( ثقافات )
عن دار نشر الجامعة الأمريكية، القاهرة – نيويورك، صدرت بالإنجليزية رواية الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله الملحمية (قناديل ملك الجليل) بترجمة نانسي روبرتس التي سبق لها وأن ترجمت روايته (زمن الخيول البيضاء)، وبذلك تكون هذه الرواية هي الكتاب الخامس الذي يصدر لنصر الله بالإنجليزية حتى الآن.
تتناول الرواية فترة مهمة، ومجهولة إلى حد كبير، في التاريخ العربي، وما قام به القائد ظاهر العمر الزيداني لتأسيس دولة وطنية مستقلة في فلسطين.
وتغطي الرواية، التي اعتبرها كثير من النقاد أهم رواية عن فلسطين، فترة زمنية واسعة ممتدة من عام 1689 حتى عام 1775، وهي الفترة ذاتها التي شهدت ميلاد ورحيل هذا القائد الذي اتصفت فترة حكمه بالعدل والتسامح ونشر الأمن، والتجاء كثير من الفئات الاجتماعية المضطهدة إلى المدن التي كانت تحت سيطرته، مثل عكا وحيفا والناصرة وطبرية وحوران وعجلون وسواها، كما شهدت فترة حكمه نمو التجارة والزراعة وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع كثير من دول العالم. وتدور أحداث الرواية في فلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر واسطنبول.
الروائي والناقد فاروق وادي يرى أن هذه الرواية: ملحمة روائيّة مبهرة.. واحدة من الأعمال التي ستسكنني وتعيش معي في ما تبقّى لي من حياة. أضع هذه الملحمة السّرديّة في مكانٍ أثير على رفّ الروايات الكبرى التي حفرت عميقاً في وعيي ووجداني منذ أن وقعت مبكراً في فتنة السّرد متلقياً، وحتى اللحظة.
أما الدكتور زياد الزعبي فيرى أن (قناديل ملك الجليل): بنية فنية سامقة تنبثق من التاريخ ولكنها تتحرر منه لتأخذ القارئ إلى عوالم جمالية مدهشة تضيء بؤرة جغرافية تاريخية معتمة من تاريخ فلسطين مستندة إلى مرجعية وثائقية متينة لكنها تعيد بناء الأحداث ورسم الشخصيات وملامح الحياة في تلك البؤرة محررة إياها من تاريخيتها الموضوعية ومقدمة لها في بنية سردية جمالية تمزج بين الواقعي والمتخيل معتمدة على تقنيات السرد وتوظيف الأسطورة وطرائق القص الشعبي ومروياته الجذابة المشوقة لبناء كون جمالي تتكامل شخوصه وأحداثه وأمكنته. إنها رواية الثورة على الظلم والبحث عن الحرية والعدالة رواية ستأخذ القارئ إلى عوالمها وتعبر في الوقت نفسه عن عوالمه الراهنة.
في حين كتب الناقد الدكتور محمد عبد القادر: عندما انتهي الكاتب الشهيد غسان كنفاني من كتابـــة روايتــــــــه الموسومــــة ب “ما تبقى لكم” قال: لقد شعرت أن وليام فوكنر ينهض ويصافحني بحرارة. وعندما انتهيت من قراءة رواية إبراهيم نصرالله الأخيرة ” قناديل ملك الجليل” شعرت بأن التاريخ الفلسطيني ينهض ليصافح بإجلال واعتزاز هذا الشاعر الروائي المبدع لإنجازه ملحمته الروائية هذه.
نصرالله مبدع يأتي في وقته دائما، سواء أكان شاعراً أم روائياً، مدفوعا ليس فقط بموهبته العالية وثقافته الواسعة، بل أيضاً بإحساسه الشديد بعظم المسؤولية الوطنية والقومية والإنسانية الملقاة على عاتقه حيال قضيته الأساس، وحيال القيم الإنسانية الكبرى. لقد أضاءت قناديل نصرالله حقبة من الزمن الفلسطيني بلغت قرنا إلا قليلا، اسمها “ظاهر العمُر”، “الظاهرة” التي قلما التفت إليها مؤرخون ودارسون ومبدعون حتى جاء الكاتب فنفض الغبار عن مرحلة أساس في التاريخ الفلسطيني، وكشف فنياً عن معالم شخصية قاربت تخوم الأسطورة، في ولادتها ونشأتها وتطورها وتحدياتها وانجازاتها، وفي نهايتها المفجعة.
إن “قناديل ملك الجليل” هي الملحمة الروائية الرائدة في تاريخ الرواية الفلسطينية، وهي التي ستردم الهوة ما بين الملحمة الشعرية الفلسطينية التي أبدعها عدد من الشعراء الفلسطينيين الكبار والملحمة الروائية التي ظلت غائبة لعقود طويلة بالرغم من العمق التاريخي البطولي والملحمي للتجربة الفلسطينية على امتداد تاريخها. لقد جاء إبراهيم نصر الله في أوانه تماماً، وجاءت “القناديل”، درة إنتاجه الروائي، ملحمة نثرية بكامل عدتها التاريخية والفنية، لتشكل عهداً جديداً غير مسبوق في الرواية الفلسطينية.
يذكر أن دار النشر اختارت لوحة الفنان الفلسطيني زياد ظاهر غلافا للرواية، وأن ست طبعات صدرت من الرواية حتى الآن عن الدار العربية للعلوم- بيروت، ودار مكتبة كل شيء- فلسطين.