علي بن تميم: يعتريني حنين إلى الكتابة


حاورته : رضاب نهار


  يقدم المثقف والأكاديمي الإماراتي الدكتور علي بن تميم في فكره النظري ومسلكه الحياتي نموذجاً للمثقف العضوي الفاعل، هو المرتبط في العمل الثقافي بشعور المسؤولية، والمؤرّق بحال الثقافة هنا، وفي العالم العربي، المشغول بأسئلتها وهواجسها. في الشأن الثقافي يفصح الرجل عن رغبة واضحة في خدمة المجتمع، والعمل على تكريس الثقافة أو ترسيخها خصوصاً لدى الشباب. وربما أكسبته خبرته في العمل الثقافي حساسية عالية، فنضجت روحه رويداً رويداً حتى صار قادراً على التقاط اللحظة المهمة، والأولويات التي ينبغي التركيز عليها في الخطاب الذي يتبناه.

إلى جانب تخصصه النقدي يعتبر الدكتور علي بن تميم أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، ورئيس تحرير موقع 24 الإمارات الإخباري، واحداً من أبرز المؤثرين في العمل الثقافي، حيث أشرف على تأسيس واستمرارية العديد من المشاريع منها مشروع «كلمة» للترجمة، جائزة الشيخ زايد للكتاب، وكان أحد أعضاء لجنة التحكيم في برنامج «أمير الشعراء» ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب.. لكن هذا ليس كل شيء، إنه يملك من الأسئلة أكثر، ربما، مما يمتلك من الأجوبة.. اسئلة يطرحها على المجتمع للتفكّر فيها من جهة، وتأملها من جهة أخرى لعل جوهرها يبرق، حين تبني تعالقاتها مع هموم الناس و… هواجسهم… في هذا الحوار الذي خصّ به «الاتحاد الثقافي» شيء من هذه الأسئلة:

*بالنظر إلى ما يحدث اليوم في الواقع المعيش، محلياً وعربياً ودولياً.. لا بد وأن الظروف الراهنة انعكست على المجتمع الإماراتي من خلال مجموعة من التحديات التي تتطلب بالضرورة رؤى آنية ومستقبلية لاستيعابها وتفكيكها بما يتناسب مع التطلعات الثقافية والفكرية للدولة.. كيف تقيّم تفاعل الإماراتيين مع هذه الإشكاليات؟

** التحديات الموجودة في المجتمع الإماراتي ليست جزءاً أصيلاً منه، بل هي تحديات مفتعلة بأيادٍ سوداء. مجتمعنا فضاء منفتح يقبل الآخر ويملك جيلاً متحصناً بالمعرفة والاطلاع، جيل قدم الأدلة على أنه قادر على القراءة والفرز والتمييز ويستطيع تجنب الوصاية. أما عن التحديات فأعتقد أن التحدي الأكبر يكمن في ما تعمل عليه القيادة بشكل عام، وأهمه إطلاق طاقات الشباب، الشريحة الأوسع اجتماعياً، سواء أولئك الذين يقودون العمل المؤسساتي الثقافي والاجتماعي، أو أولئك الذين لا زالوا في طور الاستعداد ويتجهّزون للقيام بهذه المهمة مستقبلاً. ومن هذا المنطلق أقول إن التحديات هنا تعتمد على تطوير المهارات التثقيفية، التوعوية، والأدائية.

لكن من ناحية أخرى، علينا إدراك خطورة الجانب المعتم والهامشي للذين يحاولون تشويه الصورة الكلية المستنيرة للمجتمع الإماراتي. وربما نحسن التسمية ونقول عنهم الهامش الظلي جداً الذي يحاول أن يمرر أقسى وأبشع أنواع العصبيات عن طريق خطاب مغلّف بغلاف حلو وجميل، إلا أنه يحمل في جوهره الفوضى بقصد التشويه والتخريب. 

