أحمد الشهاوي*
أكمل القراءةَ قبل أن تتهمَنى بشىءٍ.
إذْ ليس محمد بن إسماعيل البخارى «13 من شوال 194 هـ- 1 من شوال 256 هـ» و«20 من يوليو 810 م- 1 من سبتمبر 870 م»، المعروف باسم الإمام البخارى إلهًا لأعبدَهُ، ولا نبيًّا لأهتدى بسنَّته، وأسلِّمَ بما جاء في كتابهِ المعرُوف باسم «صحيح البخارى»، وآخذ ما جاء فيه على أنهُ صحيحٌ، لم يدركْه خطأ أو باطلٌ في إحدى صفحاته.
وما دام لى عقلٌ، علىَّ أن أسائلَ وأراجعَ وأصفِّى وأستقبلَ، ولا أتعامل كأعمى مع ما ورد في كتابه على أنه نصوصٌ صحيحةٌ أو مُنزَّلة.
فلِمَ لا نتعامل مع كتاب البُخارى على أنه عملٌ بشرىٌّ يحتملُ الصوابَ والخطأ، إذْ هو لم يُعاصر الرسُول أو يُعايشه، بل قرأ، واجتهد، وعاد إلى المراجع والمصادر وكُتب الأسلاف الأوائل ليأخذَ عنها، رغم أنَّ عددًا من هذه المصادر يعيشُ الشكُّ فيها، ولا تخلُو من تناقضٍ، وبها كثيرٌ من نُصوصٍ لم يقُلها الرسول، ولا يعرف شيئًا عنها. لقد قدَّسنا البخارى، حتى إننا لا نقولُ «غلطنا في الرسول» أو «غلطنا في ذاتِ الله»، وإنما نقول «إحنا غلطنا في البخارى»، حيث اكتسب قداسةً فاقت قداسة سِواه.
وأنا أقرأ كتابَ البُخارى أو أىَّ كتابٍ آخر، أسألُ نفسى: لماذا أكونُ مُقلِّدًا أو تابعًا أو سائرًا في قطيعٍ؟ لماذا لا أسألُ، كى أصلَ إلى المعرفة؟
لماذا لا أمنحُ العقلَ فرصةً ليرى ويُدقِّقَ وينخُلَ ويُصفِّى، وبدلا من أنْ أتخذَ «العنعنة» سبيلا لى، والنقل عن السَّلف طريقًا، علىَّ أن أحتكمَ إلى ما يتواءمُ مع ما أفقهُهُ. وهل هناك شىءٌ مُتفقٌ عليه أو صحيحٌ في هذه الدنيا، قدمه فقيهٌ أو إمامٌ؟
وهل كل من روَى حديثًا نبويًّا يُمكنُ لى أن أثقَ بروايته؟، وهل إذا أعملتُ العقلَ لا النقلَ سأصيرُ خارجًا عن الدين؟ فقد اشتهرت بين الناس على مدى ألف سنة أو يزيد أحاديثُ صارت من فرط شُهرتها وتداولها مُسلَّمًا بها أنها صحيحةٌ، ويتم التعاملُ معها بشكلٍ مُقدَّسٍ، باعتبارها متْنًا دينيًّا، وليستْ حتَّى من السُّنة، أي من أقوالٍ وأفعالٍ وصفاتِ النبى، رغم أنَّها باطلةٌ ولا أصلَ لها، أو موضوعةٌ ولا سندَ لها.
لكن للأسف يتداولها، ويستشهد بها الخطباءُ والوعاظُ والمشايخُ قبل سائر الناسِ، وهى بعيدةٌ تمامًا عن الرسول، بل إنه مات دُون أن يعلمَ شيئًا عنها، ومشكوك في صحتها.
هي إذن أحاديثُ مُزوَّرةٌ ومكذُوبةٌ، ولم يقف لها أحدٌ على أصلٍ ثابتٍ شفهيًّا أو مكتُوبًا، لكنَّها للأسف وردتْ في بعض كُتب الأسلاف، الذين نقول عنهم دون تمحيصٍ أو تدقيقٍ أو مُراجعةٍ إنهم من الصالحين.
قيل إن هناك أقوالا لبعض السابقين الذين هُم ليسوا من الصحابة ولا من التابعين أو تابعى التابعين، وصار يتم التعامل معها على أنها أحاديثُ نبويةٌ صحيحةٌ، وهى منكُورةٌ لا تصح أصلا أن ترد على لسانِ عاقلٍ، لأنها باطلةٌ من جميع جهاتها.
