«كيلو من الثقافة العامّة» هذا هو العنوان الذي اختاره الباحثان الجامعيان فلورنس برونشتاين وفرانسوا بيبان لكتابهما المشترك. ولا شك أن مثل هذا العنوان يثير بعض الغرابة والدهشة. هذا خاصّة أن مؤلفيه باحثان أكاديميان من جهة وأن موضوعه هو «الثقافة العامّة» من جهة أخرى.
لكن مضمون هذا العمل ليس مألوفا أيضا بصفحاته الـ1700 صفحة موزّعة بين 24 فصلا يتتبع فيها المؤلفان المحطات الثقافية الأساسية في المسار الإنساني منذ الحقب التاريخية الأولى حتى الفترة الراهنة. ومن خلال هذا المشروع الضخم لا يتعرّف القارئ على الثقافة الإنسانية في مشاربها الأساسية فحسب، لكنه يتعرّف أيضا على محتلف الحضارات وفي مختلف القارّات.
لا شك أن الإعلان في بداية الكتاب عن المشروع الذي يطمح المؤلفان إلى تحقيقه يبدو أنه عصيّ على التحقيق بسبب ضخامته. لكن لا شك أيضا أن الصورة تختلف جدا بعد الشروع في قراءته. ولعلّ التوصيف الأكثر دقّة له أنه مشروع «طموح» بالفعل، لكن السنوات التي أمضاها المؤلفان، كما يشيران في مقدمته، في البحث والتنقيب من أجل إعداده لم تذهب هدرا.
ومن أجل الحرص على الوضوح وإمكانية سهولة البحث في هذا العمل بصفحاته الـ1700 تبنّى المؤلفان نوعا من الفهرس الذي يدل على أسماء الذين يتم التطرّق لهم وكذلك بالنسبة للأمكنة وللكتب وللمرجعيات ومما يعطي للعمل قيمة قاموسية حقيقية.
ولكن ما هي إذن الثقافة العامّة؟
في محاولة الإجابة على هذا السؤال يحدد المؤلفان في البداية القول «على خلاف صفة العالم التي تتلخّص بتكديس المعارف والمعلومات تتطلّب الثقافة تقديم الجهد من أجل الفهم والحكم على الأشياء وإيجاد الروابط بينها».. بهذا المعنى يستوجب امتلاك الثقافة العامّة المطلوبة العمل الجدّي من أجل اكتسابها.
إن فلورنس برونشتاين وفرانسوا بيبان يتبنيان إلى حد كبير التعريف التالي للثقافة حيث تمثل الأكاديمية الفرنسية مرجعيتهما. نقرأ: «يحدد قاموس الأكاديمية الفرنسية لعام 1932 الثقافة العامّة بكل ما هو ضروري لشخص ما سينهي دراساته من التاريخ والأدب والفلسفة كي يكون مسلّحا إلى درجة كافية في الحياة.
اعتبارا من تلك اللحظة تغدو الثقافة العامّة شيئا آخر غير المعارف النوعية المتخصصة. هذا بمعنى أن الثقافة العامّة تلعب دور الجسور للمرور بين الأشياء ولطرح الأسئلة الجيّدة».
بالمقابل يتم التركيز على مدى صفحات هذا الكتاب أن المعرفة العامّة هي التي تسمح للذين «يمارسون مهنا فيها الكثير من التخصص أو الذين يمتلكون كفاءات تقنية عالية بأن ينفتحوا على أشياء أخرى ومعارف أخرى». بهذا المعنى يمكن أن يكون أحدهم «عالما» كبيرا ولكن «مثقّفا متواضعا».
ويفرّق المؤلفان في تحليلاتهما بين «الثقافة العامّة» و«الثقافة المعممة». ولا يخفي فرانسوا بيبان وفلورنس برونشتاين في هذا السياق رغبتهما العميقة في إمكانية دفع القارئ إلى تعميق معارفه العامّة، مما قد يساعد، برأيهما، على جعل العالم «أكثر سلاما». ذلك على أساس أن الجهل وقلّة الثقافة عاملان في تغذية غريزة العنف.
* البيان