وفي الإطار الديني نؤكّد أن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، قد قام على إفتاء منظّم ومؤسساتي، أقصد به مركز الإفتاء الفريد من نوعه في العالم العربي، والذي أسسته هيئة الأوقاف منعاً للتغرير والتشويه والانجراف خلف الخطابات المتشددة. فهيئة الأوقاف لا تنفك تصرّح بخطورة الخطابات المتشددة التي تحاول أن تصطاد في العتمة وأن تروّج للفتاوى القاصرة غير المبنية على واقع الحال والتي لا تراعي ثقافة المجتمعات، بل تهدف إلى خلق فتوى منافسة للفتوى الأصيلة بقصد المزاحمة والمزايدة لكن الوقائع أثبتت خلوها من المضمون السليم. 

كذلك اطلعنا مؤخراً على مجموعة من المقالات والكتابات بأقلام إماراتية شابة، تدين تلك التصريحات والفتاوى الصادرة عن أناس لا يمتلكون الخبرة اللازمة ولا حتى المصداقية، إنما تراهم يتمسحون بالمزايدات بهدف تضليل الشباب القادر أصلاً على التمييز بين الأصيل والزائف، بين الرئيسي والطارئ، وبين ما يصب في مصلحتهم وفي مصلحة وطنهم وبين نقيضه. ولعلّ الفتاوى الصادرة عن مجموعة من قاصري المعرفة والعلم في الفقه الإسلامي وفي سياقاته، تدخل في باب كنت قد سميته «المزايدة»، فما زال أهلها يعتقدون أن بإمكانهم التأثير على جيل الشباب المتسلّح بالحداثة والتحديث من دون تنكر للأصالة وللتقاليد وللماضي بكل تفاصيله. فقد أثبت شباب الإمارات، أنهم لا ينساقون خلف هذه المزايدات الدينية وأنهم قادرون على الاستمرار والتطوير في مكونات المجتمع الثقافية والاجتماعية، ويسخرون دوماً من الخطابات المتشددة التي فقدت مكانها هنا.. 

مشروعات نوعية

* من خلال اطلاعك على المشهد الثقافي الحالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتزامن مع تغيرات سياسية وثقافية واجتماعية تعيشها دول أخرى ذات تجارب متباينة ومتشابهة في بعض الأحيان.. برأيك كيف تلعب الثقافة الإماراتية دوراً وقائياً وتوعوياً للوصول إلى حالة مثالية من الحضارة الفكرية تتكئ على جذور الماضي وتسعى إلى الحداثة بكل تنوعاتها؟

**ثمة مشروعات ثقافية متعاظمة في دولة الإمارات، ركّزت على جانب الخطاب الثقافي وصورته. ومن أكبر التحديات وأكثرها قوة في مواجهة خطابات الظلاميين، هو المشروع الثقافي الكبير الذي نهضت به دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي جاء ككابوس بوجه الإرهاب والتطرف. لأن قيادة الإمارات لمثل هذا المشروع الثقافي أحدث فرقاً نوعياً محلياً وعالمياً، خاصة بعدما شارف مشروع جزيرة السعديات الحضاري الكبير على الاكتمال والمتمثل في متاحفها المختلفة: متحف الشيخ زايد، ومتحف اللوفر أبوظبي، وجوجنهايم.

ولعلّ المشروعات الأخرى التي ترتبط بتسليط الضوء على تراث الأمم ومنها الترجمة هي واحدة من المشاريع التي تعبر عن إيقاع وروح الشباب الإماراتي المنفتح والمقبل على التواصل مع الآخر، وهي تحمل الرؤية المستنيرة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.. هذه الرؤية التي تقدّم الثقافي والاجتماعي بوصفه مصباحاً ينير الطريق ويضع طاقات الشباب في مكانها الملائم والصحيح، كما أنها تقدم أمثلة إماراتية، عربية، إنسانية، حديثة، بإزاء تلك الخطابات الهامشية التي تحاول الاستمرار بتشويه الروح الحضارية والمتميزة في دولة الإمارات. ولا بد في هذا السياق، من ذكر الدور الأساسي لحركة الترجمة المهتمة بالنهوض بالثقافة العربية التي لعبت إبان انطلاقها في العصرين الأموي والعباسي دوراً مهماً في التواصل الثقافي بكل ما يحمله من غَناء، وكانت جسراً لتطوير وتفعيل الثقافة العربية. 