وحتى الصحابة ليسوا أنبياء ولا آلهة ولا مُنزَّهين عن السَّهو والخطأ أو الجهلِ بالشىءِ، بدليل أن أبا بكر الصديق، لم يفقه القول الإلهى «وفاكهة وأبَّا».
فهل من المعقول أن يروى عبدالله بن عباس «ولد سنة 618 أو 619 ميلادية، وتوفى سنة 68 هـ- 687 ميلادية بالطائف»، حوالى ألفىْ حديث، كلها وردت في صحيحىْ البخارى ومسْلِم، والذى كان عمره عشر سنوات أو أزيد قليلا عندما مات النبى، «يوم الاثنين، الثانى عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة»، وهو المولود قبل هجرة الرسول بعامين. مثل هذا وغيره هل يُعدُّ مصدر ثقة لى، إذ لم ير الرسول سوى مرات معدودات؟
فما يوافق عقلى وروحى وعرفى، ولا أراه من الخرافات والأساطير والمبالغات، سأعمل به وآخذه، أمَّا ما يُخالف ذلك، فسأعرض عنه، وقد ثبت بالفعل أنه غير صحيح، ولم يقل به أو يتبناه. إذ لم أعتد في حياتى تقديس شخصى مثلى يخطئ، ويصيب، حتى إذا قيل إنه فقيهٌ أو إمامٌ.
فهل يعقل أن يروى شخص واحد، هو أبوهريرة 19 «ق. هـ/ 599 م- 57 هـ/ 676 م» خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، وهو لم ير الرسول إلا واحدا وعشرين شهرًا، وقد قال عنه على بن أبى طالب «13 من رجب 23 ق هـ/17 من مارس 599م- 21 من رمضان 40 هـ/ 27 من يناير 661 م» إنه أكذب الناس «أكذب الناس أبوهريرة الدوسى»، كما أن عمر بن الخطاب «40 قبل الهجرة- الموافق 584 ميلادية- 26 من ذى الحجة- 7 من نوفمبر 644 م» قال عنه إنه «عدو لله والإسلام، عدو لله وكتابه، سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين…»، إذ كان قد ولاه على البحرين سنة عشرين من الهجرة، وسرعان ما عزله. وضربه حتى أدماه، ومنعه من رواية الحديث، ولم يعد إلى الرواية إلا بعد وفاة عمر بن الخطاب، وهذا ما يقره أبوهريرة، حين يقول: (ما كنت أستطيع أن أقول قال رسول الله- صلى الله عليه، وسلم- حتى قبض «أى مات» عمر). لقد ورد في كتاب البخارى 2762 حديثا، تكثر فيها الروايات المخالفة لبعضها البعض حد التناقض، ونفى بعضها للآخر.
كما أن هناك «أحاديث» موضوعة أو مختلقة أو ضعيفة أو لا سند لها، لم يقلها رسول الله، ومات دون أن يعرف شيئا عنها، لكنها نسبت إليه، وصارت شهيرة ومتداولة، منها:
1- «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع».
2- «أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر».
3- «كما تدين تدان». «اطلبوا العلم ولو بالصين».
4- «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد».
5- «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته».
6- «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى».
7- «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار».
8- «اختلاف أمتى رحمة».
9- «الدين المعاملة».
10- «الخير فيّ وفى أمتى إلى يوم القيامة».
11- «خير الأسماء ما عُبِّد وحُمّد». وفى لفظ: «أحب الأسماء إلى الله ما عُبِّد وحُمِّد».
12- «صوموا تصحوا».
13- «لا تُظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك».
14- «لو أحسن أحدكم ظنَّه بحجر، لنفعه».
15- «من رأيتموه يعتاد المساجد، فاشهدوا له بالإيمان».
16- «دعاء من قاله سبع مرات، كفاه الله- تعالى- شر ما أهمَّه من أمر الدنيا والآخرة، حسبى الربُّ من العباد، حسبى الخالق من المخلوقين، حسبى الرازق من المرزوقين، حسبى الذي هو حسبى، حسبى الله الذي لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو ربُّ العرش العظيم».
17- «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
19- «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب».
20- «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».
21- «إياكم وخضراءَ الدِّمن فقيل: ما خضراء الدِّمن؟ قال المرأةُ الحسناء في المنبت السوء».
22- «اللهم أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس…».
23- «توسلوا بجاهى، فإن جاهى عند الله عظيم».
24- «من أحدث ولم يتوضأ فقد جفانى».
25- «من حج البيت ولم يزرنى فقد جفانى».
26- «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
27- «كيفما تكونوا يولَّ عليكم».
28- «من صلى في مسجدى أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق».
30- «اطلبوا العلم ولو بالصين».
والحديث موصولٌ…!