*يوسف أبولوز
في نهاية كل عام ميلادي جرت العادة في أغلبية صحافات العالم على التلفت إلى ماضي العام، وتأمل حصاده ووقائعه ومناسباته اللافتة، وهو عرف أكثر من صحفي، فمن الموضوعي أن نقرأ، فعلاً ، حصاد العام على أكثر من مستوى، ومن أبرز هذه المستويات يأتي قطاع الثقافة وهو من القطاعات الأكثر حيوية واتصالاً مباشراً بحياة الإنسان ومتطلبه الفكري والمعرفي .
2014 من منظور ثقافي في الإمارات هو بالطبع امتداد للأعوام الماضية، وبالطبع، يأخذ هذا الامتداد ميزته أو خصوصيته من خلال وقائع العام الثقافية، لكن قبل قراءة هذه الوقائع على المستوى المحلي يمكن القول إن الإمارات حققت في العقدين الأخيرين نمواً ثقافياً تفوّق على بلدان أو عواصم احتكرت الثقافة، بوصفها – أي هذه البلدان – مراكز لهذا الحقل، وما سواها هامش استهلاكي بعيد عن مركز صناعة الثقافة واستثماراتها وإنتاجيتها المادية والمعنوية، لكن في الحالة الإماراتية، خصوصاً ونحن نتحدث هنا بالتحديد عن حصاد ثقافي، أي بمعنى أوسع تراكم ثقافي، ظهر في الإمارات الحصاد تلو الحصاد ومن عام إلى عام . كل عام يلتقط من العام الماضي الايجابيات ويبني عليها ويعززها، ثم كل عام يضيف إلى العام الثقافي الذي يليه مجموعة من الخبرات والكفاءات وحتى السلوكات الثقافية الايجابية .
كما تلاحظ عزيزي القارئ . . من المهم وضع احصاءات وسرديات وتواريخ للأحداث الثقافية في عام، ولكن من المهم أيضاً تتبع الحصادات السابقة والتراكمات الثقافية السابقة أيضاً من أجل تكوين رؤية ثقافية محلية، وبالتالي عربية . . رؤية في إطار أوسع وأكثر دراماتيكية ومرونة . . رؤية نواة لاستراتيجية ثقافية عمادها مجموعة حصادات سابقة تؤسس إلى حصادات مستقبلية هي الهدف الأخير والجوهر .
نقول ذلك ونحن نقرأ اللحظة الثقافية الإماراتية المتجددة والمتحوّلة والطامحة دوماً إلى المستقبل، في ضوء ذلك نشير بقوة إلى الحدث الإماراتي الأبرز الذي يحمل في مضامينه الرؤية والاستراتيجية التي أشرنا إليها قبل قليل . . هذا الحدث هو المراسيم التي أصدرها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهي “مجمع الشارقة للآداب والفنون ويرأسه هشام المظلوم، ومعهد الشارقة للتراث ويرأسه عبدالعزيز المسلم، وهيئة الشارقة للكتاب ويرأسها أحمد بن ركاض العامري، وهذه المراسيم تعني دخول مرحلة ثقافية جديدة بعد سنوات من الخبرة والممارسة الثقافية الميدانية والإدارية والتنظيمية، ومن الملاحظ توزيع التخصصات والحقول في ضوء تجربة طويلة وناجحة لمشروع الشارقة الثقافي الذي هو حصاد عقود من العمل والتفكير والاقتراح والانتاج .
لقد جاءت هذه المراسيم لتؤكد رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة الرامية إلى إنتاج ثقافة تتوجه إلى الإنسان وإلى روحه وعقله وقلبه . ثقافة تنويرية أولاً وأخيراً، ثقافة لا تعرف التعصب والغلوّ والانفعال، ثقافة الحياة والتسامح والانفتاح والجمال والخير . هذه مرتكزات أساسية لا بد من الإشارة إليها أكثر من مرة هنا في الإمارات التي تشهد ظاهرة ثقافية إنسانية تنويرية مرة ثانية وثالثة ورابعة .
هذه الظاهرة الثقافية الإماراتية هي في الواقع الحصاد الكبير، فإن نتاج عام من الثقافة هو حصاد صغير أو هو حصاد سنوي، إنما الحصاد الكبير هو ما ينبغي أن نعاينه جيداً، ونتابعه جيداً في أكثر من فكرة واقتراح وأكثر من مشاركة .
الإمارات، شهدت في 2014 حدثاً كبيراً آخر أيضاً هو تظاهرة “الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية”، وخلال هذا العام لم تتوقف المعارض الفنية ذات الصلة بالثقافة الإسلامية، كما لم تتوقف الندوات والأمسيات واللقاءات ذات الصلة بالمناسبة، وبرزت روح هذه المناسبة في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين، حيث تمركز الكثير من فعاليات المعرض على حدث “الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية” .
2014 إماراتياً، وفي قراءة بانورامية، هو عام نموّ حركة الترجمة والتأليف والنشر . هذه حقيقة تجب الإشارة إليها، ولكننا، نعود ثانية ونقول إننا لا نقدم هنا إحصاءات وسرديات تاريخية ورقمية، فالمهم هو بناء حصاد على حصاد، وهذا البناء أو هذه البناءات تعلن عن نفسها من واقع خريطة العمل الثقافي الإماراتي من حصاد عام إلى حصاد عام .
الفنون التشكيلية الإماراتية ومن حصاد إلى حصاد . . إلى نمو وتأصيل وواقعية ومعاصرة وعالمية، المسرح الإماراتي أيضاً إلى العالمية، لا ننس أن الإمارات حصلت على رئاسة الاتحاد العالمي للمسرح هذا العام، وستظل في هذا الموقع إلى سنوات مقبلة، وأهل المسرح بل أهل الثقافة عموماً، يعرفون أهمية أن تفوز الإمارات بهذا المنصب الرفيع .
معارض الكتب في الإمارات إلى نمو واستقطاب ناشرين ودور نشر ومثقفين، بل إلى عناوين جديدة وفكر جديد يحترم كرامة الإنسان ويُعْلي من شأنه البشري في زمن الإرهاب السياسي المنظم، والإرهاب الفكري المنظم أيضاً .
نقول بكل وضوح إن الطابع العام لروح الثقافة في ،2014 وفي الأعوام القليلة السابقة، ومنذ أن انقلب الربيع السياسي العربي إلى خريف ثقافة الإرهاب والعصبية الجاهلية باسم الدين، والدين من كل فعل إرهابي بريء، في هذا المناخ العام في المنطقة تتوجه مؤشرات العمل الثقافي في الإمارات إلى تمكين الثقافة من أن تكون ثقافة تسامح ومحبة ومرونة، وثقافة خير وعدل وجمال في مقابل بؤر الفكر الأسود والعصبيات الفكرية والسياسية المسلحة، وفي النهاية، ومن المؤكد، سينتصر حصاد الخير والجمال والتسامح .
______
*الخليج الثقافي
شاهد أيضاً
ليتني بعض ما يتمنى المدى
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …