أحمد عنان يعرض في البحرين ‘خصلة تعب’




*زكي الصدير

في تجربة اعتمدت على دمج صورة المرأة والرجل مع عناصر فنية تتكئ على التراث الخليجي في قالب فني مختلطٍ بين فن الكولاج والتعبير التشكيلي قدّم الفنان البحريني أحمد عنان معرضه الشخصي الأخير “خصلة تعب” على صالة غاليري تراث الصحراء بالخبر/ شرق السعودية بداية العام الجديد 2015. واشتمل المعرض على إحدى وعشرين لوحة بأحجام تفاوتت مساحاتها بين المتر والمتر والنصف، تصغر أو تكبر عن ذلك قليلاً، أتت معظمها في إطار زمني واحد في عام 2014، ما عدا لوحتين اثنتين كانتا تعودان لعام 2012. واعتمد عنان في إخراج تقنية ألوانه ولوحاته على الأكريليك، والباستيل، وفن الكولاج، وسبراير ملوّن، ومكس ميديا معظمها على ورق الكانفاس، ماعدا لوحتين كانتا على الخشب.

اختار عنان المرأة القروية ثيمةً أساسيةً في تجربته، وذلك لما يعيشه من ذكريات الطفولة في قريته الصغيرة، حيث يقطن في قرية الماحوز التي ترقد بوداعة على ضفاف عين “أم أشعوم” بالبحرين. كانت النساء هناك تغتسلن، وتمشطن جدائلهن، وتغسلن الملابس الملونة، وتنشرنها على الشجر لتجف. لاحظ عنان وهو صغير ما تتكبده المرأة/ الأم/ الزوجة/ الأخت/ الابنة الفقيرة من تعب ومشقة في سبيل تقديم الفرحة بكل مسؤولية لمن حولها فاستلهم مناخات لوحاته.
يقول عن التجربة الفنان السعودي حسين إسماعيل: “في هذا المعرض حاول أحمد عنان أن يبين تجربته الخاصة بمختلف الأساليب والأحجام، فهناك لوحات زاخرة بالألوان مع مواد مختلفة، ولوحات أخرى من الكولاج بالأقمشة الشعبية ذات الألوان الحارة، ولوحات يغلب عليها اللون الأسود في اختزال للشكل واللون”.
ويصف عنان تجربته “خصلة تعب” قائلاً: “يمثل المعرض موضوعاً خاصاً عن الجماليات المتعددة للمرأة من خلال العادات والتقاليد في مجتمعاتنا بأسلوب خاص يعتمد على الاختزال في الشكل معتمداً على الفكرة”. ويتابع عنان: “المرأة تقدم الورد والأمل والحب بكل رضى وطمأنينة في صمت، فتشارك المشاهد كلاً حسب إحساسه وشعوره بابتسامتها الرقيقة، رغم الصعاب والألم والعنف في الظروف المختلفة، فإنها تقدم التضحيات وتتحمل أعباء تفوق طاقة الرجل لأنها الأم والأرض والخصب والوطن والحياة”.
عوالم شتى
في أكثر من لوحة يقدّم عنان المرأة وهي تحمل فوق رأسها سلّة تشتمل أحيانا على ورد، وأحيانا على رجل، وأحياناً أخرى على عوالم مختلفة ومختلطة على الرائي، عنان يجعل من المرأة مسؤولة كبيرة عن ترتيب الفوضى في مجتمع محافظ مسكون بإلقاء الذرائع، ومشغول بالتطفل على الناس. وعن ذلك عبّرت التشكيلية السعودية ليلى مال الله قائلة: “استوقفتني أعماله التي تحكي لنا قصة المرأة التي حملت الرجل على رأسها وكأنه يصور لنا مسؤوليتها الحاضرة بكل حياتنا”.
يحدّثنا عنان عن حضور المرأة ضمن هذه الدلالة قائلاً: “المرأة في مجتمعنا تحمل أعباءنا ونحن نعتمد عليها في حياتنا كلها منذ تكوينها وهي تعاني كونها أنثى، فهي الأجمل والأرق والأقوى ونحن نحقد عليها بطريقة أو بأخرى دون قصد أو بقصد فنرمي عليها كل مخلفاتنا وننهرها ونلقي عليها الكلام ونجرحها بغباء.. لكنها تحمل وتتحمل كل شيء رغم المساحة الضيقة التي نسمح نحن بها لها، فتقدم لنا الورد بابتسامة رضا وطيب خاطر دون أن نرى أثراَ على وجهها لما نقوم به تجاهها”.
اشتراكية النساء