ولا يفوتني هنا الإشارة إلى أن مشاريع الكتاب المتنوعة في دولة الإمارات قامت بدور يعبر عن اهتمامات الشباب، حيث لمسنا صدور روايات ومجموعات شعرية ومؤلفات أخرى تسجّل باستمرار أن أبناءنا يعيشون على التنوع والاهتمامات الحديثة ولا تشغلهم التحديات المصطنعة. إنما عادة ما تُطرح الأسئلة الشخصية والإنسانية مثل: الحب، الامتزاج مع الآخر، التعرف على الجديد، كشف زيف البعض الذي يتمسّح بالقديم من أجل تشويه معطيات الحديث. 

وقد أسفرت هذه الكتب الشبابية عن ذائقة مهمة تستدعي منا تسليط الضوء عليها. كونها تعبّر عن عبق الحديث الممزوج بالأصالة، وتحمل قدراً كبيراً من السؤال والبحث، والسعي نحو الانفكاك والانفلات من الرتابة والسكون الذي يشوب الخطابات المتشددة، وفيها أيضاً البحث المستمر عن تطوير المهارات الإبداعية والكتابية والارتباط بقضايا المجتمع والحقيقة الجوهرية.

وقفة موضوعية 

* من دون شك، يلعب الإعلام دوراً مهماً في بلورة وتشكيل المجتمعات العربية والدولية، وذلك عبر تناوله لقضايا وموضوعات حساسة من قلب الأحداث. كما أن قسماً كبيراً من الحياة العامة في أية دولة، يرسمه إعلامها عبر معالجته لما هو حساس وإشكالي فيها، ويتقاطع مع هموم وأفكار مواطنيها، سواء في علاقتهم مع الماضي أو الحاضر أو مع المستقبل.. هل لعب الإعلام الإماراتي دوره المطلوب منه في مواجهة الظروف الحالية؟

** أعتقد أن الإعلام الإماراتي قام بإنجازات كبيرة، وتصدى لمناقشة القضايا المجتمعية المحلية بكامل الموضوعية والعقلانية. واستطاع أن يقدّم اهتمامات الشرائح المختلفة وأن يقف مع هموم الشباب، واستقطب مجموعة من الكتاب من أبناء الجيل الجديد، وحاول أن يبرز كتاباتهم والآفاق العالمية الثقافية المؤطرة لما يحدث هنا وحولنا. لقد استطاع إعلامنا أن لا يقصر عنايته على قضايا معينة بحد ذاتها، محاولاً أن يكون شاملاً ومركزاً على الذات، مستجمعاً ومستعرضاً الآخر في الوقت نفسه. وأثبت بجدارة أنه إعلام قادر على مواجهة التحديات. وقد لمسنا في السنوات الثلاثة الأخيرة، لحظات فارقة وقف فيها الإعلام وقفة موضوعية في طرحه لقضايا حساسة جعلته عميقاً في التناول، قادراً على استخلاص وجهات النظر الحيوية الأكثر تأثيراً في روح الإنسان. ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو محاكمة التنظيم السري في دولة الإمارات وجماعات التخريب وجماعة الإخوان المسلمين. ومواجهة كل الخطابات المعادية للدولة الوطنية ومؤسساتها، ولم تأخذه العاطفة بل تسلّح بالتحليل والتقصي وبالبحث، مهتماً بما يمكنه أن يقدمه للمتلقي داخل الإمارات وخارجها. 

