د.محمود الشلبي
في الطريقِ إلى قبر أمي،
تقاسمني وجعٌ من لظى الحُزنِ،
واسترسلَتْ في سمائي الخساراتُ،
تختالُ في السّردِ،
قبلَ الوصولْ.
إنهُ طيفُ حلمِ الطفولةِ،
والنومُ فوق الذراع الحنونةِ،
والليلُ يهبطُ شيئاً فشيئاً،
وفي يدهِ حلكةٌ،
تستبيحُ المسافاتِ،
في مهجةِ الغورِ،
حتى كأن العيونَ البريئةَ،
آنسها هاجسٌ من ذُبولْ.
***
أتذكرُ في خانةِ السّمْع،
عند المغيبِ،
نداءاتِ أمي،
وقد رجعَ الناسُ من رحلةِ اليوم
وقتَ الأصيلْ.
في الفضاءِ المُزنّرِ بالفَقْدِ،
آيةُ وجْدٍ…
وصورةُ بُعْدٍ…
وظِلٌّ كسُولْ.
كانَ وقْعُ النداءِ حليفَ الدلالةِ،
والصوتُ ملتبسٌ في رنين الفراقِ،
فبادلْتُها خفْقَ قلبٍ مُعَنّى،
بخفقِ قلبٍ دفينٍ،
ولكنّ وطْءَ الترابِ المقيمِ على روحها،
صامتٌ وثقيلْ.
والمرايا التي ذكّرتني بها،
كل يومٍ…
عَلَتْها بلا رغبةٍ،
دمعةُ الصدأ العلنيِّ النزيلْ.
***
في الطريق إلى قبرِ أمي،
أضَعْتُ الطريقَ،
فقد كنتُ أمشي إلى الخلفِ،
كي ألتقي بالزمانِ الجميلِ،
على مدخلِ البيتِ،
أُصغي إليها…
وأشرب شايَ المساءِ،
على بسطةٍ للمَقِيلْ.
في الطريقِ إلى قبرِ أمي،
ساورتْني الظنونُ،
التي بعضُها ليسَ إثماً،
ولكنها حيرةٌ،
في الممرِّ الطويلْ.
لم أجدْفي فراغِ السنينَ الخوالي،
سِوى سيرةِ القبرِ،
أسعى إليها،
بموهبةِ الحدس والحسِّ،
كان التّماثلُ في هيئةِالموتِ،
من قبلُ أو بعدُ،
مثلَ الحقيقةِ والحقِّ،
صِنْوينِ في صيغةِ الفعلِ،
والبحثِ عن مَعلمٍ أو دليلْ.
***
بعد حينٍ نحيلٍ من البعدِ،
-أنْحلني مثلهُ-
كنتُ أسترجعُ المشهدَ العائليَّ،
بشيءٍ من الواقعيةِ والصدقِ،
حين استعدْتُ على شاهدِ القبرِ،
قوْلةَ أُمي..
«ألا أيُّهذا «المُسَلْوَعُ»،
يا قشةَ البيدرِ القرويِّ،
المدثرِ بالعُرّيِ،
يا أيها الولدُ العاطفيُّ،
الشقيُّ،
العليلْ».
قلتُ مستأنساً بالرصيدِ الطفوليِّ عندي:
إنني لستُ ذاتي،
ولكنني شهقةٌ مُرةٌ،
في ترابِ الفجيعةِ،
والموتُ يعلنُ وقتَ الرحيلْ.