*بسمة النسور
يحرص كثيرون من فئة المثقفين والكتاب، حفاظاً على الهيبة والبرستيج الفكري والتفوق النخبوي على التأكيد أنهم ليسوا من متابعي برنامج (أرب أيدول). ليس ذلك فحسب، بل إنهم لا يتورعون عن كيل النقد الحاد واللاذع، واللجوء إلى التسخيف والتسفيه لكل من تسول له نفسه متابعة برامج ترفيهية من هذا النوع، لا تتضمن أي قيمة معرفية. المفارقة أن ذلك لا يمنع بعضهم من الانجراف والمشاركة في إبداء آراء تفصيلية، وفي تحليل مواقف وملابسات متعلقة بالبرنامج والتصريح بتعليقات، من دون أن يغفلوا (على سبيل التقية) الإشارة إلى أنهم شاهدوا حلقات متفرقة بالمصادفة المحضة! في محاولة فاشلة لتأكيد التميز والاختلاف عن (العامة والدهماء والرعاع). ومع التأكيد على محدودية، وربما انعدام، تأثير هؤلاء على مستوى الشارع العربي في هذا الشأن، وفي شؤون أكثر خطورة وحساسية، لا بد من الاعتراف أن (الأيدول)، أو المحبوب، كفكرة كونية كاسحة، نجحت على مستوى الكرة الأرضية في شد اهتمام الجماهير واستقطابها، وتحقيق أرباح أسطورية على صعيد التسويق والإعلانات، وهي الفكرة الأكثر نجاحاً في عالم الترفيه. ومن الطبيعي أن كل محطة ابتاعت الفكرة عملت على إضافة ملامح تفرد وخصوصية ثقافة بلدها، سواء على صعيد الموسيقى المنتقاة، أو كفاءة أعضاء اللجان وأهليتهم من المختصين، وكذلك أسلوب مقدمي البرنامج العالمي الأكثر شهرة، والأعلى مردوداً.
وحين محاولة تأمل ملامح خصوصية (أرب أيدول) الذي حافظ على المعايير المطلوبة، من حيث الشكل بطبيعة الحال، فإنه قدم صورة باعثة على القلق، من وجهة نظر بعضهم عن ثقافتنا وطريقة تفكيرنا، سواء في الحرص والتركيز على اختيار الأغاني القديمة حصرياً، ومع الإقرار بثراء تلك الأغاني وروعتها ومكوثها في وجداننا ردحاً طويلاً من الزمن، غير أن استمرار اجترارها على هذا النحو يؤكد حقيقة مؤسفة مفادها أن هذه الأمة مصابة بالشلل الإبداعي والعقم الجمالي، وهي ما زالت عاجزة عن تجاوز موروثها العظيم، وأنها، بهذا المعنى، سلفية بامتياز. أما من حيث انتقاء الفنانين أعضاء اللجنة، فهذه حكاية أخرى، تستحق البحث، وهم بدون أدنى شك أسماء ناجحة فنياً، وبعضهم محبوب جداً، ويحظى بجماهيرية ساحقة، عالية المستوى، في مختلف أقطار الوطن العربي، والمفترض أن لهم باعاً طويلاً في عالم الموسيقى، غير أن الصادم حقاً هو مقدار السطحية التي تكشفت، في شخصياتهم وحضورهم غير الفذ، إضافة إلى الجهل وقلة الدراية والمعرفة والادعاء.
تجلى ذلك مرات، من خلال فقر وضحالة ومحدودية مخزون المفردات التي ينهلون منها، في سياق تقييم المتسابقين على المستوى الفني المتخصص، فلم نسمع، على مدى البرنامج، سوى مفردات فضفاضة عامة: (عربك حلوه) بالخليجي (صوتك بجنن) باللبناني، (أنا كنت جاي انطرب وانطربت) بالمصري، علاوة على مقدار النفاق والمجاملة والتدليس وفائض الثرثرة والرعونة وثقل الظل كذلك، وكلها تعكس التدني الخطير لمستوى ثقافة هؤلاء النجوم. أما أكثر ما يبعث على الحزن، وعلى الرغم من المظهر الوحدوي الخادع للبرنامج، هذا اللعب على نغمة القطرية والجهوية، لتعزيز حجم المشاركة الجماهيرية في عملية التصويت. يؤكد ذلك مستوى الحشد والتعبئة، فارتفعت نغمة الخطاب العصبوي والجهوي في بلدان المشاركين في التصفيات النهائية. والحق أن الفلسطيني هيثم خلايلة والسعودي ماجد المصري يستحقان نيل اللقب، ولكن بديهياً، لا بد من فائز أول باللقب، حازه بجدارة السوري حازم شريف، وهو بدون شك فتى جميل بصوت أخاذ واعد.
وبالعودة إلى سكان الأبراج العاجية: ماذا لو قمتم، ولو على سبيل التجربة، بالانخراط برهة من الزمن، في شأن عادي وبسيط، وربما سخيف، وهو، بكل تأكيد، بمثابة تخفف مجاني من أسباب البؤس التي تحاصرنا على مدى الساعة.
________
*العربي الجديد