مبادرات مستمرة

* لا يمكن اليوم، ونحن نتحدث عن الدور الثقافي لدولة الإمارات، ألا نضيء على عمل المؤسسات الثقافية التي تعنى بإبراز الجانب المبدع في البيئة المحلية من خلال العديد من المشاريع والمبادرات الهامة.. برأيك ما الذي ينقص هذه المؤسسات لتلعب دورها الهام والمفصلي في الوقت الحاضر؟

** تتمتع المؤسسات الثقافية، وكما يلاحظ الجميع، بالتكامل فيما بينها، وخاصة في المشاركات العالمية.. كما يمكن أن نلحظ نوعاً من التكامل يظهر بين معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث يبدو العمل الممأسس فيهما على نحو حديث قادراً على مواجهة تحديات العصر، ويقدّم فعالياته بشكل كبير يجذب القراء. إن الاهتمام بمشاريع الترجمة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديداً في أبوظبي ودبي والشارقة، يعكس أهمية الانفتاح على الآخر ومد الجسور مع الثقافات الأخرى، بوصفها ثقافات متواجدة بحد ذاتها. ويحقق رغبة الإماراتيين في اكتشاف ومعرفة العالم، مثل استكشاف اللغات التي لم تكن متاحة في أوقات سابقة. 

كل هذا وغيره، يسمح لنا بالقول إن العمل الثقافي في أبوظبي يتسم بالاستدامة، وبأن مبادراته تهتم بشريحة الشباب، وبارتباط الثقافة والإعلام بما هو حيوي ومجتمعي، مثل مبادرة مشروع برنامج «أمير الشعراء» الذي يهدف إلى إحياء الشعر العربي القديم وجعله أكثر حضوراً بين الشباب العربي والإماراتي، وأكثر تطوراً واندماجاً بالقضايا المعاصرة. بالإضافة إلى مشروع «كلمة» للترجمة الذي تشرف عليه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وهو مشروع استطاع أن يقدّم ما يزيد عن 800 عنوان مترجم من أكثر 13 لغة حية في العالم، وأن يبرم أكثر من 6 اتفاقيات عالمية وأن يشجع على الحماية الفكرية.

وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أن مؤسسات دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعمل على إثراء الساحة بكل جديد، ومن خلال التعاون فيما بينها، تسعى إلى تأسيس الوعي الكامل بحقوق الملكية الفكرية، وتشجع دور النشر العربية والكتاب والمؤلفين على احترام هذه الحقوق كافة.

وأعتقد أن العمل الثقافي في كل مكان، هو عمل تعتريه الكثير من التحديات التي تعصف بالثقافة بشكل عام، سواء داخل أو خارج دولة الإمارات العربية المتحدة. فموجات التجديد في كل المجالات تحدث وفق إيقاع سريع وبشكل متواتر، وهنا يكمن التحدي في أن تكون ثقافتنا مستمرة ومتصلة ومواكبة للمبادرات الثقافية المتنوعة في العالم من جهة، وفي كيفية تلقي مثل هذه الفعاليات وتبيئتها وجعلها أكثر خصوصية تعبر عن طموح الإماراتيين ولا تتعارض مع تقاليدهم من جهة ثانية. لقد نجحت المؤسسات الثقافية الإماراتية في مبادراتها التي أسهم فيها الكتاب الإماراتيون بكل فئاتهم وأطيافهم. وأظن أن المهمة اليوم باتت أسهل ومتاحة أكثر، فالاتصال مع الآخر في ظل تطور الاتصالات والتقنيات أصبح واقعاً يجب أن يواجهه الأفراد والمؤسسات، وتحديداً في الاختيارات الدقيقة والمعبرة عن واقع الدولة. إلى جانب أن هذه الاختيارات عليها أن تؤكد على الأصالة والحداثة، دون التركيز على ثيمة وإهمال أخرى. الشيء الذي نؤكد عليه دوماً في مشاريعنا بغرض التعبير عن التنوع والانفتاح..

كذلك.. المبدع الإماراتي هو جزء مهم من الحياة الثقافية العامة التي نعيشها، ولابد وأن تعنى به كل المؤسسات والمشاريع ذات الاتجاه الثقافي والفكري. ولحسن الحظ فإن مثل هذه المشاريع كثيرة عندنا ومتنوعة وتشكل حركة محلية ناشطة وضرورية، وتحاول أن تجمع المبدعين بقرائهم، كما في حال وزارة الثقافة التي تصدر سلاسل كاملة دعماً للكتاب الإماراتيين، فضلاً عن وجود جائزة الدولة التقديرية وعدة جوائز أخرى، ومعارض الكتاب، ومشروع «قلم» الذي يشجع الأدب الإماراتي، والمشاريع الفنية والثقافية في إمارة الشارقة وغيرها الكثير والكثير.. بيد أن كل هذا التنوع في المبادرات الجاذبة للمبدعين وجماهيرهم، تنقصه حركة جادة في النقد تتناول محتوى ومضمون الإبداع الإماراتي في علاقته مع الظروف الراهنة هنا وهناك، وينقصه وجود لجان مختصة وأكاديمية تعنى بمفردات الحياة الثقافية الغنية والمتنوعة. وثمة رهان كبير على السنوات المقبلة فيما يتعلّق بحركة النشر المحلي، أي أننا نسعى لحركة نشطة لا تتكئ على البعد التجاري الربحي وتهمل الجوانب الفكرية والإبداعية..

ردم الهوة

* تشارك الجامعات الإماراتية في رسم ملامح المجتمع بأبعاده البيئية، المكانية والزمانية. ومن الطبيعي أن يقع العبء الأكبر في هذا المجال على الأستاذ الجامعي الذي يعتبر حلقة وصل بين اتجاهات الفكر والثقافة وبين الطلبة.. ما هو تعليقك؟

** لا شك أن الأستاذ الجامعي يظل مرتبطاً بواقع البحث العلمي الذي تشوبه الصعوبات والإشكاليات في العالم العربي بشكل عام وفي الإمارات بشكل خاص. ولحسن الحظ توجد في الدولة مبادرات عديدة لدعم البحث العلمي والمشاريع ذات المنهج الأكاديمي. لكن إحدى هذه الإشكاليات أو التحديات، أن يتم العمل على بحوث ودراسات ذات أبعاد أصيلة تحاول النظر إلى المستقبل برؤية متنورة. فالواقع الأكاديمي يرتبط بواقع الثقافة وتحدياتها في محيطنا. ما يمكن أن نتلمّسه في الأطروحات الجامعية والبحثية. والتي قد تواجه أي أستاذ جامعي في جامعات الدولة، متمثلة بتدفق المعلومات الأصيلة لديه، والعمل على استيعابها يوماً بعد يوم وتضمينها في المنهاج. وبدورها أسهمت جامعاتنا في توفير الكثير من البحوث ومراكز النشر الإلكتروني وجعلها متوافرة لأعضاء هيئة التدريس. وفي الوقت الراهن، هناك جامعات مهمة وكبيرة مثل جامعة السوربون أبوظبي، جامعة نيويورك أبوظبي والجامعة الأميركية في الشارقة. وبالتالي خلق حركة نشطة تؤدي إلى التنافس بين الجامعات من جهة، وبين الطلبة من جهة أخرى.

بالمقابل أرى أن ثمة تحديات تطال كيفية الانتقال من مرحلة التعليم المدرسي إلى مرحلة الجامعة. ما استدعى العديد من المبادرات أطلقتها وزارة التربية ومجلس أبوظبي للتعليم، لردم الهوة العلمية والثقافية بين المرحلتين. 

تجديد التراث

* وسط كل تلك القراءات القديمة والمعاصرة للتراث العربي، والتي صدرت عنها العديد من الدراسات والأبحاث المتباينة في تناولاتها، كيف نقرأ التراث بحيث نضع يدنا على جوهره الحقيقي بالعلاقة مع ما يحدث الآن وهنا؟

** اعترى التراث الكثير من السكون والتنميط الذي يتعاظم بشكل يومي في أطروحات النقاد والباحثين المعاصرين وفي وعي الطلبة والناشئة. والمراقب لحركة التأليف وما يحدث في الإعلام المعاصر، يجد نوعاً من التأطير لمفهوم التراث يسهم في تجميده. والمطلوب أن يستمر النقد والبحث في قراءة التراث وفق مناهج حديثة، وألا يقدّم في مناهج ومقاربات مستسلمة تحاول فقط أن تجمّله وأن تلمّعه. فالتراث العربي القديم ليس بحاجة إلى تلميع أو تقديم بصورة ساكنة، بل هو بحاجة إلى المواجهة والقراءة الفاحصة، وإبرازه ببعديه الضروريين، القديم والحديث. فالثقافة المتشددة التي تسعى دوماً لقراءة التراث بشكله غير المثير للجدل، إنما تسعى إلى تنميط الوعي العام بصورة جامدة وفقيرة فكرياً وعلمياً.

كما أن التراث العربي، من جهة أخرى، ليس تراث الرؤية الواحدة، بل هو تراث التنوع والتجدد. ونحن في أشد الحاجة إلى النظر إليه ببعد قلق التأثر به، وهو مفهوم نقدي معاصر، أي بعين المبدع الذي يخشى أن يقع أسير جمالياته وأسير معطياته دون أن يسهم في تطويره وتجديده. فالقلق هنا من أن نقع ضحية للتراث وعدم تقديمه بصوت جديد وبنظرة فاحصة وناقدة ترتبط بأحدث المناهج والنظريات والبحوث.

جائزة محورية

* أصبحت جائزة الشيخ زايد للكتاب ركيزة مهمة من ركائز الحركة الثقافية العربية، حيث شجّعت على الإبداع والتأليف في قطاعات ومجالات مختلفة، واستهدفت شريحة واسعة من القراء الصغار والكبار.. بوصفك أميناً عاماً لها، هل استطاعت الجائزة أن تواكب وترصد المتغيرات الحاصلة؟

** جائزة الشيخ زايد للكتاب هي جائزة تعبر عن المكانة الكبيرة والرمزية للكتاب في حياة الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها الحديثة. ودوره الرائد في عملية التنمية المجتمعية. وهو الذي أطلق المبادرات اللازمة على نحو متزن وعقلاني لينقل مجتمع الإمارات من البعد الشفهي إلى الكتابي وأطلقت المدارس في عهده. وقبل ما يزيد عن ربع قرن وجّه بتأسيس معرض أبوظبي الدولي للكتاب وشجّع على القراءة والمطالعة بوصفها من معطيات الدول المتقدمة. وبالتالي جاءت الجائزة لتكون اسماً على مسمى وتعبر عن أهمية الكتاب وقيمته، وتخلق حركة واسعة تعزز الإقبال على الإبداع والكتابة. 

أيضاً تهتم الجائزة برفد شرائح المجتمع وتشكيلاته في فروعها، كالكتابة في أدب الأطفال والناشئة والعلوم الإنسانية والترجمة والتأليف، وأضحت اليوم إحدى أهدافها الرئيسية أن تشجع الكتابة والتأليف في فرع جديد أطلق مؤخراً هو (الثقافة العربية في اللغات الأخرى) ويتم في كل مرة اختيار 3 لغات تكون فيها اللغة الإنكليزية لغة دائمة. كما تستمر الجائزة في إطلاق المبادرات المتجددة لتنمية نشاطها في المعارض المحلية والدولية، وبالتشارك مع مؤسسات ثقافية أخرى من خارج دولة الإمارات. ف كانت المشاركة مع الإسبان، ومع الفرنسيين في معهد العالم العربي. إلى جانب أنها استطاعت أن تسلّط الضوء على أهدافها وربط المجتمعات بها جاذبةً الأنظار إلى محتواها الفكري.

قلق وحنين

* ما الذي يشغلك اليوم؟ 

** أحياناً يعتريني نوع من الحنين إلى الكتابة والبحث العلمي الذي ابتعدت عنه بعض الشيء في ظل الاهتمام الكبير والانشغال بالأعباء الوظيفية والإدارية، وفي ظل الانشغالات العديدة الأخرى. وأظن أن هذا الأمر يسبب لأي مثقف نوعاً من التحدي. فالانشغال في ضروريات الحياة مهم جداً ومطلوب وأساسي، لكن لا بد وأن يتساوى جنباً إلى جنب مع الاهتمام بالمتطلبات الثقافية والاجتماعية بشكل شخصي لكل إنسان، وإلا فسينتج عن ذلك قصور في الرؤية.. وربما بعد مرور ما يقارب الـ 5 سنوات، يكتشف المرء عدم إدراكه وتبصره لما حدث وما يحدث وما سيحدث.

وصحيح أني قصّرت في الكتابة لكن هناك متطلبات تفرضها الوظيفة التي هي جزء هام من العمل الثقافي في المجتمع، بالإضافة إلى الاهتمام بالعائلة والأسرة.

أيضاً هناك قلق آخر إزاء موجة التشدد التي تحصل في العالم العربي، فشئنا أم أبينا نحن جزء مما يحدث حولنا. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة في كثير من الشواهد، أثبتت رفضها للتعصب والتطرف، إلا أن هناك انشغال عام يتملك المثقفين والمفكرين في دول مجلس التعاون، بالمحيط المضطرب وهو ما يشكل نوعاً من الإنصات، مع طرح تساؤلات عديدة يأتي في مقدمتها: كيف يمكن ملامسة التحديات الحقيقية التي عصفت وضربت بالإنسان العربي، وسط كل هذا الجهل والضعف الحقيقي في مكونات الأفراد من جهة وقدرات المؤسسات من جهة أخرى؟

في السياق ذاته أسأل: ما هي الحلول الثقافية التي يمكن أن نستنبطها من منظور ثقافي لمواجهة هذه الموجات المتشددة و التحديات؟ وهل فعلاً ثقافة 30 سنة ماضية لم تستطع أن تخلق مثقفاً يواجه الحقيقة في تلك الفترة؟ فالمثقف العربي لم يستطع أن يدافع ويواجه الأحداث الحاصلة، إنما وجدنا الثقافة العربية ينتابها قلق وجبن في طرح الأفكار. ووجدنا أصواتاً جديدة لا تملك خطاباً واعياً هي التي تضع ثقلها على المشهد في الثقافة الحقة، ليحل محلها جسد ممزق غير واضح المعالم من الثقافة المصطنعة.

فلا بد من التركيز على الحلول التي يمكن للمثقف العربي أن يمتلكها ليستطيع أن يكون ضمن خطة تفاعلية تربط المؤسسات بالحكومات والأفراد وبالنخب وهكذا. مع ضرورة التشديد على عدم التنكر للشرائح العامة وأن ندرس وعيها ومعطياتها بعين الاعتبار.

كيف استطاعت لغة السلاح والقتل والدمار أن تتغلب على لغة العقل والفكر والوعي الصحيح في بعض مناطق الشرق الأوسط والعالم ؟ 

ببساطة واختصار.. إن أجمل الحلول يمكنك أن تعثر عليها في الماضي.. لكن وللأسف لقد أضحت المنظومة الفكرية القديمة بالتعاطي مع الآخر، غائبة وغامضة لا يعرفها الكثيرون من أبناء العالم العربي في الوقت الراهن. بالإضافة إلى غياب قسري للذاكرة الحية التي أسسها الأسلاف في رؤيتها للواقع المعاصر. حين كانوا يحترمون ما أنجز قبلهم ليس فقط في الأدب بل حتى في الفقه والحديث الشريف وفي السيرة القديمة، منذ أن كتب الترمذي سيرته والسيوطي وطه حسين وغيرهم. 

ونعود عند هذه النقطة إلى مفهوم تناول التراث، الذي علينا عدم تفسيره بما يدغدغ مشاعرنا ورغباتنا الآنية، كونه لم يأتِ لتعزيز التقاليد، بل لتعزيز الاختلاف والارتباك.

إشادة

تجدر بنا الإشادة بالملحق الثقافي في جريدة الاتحاد والذي استطاع، منذ انطلاقه، أن يضيء مناطق وثيمات مهمة جداً في فكرنا وفي فكر الآخر. وأبرز نواحي إشكالية وضرورية، محلياً وعربياً وعالمياً، وسلّط الضوء على نحو عميق على اتجاهات الثقافة بكل اختلافاتها وتقاطعاتها، وأكّد على ضرورة العناية بالتقاليد والثقافة من منظور عام وشامل.


* الاتحاد الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *