتعليمات المشددة (كما يبدو استجواب كلوني اللاحق لفيغنر مسرحي وسمج وغير مقنع ايضا)… ينجح الفريق اخيرا باكتشاف منجم خفي يحتوي على اكثر من 16000 فطعة فنية مسروقة بجانب براميل تحتوي على حشوات الأسنان الذهبية المستخرجة من اسنان ضحايا معسكرات التعذيب النازية السيئة السمعة، بالاضافة لموجودات احتياطي الذهب الضخمة لألمانيا النازية والتي قد يساعد الاستيلاء عليها لانهيار مجمل النظام النازي (مبالغة سينمائية درامية)!
أخيرا يجد الفريق منجما مخفيا بالنمسا وقد تم تدميره بالكامل، ويتبين أن السكان المحليين قد دمروا بقصد المدخل ظاهريا لتتويه الألمان والسوفيت، وحيث ينجح الفريق وبسرعة من تفريغ المحتويات الفنية والكنوز التراثية الهائلة بما فيها تمثال العذراء الشهير قبل قدوم السوفيت!
في المشاهد النهائية نرى ستوكس وهو يحاضر للرئيس ترومان شارحا الجهود والأهوال التي تعرض لها فريقه بمهمته الشاقة، ومركزا على النجاحات التي حققها باسترجاع كميات هائلة من الأعمال واللوحات الفنية والمنحوتات النادرة، ثم يجيب “بنعم” على سؤال ترومان فيما اذا كانت هذه الجهود والتضحيات قد أثمرت بتحقيق الأهداف المتمثلة بحفظ التراث الحضاري والثقافة الفنية …وفي اللقطة الأخيرة وبعد عقود من الزمن نرى العجوز كلوني وقد اصطحب حفيده المراهق لتأمل منحوتة مادونا لمايكل انجلو شاعرا بأن جهوده وتضحياته وفريقه لم تذهب سدى!
تم التصوير بعدة مواقع منها: ستوديوهات بابلسبيرغ بمدينة بوتسدام الألمانية وبمنطقة الهارز بمدينة براندنبيرغ، كما اعتمدت بلدة اوسترفيك الألمانية لتصوير المشاهد الخارجية، واستخدمت مجاميع من الآلاف لتصوير المشاهد الحربية (الضعيفة الاخراج نسبيا مقارنة بالأفلام الحربية )، كما صورت بعض المشاهد بالمتحف الامبرطوري ب”دوكس نورد بكامبردج شاير” ببريطانيا…يقول كلوني أن حوالي 80% من القصة والمشاهد حقيقية ودقيقة، فيما ينفي مؤرخ مرموق ذلك مدعيا أن نسبة الدقة التاريخية لا تزيد عن الأربعين بالمئة وبأنه يحتوي على عدة أخطاء ومغالطات تاريخية حيث أميل (أنا) شخصيا لتصديقه! كما أن الفريق الحقيقي كان مكونا من عدة عشرات من المتخصصين وتم اختزاله بقصد لسبعة لأسباب سينمائية درامية . تلقى الفيلم استقبالا جماهيريا ونقديا فاترا وحاز على علامات نقدية متواضعة تراوحت من الثلاثة الى الستة من عشرة، وبدا مخيبا للآمال فيما كان بامكان كلوني أن يستغل عدة مكونات “سينمائية” ناجحة كالانتاج ومواقع التصوير الجذابة وكاميرا التصوير الرائعة والموسيقى التصويرية وطاقم الممثلين “المشهورين” للخروج بفيلم متميز يتوج به مسيرته الاخراجية ولكنه لم يفعل!
*كاتب وقصصي وناقد سينمائي