في مشهد بصري يقترب إلى حد كبير من تكعيبية بيكاسو تتقدم لوحتان في واجهة الغاليري لمجموعة نساء غطت تفاصيلهن مساحات لونية فاقعة مستلهمة من ملابس القرويات، حيث يرتدين الشادور “المشمر” البحريني. هذه التجمعات النسوية هي طقس من طقوس اليومي في القرية، ربما يكون للفرح أو للفواجع. الألوان وحدها تخبرنا في لوحات عنان أن الطقوس كلها تعبّر عن تجمع احتفالي، غير أنه مشوب بالتعب من اغتسال الرحلة اليومية. وكأن عنان في هذه المجموعة أراد أن يرتّب فوضى التعب، وفوضى العالم بطريقته الخاصة. عن هذا يتابع عنان لـ “العرب” قائلاً: “في تلك اللوحات أجمع النساء كعجينة ملونة واحدة وأشارك ألبستهن بخلط الألوان وتشابكها، وتداخل الزخارف القروي من ورود ونقوش وتنقيط، وحتى الشكل في آن واحد حتى بعض الأعضاء كالأرجل والأيدي تكون مشتركة بينهن”.
عيون عربية
في الجانب الآخر من المعرض تواجهنا أربع لوحات اشتملت على أربع نساء، اختار عنان لجميعهن الحجاب إلا امرأة واحدة بدت حرة منطلقة سعيدة بدونه، وبدت الثانية “منى عيسى” مبتسمة ابتسامة مستلةً من لوحة دافنشي الشهيرة “موناليزا” لكنها كانت مرتدية حجاباً بحرينياً. أما الثالثة فكانت “بورتريه” للفنانة المكسيكية فريدا كاهلو على طريقة نساء القرية البحرينيات، وجاءت الرابعة قريبة لنساء روايات نجيب محفوظ الكاسيات العاريات في “أولاد حارتنا”. عن ذلك يعلّق عنان: “في محاولة مني لإثبات الهوية التي تحاول فرض نفسها في العالم بشكل ما فأنا أرى بعيون عربية. وماذا لو “عرّبت” كل ما أراه؟ وما أريد قوله أيضاً أن الإعلام والثقافات المستوردة والمفروضة علينا من الغرب تسيطر علينا كلياَ، فلا جديد أو مستحدثا أو إبداعا في ثقافاتنا، فنقوم باجترار الفنون الغربية وإعادة صياغتها لأنها تسيطر على أفكارنا وحياتنا وأيديولوجياتنا”.
بل أن يقدم عنان معرض “خصلة تعب” للجمهور اشترك في عمليين تراثيين استلهما مدينة المحرق القديمة باشتغالات مختلفة “نزل 88” عام 2013، والعمارة 1644 أواخر 2014. يقول عنان: “في اعتقادي أن التميّز لا يأتي فقط بدراسة الفنون الغربية. فلا بدّ لنا من التأمل في محيطنا وحياتنا وتاريخنا الزاخر، وأن نحافظ على هويتنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولكن بأسلوب مختلف يتم مزجه بالحداثة ، وبأدوات جديدة، وبأفكار متمردة أحيانا كي نستطيع أن نقدم الجديد، فلا يمكن في اعتقادي الوصول للعالمية إلا بالمحلية”.
الجدير بالذكر أن أحمد عنان بدأ مشواره التشكيلي منذ ثمانينات القرن الماضي، فهو عضو في جمعية الفن المعاصر منذ عام 1989، وشارك في العديد من المعارض الجماعية. ولقد قدّم معرضه الشخصي الأول عام 2002 بالمشاركة مع الكاتب البحريني إبراهيم بشمي تحت عنوان “ليس للعشق من يقين”، وكان معرضه الشخصي الأخير “ملامح في قطر” عام 2012، كما اشترك بعدة معارض جماعية في البحرين وفي دول الخليج، كان آخرها معرض “نزل 88” في 2013، ومعرض عمارة 1644 بالمحرق في أواخر ديسمبر 2014، وحصل على عدة جوائز من ضمنها جائزة تقديرية في المعرض السنوي الذي تقيمه وزارة الإعلام في متحف البحرين الوطني عام 1995. كما شارك في المزاد العالمي “كريستيز أوكشن” عام 2010. وقدم عدة ورش فنية للفنانين الشباب في مجال فن الكولاج والرسم والطباعة.
غاليري تراث الصحراء وهو يفتتح فعاليات موسمه الفني لعام 2015 بمعرض “خصلة تعب” وضع برنامجه للمهتمين بالحركة الفنية المزمع تنفيذه في عام 2015، وكان من أبرز فعالياته: معرض جماعي لجماعة “ألوان”. ومعرض شخصي لكل من عبدالوهاب عطيف، ومحمد حيدر، ومهدية آل طالب. كما سينظم الغاليري قريباً معرضاً لجماعة “وجهة” الفوتوغرافية.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *